حاربوا ضد إخوانهم الريفيين تحت لواء لم يكن لواءهم, وساهموا في انتصار الفرانكوية خلال الحرب الأهلية الاسبانية، ومع ذلك, التاريخ نسي هؤلاء الجنود المغاربة الشجعان الذين لا تعترف بهم اسبانيا حتى اليوم. إذا كان هناك من مقاتلين منتصرين تحولوا إلى منبوذين ومكروهين، فهم بالتأكيد النظاميون المغاربة جنود النخبة الذين لم ينصفهم التاريخ. واعتبروا »مرتزقة« ,بينما لم يفعلوا شيئا سوى أنهم قاتلوا بفعالية رهيبة مثل نظرائهم الكوميون Goumiers في منطقة الحماية الفرنسية. »النظاميون« المغاربة في الجيش الاسباني لازالوا ينتظرون الاعتراف الذي كانوا يتمتعون به من قبل عندما كانت الصورة الرسمية لفرانسيسكو فرانكو معلقة في الادارات الاسبانية. في سنة 2011 ,احتفل جنود المجموعات النظامية الأهلية لاسبانيا بالذكرى 100 لإنشائها, وإذا لم يتم الاحتفال بهذه الذكرى في اسبانيا بما يليق بها بسبب الأزمة الاقتصادية، فإن الذكرى في شمال المغرب, حيث ولد هذا الجيش مرت في صمت تام, فالجيوش الاجنبية لاتحظى بسمعة جيدة في بلد تعرض للاحتلال العسكري والجنود القلائل من هذه الهيئة الذين مازالوا على قيد الحياة ربما لم ينتبهوا لهذه الذكرى. التاريخ يعيد نفسه ظهرت المجموعة الأولى لهذا الجيش النظامي سنة 1911 والهدف كان هو تجنيد مقاتلين محليين لتحرير الاسبانيين من عبء القتال في المغرب، وكان الطابور الأول الذي تشكل عبارة عن فرقة من المشاة يضم أربعة فرق ووحدة من الخيالة, وكانت هذه الوحدة تابعة للقيادة العامة بمليلية. جميع عناصر هذه الوحدة من الريفيين باستثناء الضباط الذين كانوا من الاسبانيين. في السنة الموالية, بعد توقيع معاهدة الحماية, أضافت مدريد طابورين آخرين من المشاة وآخر من الخيالة مشكلة بذلك جيشا حقيقيا من الأهالي. فكرة تشكيل جيش أوربي مشكل من جنود مسلمين ليست جديدة ما بين سنة 1410 و1467 شكل ملوك قشتالة حرسا من الجنود المسلمين مكلفين بحماية الملك, كانت تسمى الحرس الموريسكي لملوك قشتالة, لم تدم طويلا لأن عناصرها اعتنقوا في النهاية المسيحية واخلتطوا مع السكان المحليين. في سنة 1497 ,خمس سنوات بعد سقوط غرناطة في يد الملوك الكاتوليكيين وبعد 30 سنة على حل »الحرس الموريسكي لملول فشتالة« احتلت اسبانيا مليلية ثم وهران سنة 1509 في هذه الاخيرة أنشأ المحتلون مستغلين صراعات القبائل وحدة من »جنود السلام« ,مشكلة من جنود ينتمون لنفس القبيلة مكلفين بحماية المدينة من هجمات «جنود الحرب» أي في المحصلة، الطيبون الأشرار. «جنود الحرب» »ينعثون« «جنود السلام» «بالمعمدين وهو وصف قدحي يحيل على الخيانة, وتم تجنيد بعضهم من الساحل الريفي: هؤلاء كانوا يتكلمون اللغة المحلية ويعرفون جيدا المنطقة وكانوا حلفاء مهمين. وعندما استعاد البابات العثمانيون وهران وأراضي جزائرية أخرى احتلت في نهاية القرن 18, لم يعد لهذه الوحدات أي مبرر للبقاء وتم حلها وطوى النسيان هذه الوحدات إلى