كانت بريطانيا تمثل مركز الجذب الرئيسي للاستثمارات القطرية التي استحوذت على العديد من معالم لندن، بينها متجر هارودز الشهير ومبنى شارد، الأعلى في غرب أوروبا، لكن نفور وانتقادات البريطانيين لبعض المشاريع القطرية دفعها لتوجيه معظم استثماراتها الجديدة الى فرنسا. يجتذب شارع الشانزلزيه ملايين السياح في كل عام ليستمتعوا بالشراء في مركز التسوق إليزيه 26 ولعب البوكر في نادي الطيران والسيارات الفارهة وزيارة عمارة المستقبل في معرض سيتروين ومشاهدة فتيات الاستعراض بأجسادهن العارية إلا من الريش في ملهى ليدو. لكن رغم سحرها الباريسي, فإن أيا من تلك المفاتن لا يملكه فرنسيون, إنها مملوكة للأسرة الحاكمة في قطر الغنية بالموارد الطبيعية والتي تبعد نحو خمسة آلاف كيلومتر. وكانت بريطانيا تمثل مركز الجذب الرئيسي للاستثمارات القطرية، لكن نفور وانتقادات البريطانيين لبعض المشاريع القطرية في بريطانيا دفعها لتوجيه معظم استثماراتها الجديدة الى فرنسا. بالنسبة للأسرة الحاكمة في قطر، كان جزء من جاذبية بريطانيا يعود إلى أنها لا تفرض ضرائب على أرباح المستثمرين الأجانب من بيع العقارات. ومنذ خمس سنوات أبرمت قطر اتفاقا مماثلا مع فرنسا. وتم إبرام الاتفاق في عهد الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي عام 2008 وهي من أفضل ما حصلت عليه قطر، حيث تعفي المستثمرين القطريين من دفع الضرائب على أرباحهم من بيع العقارات، وهو ما تقول جمعية آبي بيير الخيرية إنه أمر مثير للجدل في بلد يعاني 3.6 مليون من سكانه من انعدام السكن اللائق. ويواجه الأمر انتقادات واسعة، حتى أن وزير الميزانية برنار كازينوف وصف المعاهدة بأنها "استثناء لا نريد تكراره". وتساءل آخرون إن كانت تحقق أي ميزة اقتصادية يمكن أن تعوض حصيلة الضرائب المفقودة. وتقول الحكومة إنها تفحص المعاهدة, لكن مسؤولا في وزارة المالية الفرنسية أبلغ رويترز أنها لا تشترط الإعلان عن مشتريات قطر وبالتالي من المستحيل تقدير حجم الضرائب المفقودة. تشير حصيلة بيانات أولية متحفظة الى أن قطر تملك 40 عقارا في فرنسا باستثمار إجمالي يبلغ نحو 7.8 مليار دولار، على مدى السنوات العشر الأخيرة، منها 6.3 مليار دولار منذ 2008. وبالأسعار الحالية تبلغ قيمتها حوالي 8.3 مليار دولار. ويعني ذلك أنها حققت أرباحا تزيد عن 14 بالمئة وتبلغ أكثر من 1.1 مليار دولار. وتعود ملكية كل عقار إلى شركة قابضة مملوكة بدورها لكيان أو أكثر بعضها خارج فرنسا، لذلك يصعب تتبع انتقال ملكيتها لمعرفة حجم الضرائب التي كانت ستحصل عليها فرنسا من الصفقة. وتفيد حسابات لرويترز راجعها 3 خبراء أنه بدون المعاهدة، كانت حكومة فرنسا ستجمع ضرائب قدرها 192 مليون دولار، على الأقل إذا بيعت المحفظة بالكامل وعلى أساس أقل شريحة ضريبية. وهذا أقل من دخل تصدير الغاز القطري في يوم واحد, لكنه في فرنسا يعادل أجر عام قبل حساب الضرائب لنحو 4500 من المدرسين أو العاملين في التمريض. ولم ترد السلطات القطرية ولا الصندوق السيادي على أسئلة أرسلت إليهم. كذلك لم ترد شادية كلوت التي تتولى شركتها للإدارة العقارية الاستثمارات المباشرة لآل ثاني. وفي 2008 أشاد تقرير للبرلمان الفرنسي بالترتيب الضريبي كونه يشجع الاستثمار القطري في العقارات الفرنسية وهو ما "سيصب بالتأكيد في مصلحة الاقتصاد الفرنسي"وتتضمن المعاهدة عدة بنودا لتشجيع تبادل المعلومات ومنع الاستغلال ولفرنسا اتفاقات مماثلة مع دول نفطية أخرى مثل الكويت والسعودية. وقال فيليب شيفالييه مدير شركة الوساطة العقارية الفرنسية إميل جارسان "بفضل تلك المزايا الضريبية القطريون هم الوحيدون الذين يشترون العقارات الفرنسية حاليا... لو أن الأمر بيدي لأيدت تقديم مزيد من تلك المزايا." وتعفي المعاهدة الكيانات المملوكة لدولة قطر من ضريبة الأرباح الرأسمالية , والتي لا تقل عن 34.4 بالمئة , عن أي أرباح من بيع عقارات فرنسية سواء مملوكة ملكية مباشرة أو عن طريق شركات تابعة. وقد ساهم "الهجوم" القطري على العقارات الفرنسية الفاخرة في ارتفاع أسعارها بنحو 14 بالمئة منذ 2008. وبحسب بيانات عقارية, فإن قطر انفقت أيضا نحو 7.8 مليار دولار على شراء العقارات الفاخرة في بريطانيا، لكن وتيرة الشراء