ثلاثة أسباب رئيسة وراء إقدام العربية السعودية على تفجير مفاجأة بالأممالمتحدة ، لم يسبق لمجلس الأمن أن شهد مثيلا لها منذ تأسيسه، وذلك بعد الاعتذار عن قبول العضوية غير الدائمة في المجلس بعد انتخابها من طرف الدول الأعضاء الحاضرة في اجتماع الجمعية العامة بالأممالمتحدة. وهي: 1-الصفقة الأمريكية الروسية التي تتعلق بنزع السلاح الكيماوي من الأيدي الملطخة بالدماء في دمشق. والتي أدت إلى إخراج بشار الأسد من الشرنقة التي وضع نفسه فيها بعد إقدامه على استعمال السلاح الكيماوي ضد المدنيين في الغوطتين الدمشقيتين. الأمر الذي كانت تعتبره إدارة أوباما خطا أحمر. مما أنذر بضربة عسكرية كانت وشيكة هددت بها الولاياتالمتحدةالأمريكية علانية ضد نظام بشار. غير أن دهاء الدٌب الروسي، الذي اقترح نزع السلاح الكيماوي لسوريا تحت إشراف الأممالمتحدة، أجل أو ألغى إلى حد كبير الضربة المزعومة والتي كان من شأنها إضعاف القدرات الدفاعية، والعسكرية عموما، لنظام بشار الأسد الذي سارع إلى القبول بالمقترح الروسي للحيلولة دون التعرض لتلك الضربة في إطار سلوك ينم على تصرف غريزي(حب البقاء) أكثر من أن ينم على تصرف سياسي أو إستراتيجي، مقابل التنازل عن أي شيء يرغب فيه الآخر بما في ذلك السلاح الإستراتيجي لسوريا. فنجح بذلك الروس في تحويل القضية من قضية شعب يتعرض لكل أنواع الإبادة والتطهير الطائفي إلى قضية أسلحة كيماوية. كانت العربية السعودية تعول على الضربة الأمريكية لنظام بشار للإجهاز عليه وإسقاطه بواسطة المعارضة المسلحة التي تمولها تمويلا قويا. وذلك يمكنها من جني ثمرتين: الأولى تقليص التكلفة المادية التي تتكلفها لتسليح المعارضة في الداخل السوري. والثانية، إخراج سوريا من الهلال الشيعي الذي يدين بالولاء لإيران وإدخالها في التحالف المعتدل الذي تتزعمه هي (السعودية) وتنضوي تحت رايته دول أخرى؛ خليجية ك: الإمارات.. وإقليمية ك: الأردن ومصر.. لكن استجابة إدارة أوباما للمقترح الروسي، الذي ينص على تدمير السلاح الكيماوي من يد بشار، أمميا، مقابل العدول عن توجيه ضربة عسكرية فورية، أثار جموح الغضبة السعودية. 2- المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس الإيراني الجديد حسن روحاني مع نظيره الأمريكي أوباما والتي أبانت على وجود تقارب أمريكي إيراني مشهود. الذي من شأنه أن ينسف الإستراتيجية التي تتبعها العربية السعودية على الصعيد الإقليمي. إذ تعتبر إيران القوة الأكثر منافسة على النفوذ في المنطقة, خاصة بعد أن أصبحت تمتلك عدة أوراق فاعلة محليا منها العراق برمته وحزب الله في لبنان والحوتيين في اليمن، الذي لم يعد سعيدا بل أصبح أقرب إلى الدولة الفاشلة بسبب الضغوطات الخارجية ومنها الضغوطات السعودية، وكل هؤلاء يُقاتلون إلى جانب بشار في سوريا من أجل إبقائها تدور في الفلك الإيراني. في حين أن محور الدول المعتدلة الذي تتزعمه العربية السعودية يعرف رجات قوية من شأنها إحداث هزات أرضية في هذا التحالف. كالتطورات السريعة التي تعرفها مصر على كل الأصعدة. إذ أن مساندة السعودية والدول التي تدور في فلكها للجيش في الإنقلاب على الشرعية يصب في نفس الاتجاه ويعد نتيجة طبيعية للمخاوف المتعلقة بالتقارب (التخييلي) بين الإخوان وإيران. خاصة بعد الزيارة الشهيرة التي قام بها الرئيس الإيراني السابق لمصر. حيث التقى بالرئيس مرسي ودارت بينهما محادثات بالغة الأهمية. الأمر الذي دفع بالسعودية إلى تقديم رشوة كبيرة قدرت بأكثر من 16 مليار دولار أمريكي للجيش من أجل الانقلاب على المسار الديمقراطي لتفادي رئيس مصري يتحجج بالشعب والمشورة والشرعية. وبذلك إرجاع مصر، التي لم تكن أبدا جزءا من الهلال الشيعي، إلى (فلك السعودية). وهذا ما يفسر القول بأن مصر كانت مُختطفة. 