أن تجنيد وحدة عسكرية من المسلمين خلال الحرب الافريقية (1859 - 1860) من قبيلة بني شيكر الريفية لقتال جيش السلطان في تطوان. الجنود الريفيون كانوا يعملون كرسل ومترجمين في مناطق العدو. جنود الريف كما كان يسميهم الاسبانيون شكلوا وحدات ضاربة حقيقية, ومع مليشيا المتطوعين في سبتة, وهي وحدة جنود أخرى تشكلت في النصف الثاني من القرن 19، مكونة أساسا من أبناء الجبل, استعملت أساسا لحماية الثغرين المحتلين من طرف اسبانيا وستشارك بعد ذلك في احتلال الدارالبيضاء من طرف فرنسا سنة 1907 .هذه الملشيات هي النواة الاصلية للواحدات النظامية الأهلية الاسبانيةRegulares، ولهذا السبب وفي سنة 1914 بعد ثلاث سنوات على تأسيس وحدات أصدر ألفونس 23 مرسوما بحلهم ودمجهم في وحدات النخبة للجيش الاسباني. اختيار المعسكر حتى حرب الريف سنة 1921 كانت مجموعات Reglares الأربع (تطوان، مليلية، سبتة، العرائش)، في طليعة حملة احتلال وتطهير منطقة الحماية الاسبانية، وبفضل تدخلات هذه الوحدات تمكنت الجيوش الاسبانية التي لم تكن تعرف الميدان او تبالغ في اعتبار قوتها - من الافلات من موت محقق. لكن معركة انوال وحرب الريف سجلت فتورا في هذا التحالف بين بعض القبائل والجيش الاسباني. في معركة انوال تحول جزء مهم من الجنود المحليين الى المعسكر المعادي وحولوا اسلحتهم ضد ضباطهم الاسبان. واسباب هذا التمرد عديدة. هناك بطبيعة الحال نداءات عبد الكريم الخطابي التي تدعو عناصر الجيش والشرطة الاهلية الى التمرد. ولكن هناك سبب آخر. وخلافا للفرنسيين الذين يتفادون هذا النوع من الاخطاء، كان الاسبان يرسلون الجنود المحليين لقتال ابناء قبائلهم وهو ما ينتهي بالتمرد او عدم الامتثال، وهناك سبب آخر ويتمثل في التصرفات الجبانة للضباط الاسبانيين خلال معركة أنوال والمتمثلة في فرار اغلبهم من ساحة المعركة عندما بدأ جيش الجنرال سلفيستر ينهار. وعندما رأوا قادتهم يفرون وسط فوضى عارمة، قام هؤلاء الجنود المحليون بنفس التصرف. و من لم يفعلوا ذلك على الفور قاموا به فيما بعد. بشكل منظم،. مثلا من مجموع وحدة مليلية بقي فقط ضابط واحد و 10 جنود اهليين اوفياء لاسبانيا والباقي انتقل الى معسكر العدو. وكان جواب اسبانيا هو احداث مجموعة خامسة هي مجموعة الحسيمة المراقبة بشكل دقيق بسبب الحذر السائد تجاه العنصر المسلم ضمن الجيش الاسباني. لكن كانت هناك بعض المواقف البطولية. في بداية سنوات 1980 روى المؤرخ المغربي جرمان عياش قصة الضابط الريفي المسمى بوحوت الذي التقاه في سنوات 1970, كان شيخا هرما فقد بصره تقريبا والذي شرح له كيف فر من و حدة Reglares في اعقاب اندلاع حرب الريف. قبل ان يغادر حرص يوحوت على آخذ بذلته العسكرية حتى لا يخون الاوسمة الثمينة التي حصل عليها خلال المعارك. بعد الحرب سنة 1927 واصل الجيش الاسباني اصراره على ملاحقة ومعاقبة الجنود المسلمين الذين ساندوا وناصروا اخوانهم المغاربة ومن لم يتم