من يسمع عن موسم مولاي عبد الله أمغار، يخال إليه أن الأمر لا يعدو موسما تقليديا كما يتصوره عامة الناس... إلا أن الموسم السنوي الذي يجتذب أكثر من 500 ألف زائر على مدى ثمانية أيام، على اعتبار أنه أكبر موسم في المغرب، أصبح في تطور مستمر من أجل بناء موسم يجمع بين ماهو ديني تقليدي ومراسيم الفرجة والاحتفالات العصرية من خلال تنظيم محكم . ويعتبر موسم مولاي عبد الله أمغار من أهم التظاهرات الدينية والثقافية على الصعيد الوطني، إذ شكل على مدى عشرات السنين لقاء سنويا لقبائل دكالة احتفاء بالولي الصالح مولاي عبد الله أمغار. فإضافة إلى الطقس الديني المتبع منذ سنوات طويلة والذي ينطلق بتلقي الهبة الملكية ويمر عبر تقديم الذبيحة وصولا إلى توزيع الجوائز، أضيفت مرافق جديدة للترفيه يحرص المنظمون للموسم على أن تناسب هذه المرافق جميع الفئات العمرية. وتقوم طبقا لمعايير الشكل الجديد المستحدث في تنظيم المهرجانات، حيث تقوم وكالة للاتصال بمهمة تنظيم الموسم بطقوسه وتقاليده وندواته الدينية وسهراته الفنية وتظاهراته بتنسيق مع السلطات المحلية وعمالة إقليمالجديدة ويروم المنظمون أن تكون الدورة الحالية التي انطلقت قبل أيام ، أنجح دورات الموسم، وذلك عن طريق جذب أكبر عدد ممكن من الزوار، كما يسعون إلى جعل منصات الحفلات موازية لمنصات كبريات المهرجانات التي تنظم في المغرب اليوم، حيث من المتوقع أن يصل عدد الزائرين هذه السنة 500 ألف زائر، وهو ما جعل موسم مولاي عبد الله أمغار يمر إلى مرحلة أخرى دفعت العديد من العلامات التجارية ترتبط بهذا الحدث الكبير، و يصل عدد الخيام المنصوبة هذه السنة إلى أكثر من 20 ألف خيمة. أما الخيول المشاركة فيتجاوز عددها ال 1500 من مناطق عديدة من المملكة. وتهدف الإستراتيجية العامة للتنمية الثقافية بالجديدة، إلى إعادة الموسم إلى طبيعته الأصلية، على اعتبار أنه موسم ديني، وكذلك اعتبارا على أن قلعة مولاي عبد الله كانت ومازالت محجا للعلماء والمريدين الذين كانوا يتوافدون عليه. وتم إغناء البرامج الدينية والعلمية كما تم استحداث مسابقات واستشارات دينية لفائدة الزوار، الهدف منها خلق فضاء للحوار مع اعتماد أسلوب جديد في اختيار المواضيع وطرق معالجتها. وتسعى الجهة المنظمة، خلال موسم 2013، للعمل على تكريس أسلوب الاحترافية الذي انتهجته منذ سنوات، والذي سهرت على تطويره بما يتناسب مع هذه التظاهرة التي تعتبر الأكبر من نوعها على الصعيد الوطني. ولهذه الغاية تم وضع كناش تحملات خاص بالجانب الإعلامي والتواصلي والتنشيطي ناهيك عن البرنامج الديني وبرنامج فنون الفروسية والفنون التراثية رباط تيط أريج من عبق التاريخ. فعلى بعد 9 كلومترات من الجديدة في اتجاه آسفي عبر الشاطىء، يتوسد ضريح الولي الصالح مولاي عبد الله أمغار مياه الأطلسي، حيث تنتصب قبته كحارس من حراس المدينة التي تعددت أسماؤها من عين الفطر إلى تيط إلى مولاي عبد الله أمغار، والتي اختلف المؤرخون حول تاريخ إنشاء هذا الرباط. فعبد العظيم الأزموري يرجع تأسيس تيط إلى الفترة الإسلامية، فيما يذهب الحسن الوزاني إلى أن الأفارقة هم من بنى المدينة على المحيط، وهو