ذبح سكان جماعة مجي الخروف عند نقطة انطلاق أشغال التنقيب عن مخزون الغاز الطبيعي بالمنطقة في اطار دينامية وطنية تصاحبها حالة من استعادة الشهية لدى الشركات المتخصصة. مجي الفقيرة، تمتد على مساحة 120 كيلومترا مربعا، تعداد سكانها لا يتجاوز 7026 نسمة، ومداخيلها بسيطة بساطة أنشطتها الزراعية والرعوية والتجارية. لكن آمال سكان مجي ومجلسها المنتخب لم تنفك تتعاظم منذ إطلاق أشغال مشروع التنقيب عن الغاز الطبيعي. وهي انتظارات وآمال يبررها واقع اقتصادي صعب وإحساس قوي بالانتماء إلى الارض وكل ما يرقد في باطن تلكم الارض من ماء او غاز او نفط. فمع إعادة فتح ملف التنقيب عن مخزون الثروات الطاقية بإقليمالصويرة، مجي تحديدا، تجدد النقاش حول وقع استغلال هذه الثروات السيادية على المناطق الحاضنة لمخزونها. حيث يرتقي سقف انتظارات السكان ومعهم مختلف الفاعلين المحليين، ليطالبوا بجعل تنمية المنطقة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والبيئي ضمن اولويات القرار العمومي في هذا الصدد خصوصا وأن إقليمالصويرة يعتبر من اكثر الاقاليم المغربية احتضانا لمؤشرات الهشاشة. إلا أن هذه الانتظارات تصطدم بواقع مركزية تدبير الملف الطاقي، ومبدأ عدم تخصيص مداخيل المالية العمومية. كما تصطدم بالنموذج المؤلم لمنطقة مسكالة التي تحتضن مخزونا مهما من الغاز الطبيعي يجري استغلاله منذ عشرات السنين بدون أن يكون له اي وقع إيجابي على المعيش اليومي الصعب للسكان. بل على العكس من ذلك،عانى سكان المنطقة جراء الشروع في استغلال هذه الثروة الطاقية بداية بمسطرة نزع الملكية، حيث أعملت الادارة المغربية حق الامتياز ونزعت اراضي الفلاحين مقابل أثمنة تعسفية ، فأجهزت بالتالي على مساحات زراعية ورعوية مهمة. وهو ملف حقوقي وقانوني بالأساس يقتضي مراجعة من طرف الدولة المغربية إثر الحيف الذي لحق بسكان المنطقة الذين دفعوا لاحقا ثمن هذا الاجراء الذي تم تفعيله بشكل تعسفي . وبالتالي كانت المصلحة العامة في تأويلها الضيق، مدخلا لضرب المصلحة العامة لمئات السكان الذين دفعوا لاحقا ثمن اشتقاقات هذا الاشكال القانوني. وبدل أن تكون الثروة الطاقية مدخلا لتنمية المنطقة والارتقاء بها، لم تستفد منطقة مسكالة من استغلال مخزون الغاز الطبيعي، بل على العكس من ذلك، عمق المشروع معاناة سكانها الذين اختار السواد الاعظم منهم الهجرة الى المدينة في ظل انحباس افق التشغيل الذي لم ينعشه مشروع استغلال الغاز الطبيعي، وفي ظل بساطة الانشطة الفلاحية وانحسار مواردها، وفي ظل ضعف البنيات التحتية والخدمات الاساسية للمنطقة التي لم تعرف اي تطوير . وتأسيسا على هذه التمظهرات وغيرها، صار من الملح فتح نقاش عمومي حول وقع هذا النوع من الأوراش الوطنية على التراب الحاضن لها في ظل مقاربة مجالية تروم تحقيق التنمية الشاملة باستحضار الامكانيات والخصوصيات والاعطاب كذلك. كما يقفز إلى الواجهة سؤال مركزة تدبير الثروات الطاقية بالموازاة مع إطلاق مشروع الجهوية المتقدمة الذي تمت