اعدامه تعرض للسجن لفترات طويلة مثل بوحوت. وعندما اندلعت ثورة 1934 او ثورة اسطور ياس، نسبة الى المنطقة المنجمية في شمال اسبانيا. التي انتفضت ضد مدريد بدأت الحكومة الجمهورية اليمينية باستدعاء الجيش النظامي لإخماد التمرد, لكن الاضراب الثوري الذي اطلقه النقابيون الموالون للاشتراكيين والشيوعيين والفوضويين لا يمكن قهره. وكان المنجميون في الشمال منظمون بشكل جيد. يتوفرون على المتفجرات بكثرة. افرغوا مخزونات الشرطة والحرس المدني والجيش وكذا مخزون مصنعين للاسلحة في المنطقة. خلال ايام شكلوا جيشا يتكون من 30 الف عامل منجمي سمي» الجيش الاحمر الاستوري». في البداية حاولت الحكومة التهدئة وربح الوقت, لكن سرعان ما بدأت أخبار سيئة تصل إلى مدريد، كان الجيش الثوري يستعد للزحف نحو العاصمة، واعلنت منطقة كاتالونيا بدورها الاستقلال. أمام هذا الوضع الصعب ,استدعت الحكومة الاسبانية، التي لم تثق بالكامل في نجاعة جيش نظامي في مثل هذه الوضعية، استدعت ضابطا شابا يدعى فرانسيسكو فرانكو بوهاموند الذي كسب رتبة جنرال في حرب الريف. الزعيم القادم يتميز بكونه قاد في بداية سنوات 1910 واحدا من الطوابير الاولي للوحدات الاهلية وهو من فكر في استدعاء هذا اللفيف الاجنبي وبالخصوص وحدات النخبة المغاربة الذين استقدمهم الى اسبانيا. وكما كان متوقعا, كان القمع رهيبا. اللفيف الاجنبي والمغاربة واغلبهم من قدماء حرب الريف لم يترددوا في استعمال كل الاساليب. وقبل اطلاق يد جنود اللفيف ضد العمال حرص قادتهم وخاصة العقيد خوان ياغي على تشجيع الجنود على التعامل بكل القسوة الممكنة. وخلال اسبوعين فقط على اندلاع التمرد، سقطت اهم مدن منطقة استوريا مثل اوفييدون وخيخون في ايدي المغاربة. في بعض البلدات توسل المسؤولون النقابيون للعسكريين الإسبان ألا يتركوا المغاربة يدخلون مقابل الاستسلام دون شروط، ثم القضاء كلياً على ثورة أستوريا. كان ذلك أول مرة يقاتل فيها المغاربة بأعداد كبيرة منذ عهد الملوك الكاثوليك، ونقلوا إلى إسبانيا أساليب حرب غير مسبوقة في شبه الجزيرة وأعطوا صيتاً لصورة «»المورو»« الذي جاء ليدمر ويقتل ويغتصب. في خدمة فرانكو بعد سنتين، عندما فشل الانقلاب العسكري ضد الجمهورية في إسبانيا تحولت رؤوس الانتفاضة ومن ضمنهم الجنرال فرانكو، بشكل طبيعي نحو مجموعات اللفيف الأجنبي Regulares. وهذا الأخير هو من كلفه رفاقه بقيادة التمرد في المغرب مهد وطليعة جنود اللفيف، والذين سيتدفقون نحو إسبانيا. كانت ثورة استوريا مختبرا للعسكريين المتمردين. وبما أن التجربة »المغربية« كانت ناجعة، تكلفوا بإعادتها، وهذه المرة على نطاق أوسع. ومع مغاربة دائماً في المقدمة وبهذه السمعة عن القسوة التي ترتعد منها الجبهات في إسبانيا. في القاعدة الخلفية، في سجن عسكري قرب الناظور، سيجلب ضباط باحثون عن مقاتلين مجربين لإرسالهم الى إسبانيا، سيجلبون الضابط السابق بوحوت المسجون منذ نهاية حرب