إن تبني خطاب المغالاة ، والنظرة السطحية التي تروم تسويد الأفق وإقحام المزايدات وإصدار أحكام قيمة بصدد قضية من أولويات قضايا العصر، هو من قبيل إنكار للحقيقة التي يجب أن تتسم بطابع موضوعي صرف : إنها قضية المدرسة، التي سال حولها مداد كثير، بل حاولت بعض الإسهامات الوقوف على مواطن الأزمة ، لكن بعضها جانب الصواب إلى حد المبالغة . قد يعترف الجميع أنها تعيش تخبطا ، قد يوصلها قريبا إلى السكتة ، و ربما الموت الوظيفي ، إذ شهدت في الآونة الأخيرة اندحار القيم ، مما تسبب لها في وضع الانفصام والانعزالية ، لغياب مشروع المجتمع ، كما عاشت أزمة تدبير وعقلنة لفترات متتالية على مستوى السياسات المتتالية التي أفقدتها السلاسة المطلوبة ، فأضحت تعاني أزمة هوية انعكست سلبا على مستوى تنزيل برامجها و مناهجها. لكن يجب الاعتراف أن المدرسة ككيان مجتمعي ، فهي تستمد خصوبتها وكينونتها من المجتمع الذي يمثل الأصل و المنبع ، ولا يمكن مطلقا أن يكون فعل وجودها منعزلا عن المؤسسة النواة مادام القاسم المشترك هو وحدة الوظائف و الأدوار . بالتأكيد, فإن الكيان المجتمعي قد عجز عن التأسيس للسلوك المدني كقوة تأثيرية اقتراحية للإسهام في خلق أسس الفكر و الممارسة ، مما أثر سلبا على الأداء الثقافي التربوي . في غياب تصور شمولي واضح بعيد عن النظرة أحادية القطب ، فإنه عادة ما يتم عزل العلة عن المعلول ، والسبب عن المسبب ، إذ أن الحديث عن أزمة المدرسة بمعزل عن الأزمة الحقيقية التي يتخبط فيها المجتمع ، حديث مجانب للصواب ، فلا يمكن تصور مدرسة ناجحة في غياب مجتمع بعيد عن خطاب القيم و الهوية . إن الخطاب القيمي خطاب حداثة و فكر وتكوين ينسجم مع بنية المؤسسة السسيولوجية وتنعكس تأثيراته على جل المؤسسات التي تتقاسم نفس الوظيفة ، وإذا كان الإشكال هو اختلال التوازن في الوظيفة الاجتماعية التي تمثل القلب النابض للحياة المدنية التربوية ، فإنه من الصعب نجاح مؤسسة التربية و التكوين في أداء مهامها ، لغياب الامتدادية و السند وطغيان النمطية في السلوك و الممارسة . لا حديث إذن سوى عن أحكام معيارية بشأن الأدوار التربوية ، بعيدا عن الأزمة الفعلية الحقيقية التي تقتضي من الجميع الانخراط الواعي في قلب الأزمة ، و إيلائها ما تستحق ، وفي غياب مطلق لتهيئ الفرد وانخراطه في الشأن العام و ضمان زواج و انسجام النظري بالممارسة الواقعية ، ستظل الأزمة بلا حل . إن إصلاح المدرسة مرهون بإصلاح المجتمع، ولا يمكن أن يستقيم لها حال إلا بتوافر الأسباب التي لطالما انتفت ، و هي كالآت : - جعل العنصر البشري في قلب الاهتمام ضمن معادلة المعرفة و القيم كمشروع مجتمعي يحظى بالأولوية . - انسجام السلوكات والمهارات والمواقف مع الوضعية الاجتماعية العامة لأنها من صلبها ،على العكس من وضعية النقيض الذي لا يسبب عدا شرخا في ثنائية العلاقة : تربية - مجتمع . إن الرابط الأصل بين الفعل المدرسي و الأثر الاجتماعي هو المحك الحقيقي للقياس الذي يضمن حل المعادلة ، فإذا اتسعت الهوة بينهما بعد الحل و انعدم وتعمق حجم الأزمة ، الشيء الذي يكرس بالملموس تضارب خطابي الحقيقة والمغالاة .