ما أثبتته الحفريات التي تشير إلى أن تاريخ إنشاء القرية يعود إلى العصر الفينيقي على الأقل، مذكرا أن عدة قبائل بربرية استقرت برباط تيط من بينها صنهاجة. فيما يرجع ابن عبد العظيم الأزموري وصول الأمغاريين إلى تيط وإن كان يفتقد إلى الدقة، حيث كان قد غادر أبو الفداء إسماعيل الملقب بأمغار صحبة أخويه يعقوب وأبي زكرياء الجزيرة العربية في اتجاه المغرب الأقصى، إلى أن وصلوا إلى تيط فاستقر إسماعيل أمغار بها، فيما غادر أخواه إلى جنوب المغرب. وقد استقبل إسماعيل أمغار بترحاب كبير من طرف قبائل صنهاجة وتزوج كنزة ابنة مولاي عبد العزيز بويطان التي أنجب منها أبا إسحاق جعفر الذي خلفه في رباط تيط، حيث شيد به مسجدا أواخر القرن 11 وخلف هو الآخر عددا من الأبناء كان من بينهم مولاي عبد الله الذي التف حوله السكان لغزارة علمه الذي أخذه على يدي عدد من الشيوخ والعلماء إضافة إلى إنشائه لزاوية الأمغاريين لما لها من أهمية في مواجهة الخوارج. وقد تم تأسيس هذه الرباطات ومنها رباط تيط من أجل استخدامه في الجهاد ومنها غارة النورمانديين على تيط في عهد أبي عبد الله أمغار. إلا أن مصادر أخرى تعتبر الرباطات مراكز علمية ودينية الغاية منها نشر الدين ومحاربة المذاهب الخوارجية. وقد تحولت في فترة من الفترات إلى معقل للدفاع عن دار الإسلام عندما فرض الجهاد ضمن الصيرورة التاريخية، إلا أن الدور الأساسي الذي اضطلعت به بعد الدور الجهادي هو دور تعليمي خاصة على عهد مولاي عبد الله حتى أنها اكتسبت مكانة روحية وعلمية هامة إلى حد أنها اقترنت باسمه وسمت اسمها البربري تيط. ويذكر عدد من المؤرخين أن عين الفطر وهو الاسم الذي تعرف به تيط في ظل قيادة مولاي عبد الله كان تعتبر إحدى أكبر كبريات مدن المغرب التي تحصر في 40 مدينة وتعتبر مثالا فريدا في المغرب الأقصى، إذ لم يتم تشييدها بمبادرة من السلطة المركزية الحاكمة، مما يعكس القوة التي تمتعت بها أسرة الأمغاريين خلال القرن 12، إلا أن ذلك لم يدم طويلا حيث تعرضت رباط عين الفطر إلى عدة ضربات حدت من نموها، وخاصة التوسع البرتغالي، حيث أصبحت خاضعة لأداء إتاوة سنوية للبرتغال. إلا أن هجوم محمد الوطاسي قصد القضاء على البرتغاليين قاد إلى تحطيم أسوار تيط ومغادرة سكانها لها في اتجاه مدينة فاس. ومنذ ذلك التاريخ، بدأت تيط تفقد بريقها وسط رباط مهدم إلى أن طالها النسيان، حيث لم تعد معروفة إلا من خلال انعقاد موسم مولاي عبد الله أمغار، ومنذ ذلك التاريخ، فقد رباط عين الفطر أيضا أهميته التعليمية كمؤسسة لتلقي العلوم الدينية وتعلم حياة الزهد والتصوف، ولم تبق إلا مآثر تشهد لزوارها بالدور الذي كانت تقوم به. إذ تحولت الزاوية إلى مسجد للصلاة فقط، بعد أن افتقدت حلقات الدرس التي ورغم محاولة إحيائها خلال انعقاد الموسم، فإنها تبقى بعيدة كل البعد عما كان يلقى فيها في وقت سابق. من الثقافة التقليدية إلى الطموح المؤسساتي لموسم مولاي عبد الله أمغار إشعاع وطني كبير أمام الركود الذي تعرفه المنطقة طيلة السنة، مما يجعل منه استثناء خلال انعقاده. ويصادف انعقاده هذه السنة جودة المنتوج الفلاحي خاصة المحصول الزراعي، ويتميز