الريف. رفض الانضمام، ونقل عنه جرمان عياش بالحرف »»عندما قاتلنا من أجل هدف تحرير الريف من أي تواجد أجنبي لا يمكن أن نغيره«.» استمرت الحرب الأهلية الإسبانية أقل من ثلاث سنوات (يوليوز 1936 أبريل 1939) قامت المجموعات الخمس من وحدات اللفيف الأجنبي بما ينتظر منها: الحرب، شاركوا تقريبا في جميع المعارك، الصغرى والكبرى، وعلى جميع الجبهات معوضين دائما الوحدات الأوربية الفاشلة. وعندما وصلت الوحدة الايطالية التي أرسلها موسوليني الى وادي الحجارة في مارس 1937، استدعت القيادة العامة الإسبانية الوحدات المغربية، كان يتم إقحام جندي مغربي مع كل وحدة إسبانية أو إيطالية، وبهذا تم الحفاظ على الجبهة التي فقدها الإيطاليون. دور خفي لقد تمت دراسة الحرب الأهلية الإسبانية من كل جوانبها وصدرت مئات الآلاف من الكتب والدراسات منذ نهاية الحرب، لكن هناك القليل منها التي تحدثت عن المشاركة المغربية في هذه الحرب الأهلية، قد لا تتعدى عدد أصابع اليد الواحدة، رغم أن دور المغاربة كان حاسماً في المعارك التي ضمنت سيطرة العسكريين المتمردين على الجمهوريين وغيرت مسار الحرب. كان المغاربة في كل مكان، في المعارك الرهيبة بالحي الجامعي بمدريد الذي لم يسقط لكنه ظل معزولا. في طوليدو وبلباو وأوفييدو وبرونيتي وغانديسا وغيرها، وخاصة على جبهة إيبر التي شهدت مواجهة شرسة ودموية أودت بحياة عشرات، بل مئات من المقاتلين القادمين من الريف، من جبالة، من غمارة ومن سيدي إيفني ومن الصحراء ومناطق أخرى، دون الحديث عن بعض الرؤوس المعروفة القادمة من منطقة الحماية الفرنسية. والعزاء الوحيد أمام هذا العدد الكبير من القتلى والجرحى والمعطوبين ضحايا حرب لم تكن حربهم، هو أن معركة إيبر تكللت بالنصر. ومع ذلك، عند عودتهم إلى بلدهم، حكى المغاربة عن ملحمتهم، حكايات تحكى بين الناس في جبال الريف أو مقاهي شفشاون الهادئة، مثل حكاية هضبة الانتحار: 11 معركة مباشرة رجلا لرجل من أجل السيطرة على قمة جبل تعتبره القيادة العسكرية للطرفين، الجمهوري والقومي, استراتيجيا. خمسة نزالات فاز بها الجمهوريون وستة فاز بها المغاربة الذين سيطروا كليا على الوضع، أو تلك الحكاية المثيرة عن انتقام على الجبهة قرب سرقسطة كما يصفها أحد الناجين, كان أفراد طابور مغربي معزولين في نقطة محددة على الجبهة، مهمتهم مراقبة تحركات الجيش الجمهوري، انساقوا وراء إحساس بالهدوء في المنطقة، كانت لدورياتهم علاقات صوتية ودية مع دوريات الجيش المقابل، هذا الهدوء استمر إلى غاية صباح أحد الأيام, عندما عثر المغاربة على جثة أحدهم مرمية في نهر يفصل بين الجيشين. كانت الجثة لمعرض المجموعة «»تاه في الطريق وهو ينزل بحثا عن الماء من النهر ثم قتل. كان شابا وديعا, ماهر في التعامل مع المال أكثر من السلاح، لكنها الحرب، وكنا نحن نعتبره واحدا منا، تقبلنا وفاته، لكن ما لم نستسغه هو الطريقة التي قتل بها، بعدما قتلوه فقأوا عينيه وقطعوا