مريم السعدي تحب أن تعتبر «أميرة مناضلة«. بل إن تلك هي الصفة الرسمية المتبثة في نهج سيرتها بالموقع الرسمي لمؤسسة محمد الخامس لحماية البيئة، التي تترأسها منذ تأسيسها سنة 2001. ولم تتردد، خلال السنوات الأخيرة، أن تطوف بالمغرب، ما جعلها إلى جانب الأميرة للاسلمى، أكثر وجوه العائلة الملكية حضورا في المشهد العام المغربي. فمنذ 2009 وهي تشرف على حملات التحسيس وتدشين الفضاءات الخضراء وتزور المدارس والثانويات وتترأس المناظرات الدولية. بل إنها كانت وراء تنظيم اليوم العالمي حول الأرض بالرباط سنة 2010 وأيضا المؤتمر الدولي حول التربية على حماية البيئة بمراكش خلال شهر يونيو الماضي. وهي ملتقيات عالمية حضرتها كبار الشخصيات العالمية في مجالي البيئة والطاقات المتجددة. مثلما أنها تقف وراء فكرة «شواطئ نظيفة» ومشروع «الجناح الأزرق» وإعادة تأهيل عدد من الحدائق الكبيرة. وهي حاضرة بقوة، أيضا، في مجال حماية الطفولة، وهي قضية تدافع عنها منذ شبابها الأول بدعم وتوجيه من والدها (الملك الحسن الثاني). في ماي 1985، بعد حصولها على الباكالوريا، قررت الإنخراط في العمل الجمعوي الخاص بالتضامن بدلا من إكمال دراساتها العليا. وهو قرار شجعها عليه والدها، الذي عينها رئيسة شرفية لشبكة قرى الأطفال بالمغرب وعمرها لا يتجاوز 14 سنة. بعدها تحملت مسؤولية عدد من المنظمات مثل الجامعة الوطنية للنساء الموظفات بالقطاع العام والشبه العام وكذا المؤسسة الخيرية للا حسناء بالدارالبيضاء. وتؤكد إحدى مساعداتها السابقات: «إن العمل إلى جوارها متعة. فهي ذات شخصية جد خلوقة ومتعاونة. فقد كانت تحرص كلما حضرت تدشينا ما أن تخاطب الأطفال بحميمية مؤثرة. وهي تمتلك مكرمة الإنصات وتحسن اختيار كلماتها جيدا». تزوجت سنة 1991، من الطبيب المتخصص في أمراض القلب خالد بنحربيط. كان الحسن الثاني سعيدا جدا بذلك الزواج ومنح لصهره مهمة إدارة الأملاك المخزنية في شقها الفلاحي. سترزق الأميرة بابنتها البكر أميمة سنة 1995 ثم بابنتها علية سنتين بعد ذلك. فغيرت الأمومة من نظرتها للحياة، كما شرحت ذلك في الحوار الوحيد الذي أجري معها بمجلة «سيدتي« السعودية سنة 2006، حيث قالت: «علمتني الأمومة أن أعطي بدون مقابل، فأنا أهب لبناتي كل وقتي وكل روحي. لقد علماني معنى الصبر والبدل والعطاء«. ويحدث أن تظهر بنتاها إلى جانبها في بعض الأنشطة الرسمية. هن جد قريبات من والدتهن التي اعترفت ل «سيدتي» قائلة: «تتأسس علاقتي مع بناتي على ثلاث: الحوار، الحوار ثم الحوار». أتحدث معهن في كل شئ وليس هناك موضوع طابو أو ممنوع بيننا». وستعرف كل من للا أميمة وللا علية حياة هنية بالرباط إلى جانب ابنة خالتهما للا سكينة الحفيدة المدللة للملك الحسن الثاني. وقبل وفاته في يوليوز 1999، كلف صغرى بناته أن تتحمل مسؤولية برنامج وطني لنظافة الشواطئ المغربية يتوج بمنح جائزة لأنظف شاطئ. قبلت المقترح، فاكتشفت جانبها المهتم بالبيئة. سيؤكد مصدر مطلع أن الحسن الثاني الذي انتبه لكونها أكثر تواصلا مع محيطها من شقيقاتها سيدفعه إلى تكليفها بمهام سفيرة العائلة الملكية في المجالات الإجتماعية. هي صغرى بنات الملك وتمت تربيتها لتعلب دورا عموميا في المغرب. لقد أكد ذلك الملك محمد السادس نفسه في حوار له مع مجلة «باري ماتش» الفرنسية، حيث قال: «لقد تمت تربيتنا بصرامة أنا وشقيقي وشقيقاتي. ببرنامج مدرسي جد مكثف. وتلقينا تربية دينية قوية في القصر». وهي تربية طبعتهم إلى الأبد، على