3- ملف نووي إيران الذي عرف تطورات غاية في الأهمية بعد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك. حيث تردد على لسان أكثر من مسؤول أمريكي ما مفاده أن لإيران الحق في الاستفادة من الطاقة النووية السلمية. الأمر الذي اشتهر بالغزل الأمريكي لإيران. خاصة بعد المكالمة التي جمعت بين الرئيس الإيراني الجديد المحسوب على التيار الإصلاحي المعتدل في إيران و الرئيس أوباما. هذا ما أخرج إيران من العزلة الدولية التي أوقعه فيها الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد المحسوب على التيار المحافظ المتشدد. مما أدى إلى رفع عدد من العقوبات الدولية على إيران ماليا وطاقيا واقتصاديا ولوجستيكيا. بينما يمكن الملاحظة بأن مسألة التيارات السياسية في إيران هي مسألة مُسيًسة بدرجة كبيرة. بل ومخطط لها. إذ أن الذي يحكم فعليا في إيران هو الولي الفقيه الذي يدين له الجميع بالطاعة والولاء بما في ذلك الكيانات السياسية التابعة لإيران في الخارج. سيتضح ذلك بجلاء إذا عدنا إلى ما قبل المكالمة الهاتفية الشهيرة. إذ أن الأمور كانت تتجه نحو لقاء بين الرئيسين لولا مكالمة أخرى من الولي الفقيه علي خامنئي, حيث تحول ما كان مقررا أن يكون لقاء وجها لوجه إلى مكالمة هاتفية دامت أكثر من 15 دقيقة وهي الدقائق نفسها التي أججت نار الغضب السعودي على المسؤولين الأمريكيين. كل هذه التطورات دفعت العربية السعودية إلى قرع ناقوس الخطر الإيراني الذي أصبح يتهددها عندما استشعرت أن البساط يسحب من تحت أقدامها في عدة مواقع ذات أهمية بالغة. لهذه الأسباب وصف المتتبعون اعتذار العربية السعودية عن قبول مقعد غير دائم في مجلس الأمن، بالأحرى رفضه، إنما هو ردة فعل يائسة في لحظة غضب ربما تتراجع عنها في ما يٌستقبل من الأيام. بينما بررت الخارجية السعودية ذلك بثلاثة ذرائع أخرى هي: عدم التوصل إلى حل وسط في القضية الفلسطينية، وعدم إبقاء المنطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وعدم تمكين الشعب السوري من تجاوز محنته أمام نظام بشار. في الواقع؛ هذه المبررات مشروعة ومعقولة وواقعية. إلا أن التوقيت هو الذي يسقطها في البراغماتية السياسية. غير أن هذه الرؤية للتحالفات في المنطقة (دول اعتدال* دول مُمانعة) إنما هي رؤية قديمة تعود إلى ما قبل الربيع العربي الذي غير أمور شتى. فلا الممانعة بقيت ممانعة بعد الانبطاح المُدوي لنظام بشار في قضية الكيماوي. ولا الاعتدال بقي اعتدالا بعد التخبط السعودي حيث تسلح الجيش السوري الحر علانية، وهذا أمر محمود بما أنه ينادي بسوريا مدنية ديمقراطية لجميع السوريين، لكنها خفية تدعم جماعات تكفيرية أخرى تشتغل في نفس الحقل الملغم. وهذان الفصيلان يتناحران فيما بينهما خلف خط المواجهة مع الجيش النظامي الذي أصبحت تسيطر عليه عناصر حزب الله اللبناني و الحرس الثوري الإيراني وكتيبة أبو الفضل العباس العراقية. إذن الصراع في المنطقة صراع طائفي آخذ في التطرف والرجعية بين إيران الشيعية المفرغ من طائفيتها و السعودية السنية التي انجرت إلى هذا المنطق المقيت. يتضح ذلك في تهافتها حيث تدعم الربيع العربي وأفكاره التي تتوق إلى الانعتاق والديمقراطية في سوريا وفي نفس الوقت تقف ضده في باقي الأقطار العربية ك(البحرين) و(اليمن) وبخاصة في مصر إذ تقف وراء الانقلاب عن الشرعية الدستورية التي أتى بها الربيع العربي وترعاه رعاية كاملة إلى أن صارت تشكل العنوان الأبرز للثورة المضادة ومقاومة التغيير حتى فقدت بريقها كدولة زعيمة في العالم العربي لدى الأوساط المٌطالبة بالحرية و الكرامة الإنسانية. بيد أن التغيير لم يعد أمرا جماليا في الحياة اليومية للمواطن العربي العادي ولا حتى مطلبا جماعيا وحسب، وإنما أصبح ضرورة دياليكتيكية للتاريخ وحتمية تاريخية لابد منها للمرور إلى المستقبل. لذا فمُقاومة المٌقاومة قائمة على أشُدها، بدعم وبغير دعم، وبشتى الطرق. والأهم من ذلك كله أنها ماضية بفعلها على مُستوى العقلية الجماعية للشعوب العربية الطامحة لغد أفضل بلا سفاحين ولا إستبداديين ولا إنقلابات مُفاجئة عما تم بناؤه بشق الأنفس. * كاتب روائي مغربي. [email protected]