يديه ورجليه، كان عملا مجانيا وفظيعا، ربما كانوا يريدون ترعيبنا، لكنهم أخطأوا«« يحكي أحد الناجين. في اليوم الموالي، اختارت جماعة تضم قدماء الطابور, حوالي 12 جنديا للانتقام لصديقهم، وحتى لا يتم اعتبارهم متمردين، اخبروا قائدهم الإسباني الذي رفض مرافقتهم وهددهم بالقتل وفضل الذهاب إلى سرقسطة حتى لا يزكي أو يمنع الحملة الانتخابية لرجاله. صباح اليوم التالي، استيقض المعسكر المقابل، الذي قتل صديقهم وهو مدمر وغارق في الدم احتله المغاربة في الليل و ذبحوا كل من كان فيه وأخلوه تماما. تم كسر الجبهة في تلك النقطة بالذات دون أن يدري بذلك أحد, لا في المعسكر الجمهوري ولا في معسكر المتمردين. تم الانتقام بصورة كاملة. واستحق المغاربة عن جدارة سمعتهم كرجال حرب رهيبين. بعد الحرب الأهلية، كان المغاربة ينتظرون تسريحهم بشكل مكثف, لكن ذلك لم يتم. اختارت اسبانيا التي أصبح يحكمها الجنرال فرانكو معسكر المحور (ألمانيا، إيطاليا، اليابان) دون أن يرسل جيوشه لاحتلال أوربا، كانت لفرانكو مشاريع أخرى، أولا الاستيلاء على جزء من منطقة الحماية الفرنسية بالمغرب. وهو مطلب قديم بمدريد التي اعتبرت دائما أن باريس ظلمتها بعد توقيع معاهدة الحماية سنة 1912. كان فرانكو يريد استغلال متاعب فرنسا أمام ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، لكن دون جدوى, لكنه وجد العزاء في احتلاله «المؤقت»« لطنجة المدينة الدولية في يونيه 1940 بواسطة المحلة الخليفية (جيش الخلافة السلطانية في تطوان) والتي كانت في الواقع مكونة من جنود فرانكو المغاربة (Regulares) مقنعين كجنون المحلة. حتى يحافظ على »»حياده««. في الواقع كان ذلك احتلالا دام المدة التي استغرقتها الحرب العالمية. في سنة 1945 غادر الاسبانيون بنفس السرعة التي احتلوا بها. ولكن الاسبانيين عانوا كثيرا خلال عملية »تورش« (الإسم السري لعملية الإنزال التي نفذتها قوات الحلفاء في الأراضي الفرنسية بشمال افريقيا في نونبر 1942، والتي كانت ماتزال تابعة لنظام فيشي, كان تجمع القوات المغربية في منطقة الحماية الإسبانية كثيفا جدا. استعدت مدريد لهذا الاحتمال وأحدثت سنة 1940خمس وحدات أخرى من قوات Regulares: وحدة شفشاون 6وحدات,وحدة لانو أماريو 7، وحدة الريف 8، وحدة أصيلة 9، ووحدة باب تازة 10، الأرشيف الإسباني يشير الى استعداد وتوتر شديد في مدريد تحسبا لاحتمال اجتياح لمنطقة الحماية الإسبانية من طرف قوات الحلفاء، اجتياح لم يقع وهو ما أثار إحباط الجمهوريين الذين كانوا يعتقدون أنهم عائدون إلى مدريد على ظهر الدبابات الأمريكية. لكن بالنسبة لفرانكو, كان الخطر في مكان آخر داخل بلاده، كان فرانكو مساندا قويا للوطنيين المغاربة، على الأقل, الوطنية في منطقة النفوذ الفرنسي. كان يؤمن بإمكانية انتفاضة عكسرية لجنوده المغاربة Regulares، عندما اخبرته مصالح مخابراته، بضعة أشهر قبيل استقلال المغرب سنة 1956، عن وقوع حادث قرب القصر الكبير, قرب الحدود مع المنطقة الخاضعة للنفوذ الفرنسي، في أوج الانتفاضة المعادية لفرنسا في المغرب,يعتقد أن ضباطا وجنودا من مجموعة Regulares من وحدة العرائش 4 بدؤوا يعدون لانتفاضة ضد الحماية الإسبانية، كانت هذه هي رواية المخابرات الإسبانية .