دسترته سنة 2011 . واتصالا بالملف الطاقي كذلك، يحضر نموذج منطقة كاب سيم حيث تم إحداث مشروع لإنتاج الطاقة الريحية في اطار استراتيجية وطنية تروم الرهان على الطاقات المتجددة او النظيفة. المشروع وإن كانت له أهميته إلا انه لم يكن نظيفا على المستوى الايكولوجي والاقتصادي و الصحي والاجتماعي. فعلى المستوى الايكولوجي ، تطلب إحداث المشروع الاجهاز على مجال غابوي ضامن للتوازن البيئي للمنطقة وحاضن لتنوع بيولوجي ، حيث ترتبت عن هذا الاجراء حركية مستمرة للرمال وتعرية المنطقة التي اصبحت عرضة للتصحر وتراكم الرمال في المناطق السكنية والطرقات كذلك. اما على المستوى الاقتصادي، وبالنظر لتداعيات المشروع الصحية والإيكولوجية، عرفت المنطقة حالة عزوف من طرف المستثمرين والمقيمين الاجانب الذين كانوا قبل إحداثه يعتبرون كاب سيم وجهة مفضلة لاقتناء الاراضي والتخطيط لمشاريع سياحية او الاستقرار بشكل نهائي. مما ادى الى انهيار أثمنة البقع الارضية الشيء الذي ادى بالضرورة الى تهاوي اقتصاد المنطقة التي كانت تمنحها حركية قطاع العقار نفسا اقتصاديا مهما. هذا الاثر الاقتصادي السلبي، كانت له تداعيات اجتماعية سيئة، ضاعف مشاكل المنطقة المحسوبة على المجال الحضري للصويرة بدون أن تحمل من الطابع الحضري إلا الاسم والقيد في سجل اللوائح الانتخابية بقوة التقطيع الترابي المجحف. حيث تفتقد الى الربط بالماء الصالح للشرب والطرقات وغيرها من البنيات التحتية والخدمات الاساسية. وبالتالي كان مشروع إحداث المحطة الريحية الشعرة التي قصمت ظهر البعير، حيث أدت تداعياته السالفة الذكر الى الدفع بشباب المنطقة وأغلب ساكنتها الى الهجرة الى مركز المدينة او غيرها من المدن المجاورة بحثا عن ظروف عيش أفضل. اما على المستوى الصحي، فقد اثبتت دراسات علمية بأن للمحطات الريحية تأثيرا سلبيا على الجهاز العصبي وبالضرورة على الصحة العامة للساكنة المجاورة لها بسبب الانبعاثات الصوتية الضارة . الشيء الذي دفع بالعديد من الدول الى تغيير وجهة المحطات الريحية الى المجال البحري كما هو الحال بالنسبة لهولندا مثلا. هذا الامر عزز مخاوف المستثمرين الاجانب من الاقامة بالمنطقة وزكى حالة العزوف عن اقتناء اراضي او إقامة مشاريع بالمنطقة. وبالتالي تكرست الازمة في ظل الصمت عن التداعيات السلبية على الصحة العامة للسكان. إن النقاش حول هذا النوع من المشاريع يجب ان يستحضر مفهوم المصلحة العامة من باب تأويله الواسع الذي لا يضيق أفق تنزيله الى درجة إلغاء المصلحة العامة لآلاف السكان والعديد من الاجيال وتحويل مجال ترابي حي الى حيز غير قابل للحياة. لقد باتت المقاربة المجالية مدخلا محددا في التعاطي مع المسألة التنموية التي انعكست حركيتها لتصبح ذات أثر تصاعدي تنطلق من المحلي الى الجهوي ثم الوطني وليس العكس. كما ان المقاربة التشاركية تقتضي إشراك السكان والمعنيين المباشرين في تمرين التفكير المشترك في آليات التنزيل وفق تصور مندمج يستحضر مختلف الابعاد بما فيها المحدد الحقوقي.