موسم هذه السنة بتوفره على بنية تحتية لا بأس بها كوفرة الطرق شبه المعبدة الموزعة بين أرضية الموسم، مما يسهل عملية التنقل عكس السنوات الأخرى السالفة... ووفرة الإنارة العمومية حيث تم نصب كاشفات الضوء وتوفير المياه الصالحة للشرب بشكل لا مركزي، كما تم توزيع الحنفيات بكل أرجاء الموسم. ويبقى السير والجولان نقطة سوداء خلال انعقاد موسم الولي الصالح مولاي عبد الله، نظرا للسرعة المفرطة التي ينهجها أصحاب سيارات الأجرة والحافلات، مما يتسبب في حوادث السير وإرباك حركة المرور، حتى أن الذهاب إلى مولاي عبد الله أثناء انعقاد الموسم يصبح محفوفا بالمخاطر. وإذا كان مسؤولو الموسم يعتبرون في خطاباتهم أن موسم مولاي عبد الله موسم ديني لإعادة إحياء حلقات الذكر وتعليم علوم الدين وممارسة التصوف، فإنه أيضا فرصة للصوص والعاهرات وتجار المخدرات والمشروبات الكحولية ومرتعا لارتكاب جرائم الشرف رغم المجهودات التي تقوم بها الجهات الأمنية الموكول لها أمن الموسم، وإذا كان الافتتاح الذي يتم ظهر الجمعة مجرد صورة رسمية لتقديم الهبة الملكية للشرفاء الأمغاريين، فإن الاثنين الذي يليها يعتبر افتتاحا حقيقيا حيث تنطلق الحفلات الفنية والندوات لمدة أسبوع كامل. إلا أن زيارة الموسم تثير العديد من الملاحظات المضحكة أحيانا، كما هو الشأن في الأماكن التي يتم فيها نصب خيام الكراء، حيث اللوحات تشير إلى ملحق شاطىء سيدي عبد الرحمان أو عين الذئاب أو شمسيات أولاد كازا... و تنشط بالموسم مهن الوهم من نصب كراسي الحلاقة والحجامة في الشارع العام أو الهواء الطلق من طرف عدد من الشباب الوافد على المنطقة، مما يؤكد أن عددا كبيرا من أصحاب المهن الموسمية ينتظر هذه الفرصة لتنمية مشاريعه البسيطة. وتشتهر قرية مولاي عبد الله باللحم المشوي الذي لا نظير له على مستوى الإقليم. وزائر مولاي عبد الله لابد له أن يبرمج تناول وجبة لحم مشوي تحت خيام مهترئة مصحوبا بشاي منعنع في أواني لا تحمل من ذلك سوى الاسم لتكتمل هذه الوجبة بهجمة شرسة للذباب المنتشر في كل مكان... وإذا كانت المنطقة المخصصة للمشويات من بين أكبر المناطق داخل الموسم، فإن أصحاب العربات المدفوعة التي حولها أصحابها إلى ما يشبه محلات الأكلات الجاهزة يعرضون هم أيضا ما يشبه النقانق وما يشبه اللحم المفروم. وأشياء أخرى تشم منها فقط رائحة اللحم دون أن تستطيع التوصل إلى محتواها. والغريب أن هذه المعروضات العجائبية تتناولها شرائح متعددة من الزوار، فهي في متناول الجميع. والغريب في هذه المأكولات أنها لا تخضع لأي معيار صحي أو مراقبة طبية، فأصحابها ومتناولوها لا يعرفون شيئا اسمه مكتب حفظ الصحة أو المراقبة القبلية لهذه المواد من طرف مختصين، مما يؤكد أن لا مجال بموسم مولاي عبد الله (للتحكار) في تناول المواد الغذائية، فالولي الصالح يحفظ الزائرين من كل داء...؟! كما أن للصبار «الكرموس الهندي» مكانة خاصة رفقة الحريرة والشاي والبيض حيث يعتبر طعام الفقراء، إذ يقبل عليه العديد من الزوار كوجبات أساسية في الحاجة إلى تنظيم محكم أصوات موسيقية شعبية تملأ المكان وتتخللها أدخنة كثيفة متصاعدة من محلات