ولتفادي تمرد مسلح وشيك، أسر فرانكو بنقل طابور الى أصيلة ثم مراقبة باقي المجموعة من طرف وحدة من اللفيف الإسباني، وحسب وثائق الأرشيف التي ماتزال سرية في اسبانيا، إضافة إلى محاضر الاستنطاقات التي خضع لها الجنود المغاربة، حيث كان جنود اللفيف الإسباني قاسين لفظيا تجاه المقاتلين المغاربة بمن فيهم الضباط، يبدو أن التوتر بلغ حدا دفع فرانكو إلى حل مجموعة العرائش بشكل مستعجل. العودة إلى الديار بعد الاستقلال, بدأت اسبانيا باتفاق مع السلطات المغربية الجديدة مسلسل عودة قوات REGULARES إلى اسبانيا, استمر حتى سنة 1961، لكن تم حل أغلب المجموعات لافتقارها للرجال, لأن أغلبية الجنود والضباط المغاربة الذين شكلوا هذه المجموعات أمثال الجنرال محمد أمزيان, فضلوا الالتحاق بالجيش المغربي الجديد, ولم تبق سوى مجموعتين تغيرت أسماؤهما كذلك وتحولت مجموعات قوات REGULARES الأهلية إلى مجموعات قوات REGULARES للمشاة, تتمركز في سبتة ومليلية, ومع مرور الوقت اختفى العنصر المغربي الذي اختار البقاء في الجيش الاسباني تماما, وحاليا في هذه الوحدات وحدهم الذين احتفظوا بالزي التاريخي الخاص بهذه الفئة من الجنود هم أوربيون أو مسلمون اسبان من سبتة ومليلية. واليوم، إذا كانت المساهمة البشرية المغربية تحظى بالتقدير من طرف الجيوش الفرنسية, وخاصة القوات البرية واللفيف الأجنبي، هناك قاعدة غير مكتوبة تمنع على الجيش الاسباني تجنيد مغاربة. وحدهم مسلمو سبتة ومليلية الذين يحملون الجنسية الاسبانية موجودون في الجيش الاسباني، هل هي عنصرية؟ هل هو حذر تجاه مواطني بلد يطالب باسترجاع أهم قاعدتين عسكريتين اسبانيتين فوق الاراضي المغربية؟ هناك شيء من السببين. ويبقى مصير من لازالوا أحياء, القدماء الذين حملوا زي LES REGULARES والذين قدموا دماءهم من أجل اسبانيا بغض النظر عن القضية. هؤلاء الشيوخ الذين نصادفهم اليوم, متكئين على عكاكيز في مدن شمال المغرب يقل عددهم اليوم عن الأربع مائة (400) وكل سنة تمر يختفي منهم حوالي 20، لكن هؤلاء المقاتلون في حرب رهيبة, منسيون ومهمشون, معاشاتهم بئيسة مثل بؤس الوضعية الاقتصادية الحالية لإسبانيا. وعلى النقيض من وضعية الجنود المغاربة لم يتم توحيد معاشاتهم مع معاشات رفاقهم من الجنود الاسبان وليس لهم الحق في الاستفادة من الضمان الاجتماعي الاسباني, ظلم كبير مطبوع بنوع من العنصرية صنعها اليسار الذي لم ينس من هزموه. في سنة 1996 منح البرلمان الاسباني الجنسية الاسبانية لقدماء المحاربين الأجانب في الحرب الأهلية، لكن بالنسبة للمغاربة الذين ربحوا هذه الحرب، لا مجال لمنحهم ذلك. عن مجلة «زمان»