تراجعت في الآونة الأخيرة بعد احتجاجات على بعض استثماراتها وتعطيل مشاريع أخرى. ويقول محللون إن مضاهاة البريطانيين كانت أحد أسباب الموافقة على المعاهدة. ففي 2008 كان منتجو النفط ينعمون في ظل طفرة أسعار السلع الأولية في الوقت الذي عانت فيه مراكز مثل لندن ونيويورك وباريس من جراء الأزمة المالية. لذلك رغبت عواصم غربية عديدة في جذب الاستثمار وفي ذلك الوقت كانت باريس تشجع التمويل الإسلامي ورأت في الاتفاقية سبيلا لتحفيز النمو. وقال جون فوربس الاستشاري العقاري المقيم في لندن "ما تقوم به هذه المعاهدة هو وضع باريس على قدم المساواة مع لندن , ولكن ليس بالنسبة للجميع." وإلى جانب بريطانيا كانت أيرلندا هي الوحيدة التي تعرض على قطر إعفاءات مطابقة وذلك منذ عام 2012. وتظهر مراجعة لأكثر من عشر اتفاقيات ضريبية ثنائية لقطر، أن القطريين لا يدفعون ضريبة دخل شخصي في بلادهم لكن بعض الشركات قد تدفع ضرائب تصل إلى عشرة بالمئة على مكاسب بيع العقارات. التقديرات المتحفظة تشير الى أن قطر تملك أكثر من 40 عقارا من أبرز معالم فرنسا وقال تشارلز بيير, العضو المنتدب لشركة ألفاريز اند مارسال الاستشارية "الإعفاءات... سخية حتى بمعايير المعاهدات الفرنسية الأخرى,هذا المستوى من الإعفاء نادر إن لم يكن بلا نظير في المعاهدات المبرمة مع دول أخرى." وعلى مرمى حجر من الشانزلزيه يقف فندق بيننسيولا المهيب شاهدا على أن المعاهدة تحابي المستثمرين القطريين. ومن المقرر أن يفتتح في 2014 إثر أعمال تجديد تستغرق ست سنوات بعد أن كان مركز أعمال مملوكا للدولة الفرنسية التي جمعت 460 مليون يورو عندما باعته إلى بنك قطري في 2007. وانتقلت ملكية العقار لاحقا إلى صندوق سيادي قطري تتركز أعماله على الفنادق. وبعد أن باعته الدولة ارتفعت القيمة لتبلغ 500 مليون يورو في 2009 عندما قالت شركة فنادق هونغ كونغ وشنغهاي إنها اشترت حصة نسبتها 20 بالمئة في المشروع مقابل 100 مليون يورو. وفي نهاية 2012 قدرت قيمة المبنى بالكامل عند 550 مليون يورو. ولو أن شركة فنادق هونغ كونغ باعت في ذلك الوقت لسددت ضرائب لا تقل عن 3.4 مليون يورو عن أرباح قدرها عشرة ملايين. في المقابل لن تدفع قطر أي ضريبة عن ربحها الرأسمالي الأكبر بكثير , سيبلغ نحو 80 مليون يورو ,حسبما تنص المعاهدة. وامتنعت متحدثة باسم الشركة الصينية عن التعليق مكتفية بالقول إن الشركة التزمت بكل القوانين الضريبية وإنها لا تنوي بيع حصتها في فندق بيننسيولا لأنه "استثمار للمدى الطويل". ولم يرد ممثلون للجانب القطري على الأسئلة. وقال خبراء عقاريون إن صفقات العقارات الفاخرة التي تشجع عليها المعاهدة الضريبية تفيد بالأساس دائرة صغيرة من المستثمرين. وقال أوليفييه دوبارك المحامي المقيم في باريس "يقال لنا دائما إن مثل هذه الاتفاقات تهدف إلى تشجيع الاستثمارات في فرنسا, لكن هذه أموال لا تصب في الاقتصاد,... يبدو أن الضرائب ترتفع على الجميع عدا القطريين." ويدير جاي ديلبس السوري المولد عدة أصول فرنسية نيابة عن صندوق الثروة السيادي القطري من خلال شركة إليبون العقارية، وهو يقول إن المزايا الضريبية التي تحصل عليها قطر لا تختلف عن تلك التي منحت لمستثمرين آخرين من الشرق الأوسط في الثمانينيات والتسعينيات. ويضيف أن "مقولة أن قطر تحصل على مزايا ليست لدول أخرى" هي نظره خاطئة. وقالت ناتالي جوليه عضو مجلس الشيوخ ,بعد أن تحدثت إلى مسؤولين إماراتيين خلال مهمة لتقصي الحقائق في الخليج إن "الإمارات غير راضية لأن القطريين يحصلون على معاملة ضريبية أفضل." وهي ترى أن التنازلات الفرنسية "مفرطة" وتقول إن شكوى جيران قطر هي مؤشر على خطأ المعاهدة. تصاعد مشاعر الاستياء وعرضت قطر في العام الماضي الاستثمار في مشاريع بالأحياء الفقيرة لكنها واجهت عداء من بعض السياسيين الذين اعتبروها تغلغلا في صفوف المسلمين القاطنين في تلك الأحياء. ويسأل نواب الحكومة الفرنسية عن الإجراءات التي ستتخذها لإنهاء الإعفاءات الضريبية التي جعلت فرنسا "مغرية بشكل خاص إن لم تكن ملاذا ضريبيا" لقطر. وطلب آخرون أرقاما واضحة لحجم ما فقدته الخزينة الفرنسية. وطلبت ماريون لوبان زعيمة تيار أقصى اليمين من الحكومة إلغاء المعاهدة. عن «العرب» اللندنية