يخوض العالم حربًا شرسة على الإرهاب ثمنها الدم والمال والأمن والاستقرار. وينبري الغرب ملوحاً، يمنة ويسرة، بعصا غليظة يقاتل بها الفكر الإرهابي والمروجين له، دفاعا عن أراضيه. ويمكن للمقيم في أوروبا والولايات المتحدة متابعة الحملات الشرسة التي تلاحق فكر الإرهاب، ناهيك عن نشاطاته الميدانية حماية من كل دولة لاستقرارها وأمن مواطنيها. لكن ما يثير الاستغراب هو أن الغرب لا يبدو حريصاً على أمننا كأمة عربية وإسلامية، بل يريد أن تصبح منطقتنا ساحة حرب تدفن فيها مخلفات الإرهاب، بعيداً عن الوصول إلى أراضي الغرب وتعكير صفو الحياة هناك. انشغلت فرنسا بتمدد الفكر الأصولي في مساجدها، بل تفرغت لملاحقة النساء اللواتي يلبسن النقاب، والهدف مقاتلة الفكر المتطرف في نظرها، وأيضا التشديد على علمانية الدولة، وعدم إبراز الشعارات الدينية التي تفسد ود العلاقة داخل المجتمع الفرنسي. شغلت المخابرات الألمانية نفسها بتقصي إمكان وجود أي فكرة أصولية سلفية في عقول الألمان من أصل مسلم؛ ويخرج علينا، بين وقت وآخر، مسؤولوها متباهين بمحاصرة السلفيين، ومنعهم من السيطرة على المساجد أو تنظيم اللقاءات التي يخشى عواقبها العقل الألماني النابذ للتطرف الديني. أما واشنطن قائدة المعركة الدولية ضد الإرهاب فهي ترسل طائراتها إلى كل مكان في الكرة الأرضية لاقتناص رؤوس الفكر المتطرف. كل هذا والغرب الذي يبدو متطرفاً ومفرطاً، في حربه على الإرهاب كفكر قبل أن يكون نشاطاً، يغفل بل يقسو على مصر التي تريد تطهير نفسها من الدماء التي سفكتها الأيادي المتطرفة الإرهابية. تحت دعاوى حقوق الإنسان وحرية العمل السياسي يبدو الغرب وكأنه يريد لمصر أن تعيش غير مستقرة؛ وتبقى مسرحا للتطرف، كما لو أنه يؤمن أن العنف الإسلامي ما دام موجوداً، فلنعمل له مواقع ليُصرف عنفه فيها: اليمن، مصر، تونس، سوريا، العراق، وهلم جرا. لا يمكن أن تكون هناك ازدواجية في التعامل مع الإرهاب، فيُضرب في اليمن ويُشَجّع في مصر. ثبت أن الإخوان هم جزء من الآلة التي تساعد، بل وتفرّخ الإرهاب أيا كان مأتاه. ألم يمض أسامة بن لادن وفكره المتطرف إلى أفغانستان وهو على ذمة تنظيم الإخوان الدولي، ألم يكشف إخوانية معظم قادة القاعدة زعيمهم الحالي الظواهري؟ هل انتشرت خلايا القاعدة ونشطت في سيناء من دون دعم من جماعة الإخوان ورئيس مصر المخلوع محمد مرسي؟ ومن قيّد الجيش ومنع الأمن من وأد سرطانهم عاماً كاملأً دون رحمة بسيناء ومصر؟. إن الوقوف ضد الجيش المصري العظيم، في حربه على الإرهاب، نشاطاً وفكراً يعتبر دعما للإرهاب. لثلاثين عاماً قامت مصر مشكورة بدحر الإرهاب وعملت مع العالم على منع سمومه من الانتشار في المنطقة. من غير المناسب، ولا المسموح به أن تخضع مصر للابتزاز في أمنها واستقرارها، لمجرد أن رئيسا جاءت به بصناديق الاقتراع، وتم خلعه بإرادة شعبية جارفة، في ظل أوضاع سيئة وفشل في الإدارة فشلاً لم يسبق له مثيل. ما حصل في مصر هو ثورة شعبية استدعت تدخل الجيش، ولا يمكن للعالم الذي جرب الويلات أن يكرر بعد ثمانين عاما الخطأ نفسه الذي سمح به مع وصول هتلر إلى الحكم عبر صناديق الاقتراع. لو استمرت الأمور على ما هي عليه لاستبيحت سيناء، ولأصبحت مركز الشرور في المنطقة بأسرها ولدفعنا جميعا، وفي كل أنحاء العالم، ثمن ذلك، ولكان برر لإسرائيل الاستيلاء على أراض مصرية بدعوى مكافحة الإرهاب، وهو ما حصل عمليا في