اعتبار أن للا حسناء قد طرحت ذلك في حوارها مع مجلة «سيدتي»: «كنا دوما قلقين لحظة تقديم نتائجنا إليه لأنه في مجال دراستنا كان والدي صارما. وكان عقابنا دوما شديدا». وهذا لم يمنع الطفلة التي كانت أن تخصه بتقدير عال: « لقد كان يضع مسافة بين وضعه كملك وبين واجبه كأب. وكان يتعامل معنا مثلما يتعامل أي أب محب لأبناءه». مضيفة: « إنه بفضل التربية الصارمة لوالدنا تعلمنا التواضع وأن نكون أناسا مسؤولين. لقد علمني أشياء مثلما يحدث في أي جامعة». خلال طفولتها أحيطت للاحسناء بالعديد من المربيات والمساعدات االواتي يرافقنها في كل مكان. درست بالمعهد المولوي واحتكت بنخبة من الأطفال مختارين من قبل والدها. فلم تكن صديقة لأبناء الوزراء فقط، بل إنها ارتبطت بصداقة مع تلميذات من أوساط فقيرة وكذا بأطفال من القصر. يؤكد مصدر مقرب، مضيفا أنها لاتزال على علاقة صداقة مع الكثيرين منهم، فهي جد وفية للصداقات ولا تتخلى أبدا عمن تحترمهم وتعزهم. ولقد شكلت وفاة والدها سنة 1999 صدمة قوية لها، وبعد ست سنوات اعترفت لمجلة «سيدتي» قائلة: «بالنسبة لي الحسن الثاني ليس ذكرى إنه يجري في عروقي وكل يوم أجتهد في المبادئ التي رباني عليها». مضيفة بإعجاب: «لقد كانت له شخصية خارقة». وأنها جد فخورة به. وبعد رحيله قررت الإنخراط كلية في المهام التي دفعها إليها، بل زادت من قوة انخراطها ذاك. واندمجت بكل جوارحها وقوتها في مجال حماية البيئة، ومع مرور السنوات أصبحت مرجعا في المجال، فأنشأ الملك محمد السادس مؤسسة محمد الخامس لحماية البيئة وعينها على رأسها. فأحاطت نفسها بسرعة بفريق مجرب وأطلقت العديد من الورشات. ويؤكد نور الدين عيوش، الذي تشرف مؤسسته الإشهارية «شمس» على الحملات التواصلية للمؤسسة، أنها « تمتلك جديا حسا رفيعا للتواصل وهي تدرك أن أي عمل ميداني لن ينجح بدون إطلاع الجمهور العام عليه». وأول الوصلات الإشهارية التي كانت عبارة عن رسوم متحركة هي «عائلة بونظيف» التي تنظف الشواطئ والغابات. والكل مصاحب بأغنية التي تحولت إلى أغنية شعبية عند الجمهور المغربي. يؤكد عيوش: «إنها فكرتها هي. لقد حرصت أن يكون الأمر رسوما متحركة وأن يكون في العائلة طفل وطفلة، وهي من أطلقت عليهم ذلك الإسم». وهي مادة تواصلية عرضت على الملصقات وأيضا على أمواج الإذاعات. كونها أميرة مناضلة، جعلها تهتم بالسينما، حيث أصبحت من الحاضرات بمهرجان السينما الدولي بمراكش. فقد حضرت في الولايات الثلاث الأولى حفلات الإفتتاح إلى جوار شقيقها مولاي رشيد وشقيقاتها، وكانت بدون شك الأسعد بالحضور، حيث يؤكد أحد المقربين منها أنها إلى جانب الأمير مولاي رشيد، الذي هي جد قريبة منه، تعتبر عاشقة للسينما بشغف. ويترجم ذلك من خلال مظهرها العام الذي يتغير سنة عن سنة، حيث استقلت تدريجيا عن أسلوب شقيقتها الكبرى للا مريم وأيضا عن أسلوب للاسلمى. وخلال سنوات 2005 ? 2009، تراجعت عن المشهد العام. ما السبب؟ الجواب من قبل إحدى المقربات منها، أنها اختارت الإهتمام بعائلتها وأساسا بتربية بناتها التي اعتبرتها أهم مهامها حينذاك. لقد تتبعت عن قرب تمدرس ابنتها للا أميمة وشقيقتها للا علية، وخلال العطل كانت تسافر معهما لإشراكهما في عشقها للسفر. ويضيف نفس المصدر: «هي امرأة عاشقة لاكتشاف الآفاق واكتشاف ثقافات جديدة. ولقد بدأت تأخد معها بناتها منذ أصبح عمرهن أربع سنوات إلى مختلف بقاع العالم». لقد أكدت ذلك لمجلة «سيدتي» حيث قالت: «إننا أعشق اكتشاف عمق الثقافات المختلفة