الشواء والأكلات الخفيفة. طلقات البارود وألوان من الفولكلور والفنون الشعبية تصدر أصواتها من جميع الاتجاهات. أضواء عجلات السيرك الضخمة وخيم الألعاب البهلوانية تتلألأ من بعيد فتلبس المنطقة ألوانا مزركشة تخفي بياضها الذي فرضته خيام الزوار «مقاه» و»مطاعم» تصدح بموسيقى الشيخات والأجواق وباعة الأشرطة السمعية البصرية هنا وهناك، فتختلط الموسيقى بأصوات الحلايقية والباعة الذين يعرضون، تحت أضواء قنينات الغاز، سلعهم على الزوار مستخدمين مكبرات صوت قوية... أصناف عديدة من المأكولات والحلويات والمشروبات وألعاب سرك بهلوانية عديدة وطاولات القمار، إلى جانب حلقات أخرى في علم التنجيم والتنبؤ بالغيب تصيبك بالذهول.هذا هو مولاي عبد الله أمغار في جانبه الخفي. ذكريات علي بلحسين وموائد القمار ونكت المرحوم ولد القرد
يشارك هذه السنة، حسب آخر إحصاء للجنة المنظمة، ما يناهز الألف وخمسمائة فارس من مختلف الجهات، إلا أن لدكالة حصة الأسد بما يقارب النصف، إضافة إلى فرقة نسائية تقودها الشابة رقية أبو الليث التي تعتبر الفارسة الأبرز على المستوى الوطني، حيث مازالت تسيطر منذ سنوات على أغلب نتائج الملتقيات الوطنية، إضافة إلى مشاركة فرقة أطفال تنتمي هي الأخرى لجهة دكالة، حيث أن الانطباع السائد هو أن الفروسية التي يتابعها عدد لا يستهان به من الزوار المحليين والأجانب، تولد فرجة راقية وممتعة تعجز خرافات أخرى عن تحقيقها رغم ما ينفق عليها من ميزانية. وإذا كان البارود وحده يكسر صمت مولاي عبد الله خلال النهار، فإن ليله هو الآخر يحول ملعب الفروسية إلى مكان لنصب طاولات القمار، وكراء الدراجات النارية والعادية وإقامة الحلقات التي كان مولاي عبد الله يتميز بها، إلا أن السنوات الأخيرة عرفت غياب العديد من روادها إما بسبب الوفاة أو المرض، كما هو الحال بالنسبة للطاهر زعطوط وولد القرد وغيرهم الذين ظلوا لسنوات طويلة روادا من روادها والفكاهيين الذي يتابع سردهم المئات من المواطنين ولم ينتبه لهم أي أحد لا من المسؤولين ولا المجتمع المدني أثناء مرضهم. الطائر الحر في رفقة القواسم
يشارك هذه السنة فريق من الشرفاء القواسم المشهورين على الصعيد الوطني والدولي بتربية الصقور الخاصة بالصيد وترويدها، حيث يقومون بتنشيط الجمهور الذي يتابع فقرات الموسم بأكثر من عرض يوميا... وهي العروض التي يتابعها العديد من المغاربة والأجانب. إلا أن الغريب في أمر القواسم أنهم يتحملون وازرة حضور الموسم من مالهم الخاص أو بناء على العطايا التي يقدمها أبناء المنطقة ممن لهم غيرة على تربية الصقور السائرة في طريق الانقراض ويضم القواسم بين فريقهم سي قدور القاسمي الذي يبلغ حوالي 100 سنة، حيث مازال متشبثا بطائره رغم ضيق ذات اليد هو الذي كان عرضة لعملية نصب خلال السنة الماضية من طرف أحد الأجانب الذي تاجر في صوره على نطاق واسع دون إذن منه ودون أن يحصل ولو على سنتم واحد. على صوت البارود وأنغام الطرب الشعبي، انطلق موسم هذه السنة الذي شاركت فيه إلى حدود يوم الأحد تاريخ إنجاز هذا الروبورتاج أكثر من 118 سربة من أجود الخيول المغربية، حيث أتحفت الناظرين بالعاب نارية جيدة.