العراق الذي أصبح مرهوناً لإيران. هل ستتفرج إسرائيل على تنامي قوة المتطرفين في سيناء، وسط تصفيق الغرب لمرسي وثلته وحفلات الطرب الإخوانية في الخليج العربي، الذين يفتقدون أي نظرة بعيدة المدى للمستقبل. الأرجح أن إسرائيل ستتحرك، إذ ذاك، للقضاء على المتطرفين وبسط سيطرتها على سيناء، في ظل عجز الحكومة المصرية وجيشها. لكن إرادة رجال مصر وخشيتهم على وطنهم دعتهم إلى إيقاف مخطط رسم في غرف مظلمة لا تريد للعرب ولا لمصر السلام والاستقرار والمنعة والعزة. إن القوى العالمية التي تبتز مصر تستحق منا الإدانة بل والتحذير، كما فعل الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي الذي يستحق موقفه الإشادة، لكونه لخّص الموقف بعناية وقوة. لا يمكن إغفال إرادة 30 مليوناً من البشر لمصلحة قلة إخوانية لا تقيم اعتبارا للوطن بل تتطلع إلى السيطرة على مقدرات الأوطان. مرة أخرى لا يمكن الارتهان لثلة تأسست من ضمن ملحقات شركة قناة السويس للحد من تعاظم نمو الحس القومي واليساري في منطقة القناة آنذاك. السؤال المطروح: هل يمكن للغرب أن يكون واقعياً في رفضه الاستجابة للإرادة الشعبية المصرية فقط؛ لأن دورة انتخابية واحدة جاءت برئيس في ظل غفلة وفوضى، ثم حين خرجت الملايين ضده رفض التخلي عن الحكم؟ هل يرضى الغرب بالنشاط »السلمي« الذي يحتمي بالأطفال والنساء ويستغلهم كدروع بشرية، في ظل حملات دعائية يختفي وراءها فكر متشدد يدعو إلى قمع حرية المرأة ويعد الأجيال بمستقبل مظلم؟. هل يقصر العقل السياسي الغربي على ربط زيادة النشاط الإرهابي في سيناء مع لفظ الإخوان من سدة الحكم في القاهرة؟. ما حصل هو أن الغرب تجاهل كل هذا واستعمل قبعة عسكر مصر درعاً له، ليس حباً فيهم بل نكاية بهم وبالإرادة القوية والشجاعة لجيش وطني انحاز إلى جانب ثلاثين مليونا هم الأغلبية المصرية. إن المثير للسخرية، بل والمهين لكل اعتبارات حقوق الإنسان، أن ينتفض الغرب ضد من ينتفض على الإرهاب، بينما هو يصمت عما يحدث في سوريا ويراوغ في دعم الثورة السورية، ويضع الفيتو على السلاح المطلوب لحماية نساء سوريا وأطفالها. إن الموقف السعودي والإماراتي المشرّف في صف مصر سوف تسجله الذاكرة العربية بفخر؛ فهو موقف ضد الظلام، وضد التهاون في أمن شعب وكيان وجغرافية عربية كبرى. كذلك المثير للعجب أن هذا الموقف المشرف للدولتين العربيتين يأتي على النقيض منه الموقف القطري؛ الذي تغلب عليه الحزبية والانتصار لجماعة لا للدولة واستقرارها. إن وقوف حكومة قطر مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، وتسليط وسائل إعلامها ضد مصالح الشعب المصري هما مدعاة للتحريض على استمرار العنف وأمر مثير الحزن. ما ضرّ قطر التي ادعت وما زالت تدعي الوقوف مع إرادة الشعوب، لو وقفت، اليوم، مع الشعب المصري. كيف لم تتأثر بمشاهد تلك الملايين التي زحفت فملأت الجسور على نهر النيل بالملاين الثائرة. ألا يمكننا مع أحداث مصر الجزم بأن الشعب المصري أسقط الإدعاءات القطرية القائلة باصطفاف حكومتها مع الشعوب؛ لا الحكومات المتسلطة على إرادة الناس وهو ما ينفي المقولة التي تروجها »الجزيرة« ليثبت أن من يقف مع الشعوب هما السعودية والإمارات، بينما قطر، كعادتها، مستمرة في مساندة المتطرفين وتبني مشاريعهم. الحقيقة أن الوضع الراهن في مصر والمواقف المستخلصة منه تكشف بجلاء عن وجود الكثير من الزيف والنفاق في المنطقة.