وأن أكتشف روائح طبخ وتوابلها». مثلما أنها جد عاشقة للموسيقى والرسم. يضيف نفس المصدر: «هي عاشقة للجمال وللأشياء الجميلة مهما كان مصدرها. وهي تعز الكثير من الفنانين العالميين. وموسيقيا فهي ذات ذوق منوع لكنها عاشقة متيمة لموسيقى أمريكا اللاتينية، وهي مغرمة بتلك القارة أصلا. فهي عاشقة للسالسا والتانغو». كما أن سفرها عبر العالم قد جعلها تكتشف وضعية البيئة بمختلف القارات، شغفها الدائم من أجل المساهمة في الحفاظ عليها في وطنها المغرب. فحين تكون في المغرب، بعد كل سفر، فهي تداوم ليومين أسبوعيا بمقر المؤسسة التي تترأسها لحماية البيئة. شكلت سنة 2009، سنة العودة القوية للأميرة في المشهد العام الوطني. لقد انخرطت كليا في عمل مؤسسة محمد الخامس لحماية البيئة. وأصبحت تشرف شخصيا على كل المشاريع. فخلال إعادة تهييئ حدائق بوقنادل والكتبية بمراكش فقد باشرت العمل بنفسها مع المتخصصين في مجال حماية الحدائق وساهمت في شكل الإصلاح وهندسته. واختارت الهوية التي ستمنح لكل واحدة منها. واختارت المسارات وأنواع الشجر والزهور التي يجب زرعها (يؤكد نور الدين عيوش). وحديقة مراكش تلك تعتبر أول حديقة في المغرب مرتبطة بالأنترنيت حيث يمكن لزوارها الدخول إلى الويب أثناء التجوال بها من خلال حواسيب متبثة بداخلها بشكل حديث. وفي شهر مارس 2010 توجهت سموها إلى واشنطن حيث شاركت في عدد من المناظرات التي تناولت فيها الكلمة بإنجليزية رفيعة، بحضور كاتبة الدولة في الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، التي فاتحتها في بعض مشاريع المؤسسة التي تترأسها. وبعد عودتها إلى المغرب اشتغلت لأسابيع بقوة وشغف من أجل إنجاح احتضان المغرب للدورة 40 لليوم العالمي للأرض في أبريل 2010 بالرباط. ومما يؤكد عليه نور الدين عيوش أنها «سيدة لا تحب أنصاف الحلول، فهي جد طموحة وتنتظر أعلى العطاء من فريقها بذات القدر الكبير التي تبدله هي». وفي خضم مهامها على رأس مؤسسة محمد الخامس لحماية البيئة، فهي تتعاون مع عدد من الوزارات. وتتذكر مسؤولة بوزارة التعليم قائلا: «في أول مرة التقيتها في اجتماع مع الوزارة، لم أعرف كيف سأخاطبها، فقد كنت متعودا على تقديم تفاصيل ضافية واسعة، لكننا حينها كنت محرجا. لقد فطنت لذلك بسرعة، بحكت سموها نكتة حتى تبعث روح انشراح على الأجواء. لقد نجحت خطتها حيث اندمج الجميع في جو عمل حميمي إيجابي». والنتيجة تضيف تلك المسؤولة، أنه كلما كان هناك لقاء اجتماع معها نكون جد متحمسين للعمل معها براحة مهنية كبيرة. نعلم مسبقا أن الجو العام سيكون إيجابيا والنتائج موفقة». والدليل على نجاح تلك المنهجية، هو أن مؤسستها ناجحة بشكل ملفت وهي نموذج لمؤسسة ناجحة تحقق صدى دوليا كبيرا. مثلما أن سموها قد نجحت في إدماج فريق عمل مساعد للشخصيات الوازنة في دعم عمل المؤسسة. بدليل أنه في يونيو الماضي، تم استدعاؤها للمشاركة في الملتقى الوزاري العالمي حول البيئة بالعاصمة الكينية نيروبي، التابع لبرنامج الأممالمتحدة للبيئة. وهناك وقعت مذكرة تهدف إلى دعم مشاريع مشتركة مرتبطة بالتنمية المستدامة والتعليم والبيئة. بالتالي فإن السنوات القادمة تبدو جد واعدة للأميرة للا حسناء التي أطلقت العديد من المشاريع خلال الأشهر الأخيرة. يؤكد أحد مساعديها المقربين قائلا: «إنها جد متحمسة لرفع التحديات. وبناتها تتابعن حاليا دراساتهن بفرنسا، بالتالي فهي متفرغة أكثر للمؤسسة». (*) عن أسبوعية «تيل كيل» عدد 25/31 أكتوبر 2013.