اندلعت أزمة العفو الملكي عن الإسباني مغتصب الأطفال، وبدأت الأحاديث تتوالى والأقنعة تسقط. وشاهدنا شجاعة الذين يحكمون هذا البلد، وسنحت الفرصة للمغاربة لكي يقيسوا درجة الجرأة عند كل مسؤول: الشجاعة في تحمل مسؤولية القرار، أو مسؤولية إبداء الرأي فيه. شجاعة، الإعلان عن الشجاعة ..!! كان أول من تابعنا شجاعته هو مصطفى الرميد، وزير العدل والحريات الذي «انبرى» ( هذه الكلمة القديمة قدم قحطان هي التي تليق برجل الوزارة المغوار..) يبرئ نفسه من اتخاذ القرار، واكتفى في بلاغ يتيم ووحيد منذ بداية القصة، بتحمل مسؤولية التنفيذ. وقيل لنا وقتها بأن الرجل كان شجاعا وهو يقول للمغاربة (بينكم وبين الملك ). ليكن أن الوزير امتلك الشجاعة في أن يقول بأنه مجرد تنفيذ لقرار خطأ!! وليكن أن الوزير، أيضا، يمتلك الشجاعة لكي يتسلل من دائرة القرار، وهو رئيس لجنة العفو، وصاحب الرأي والدراسة فيها. وليكن أن الرجل يمتلك شجاعة أن يتحلل من كل أدواره في سلسلة اتخاذ القرار.. ليكن أن الرجل يملك شجاعة أن يقول بأنه لا صلة له بمنح العفو الخطأ، ألا يمكن أن تكون له شجاعة .. منع القرار الخطأ؟ والذين سوقوه لنا بأنه شجاع في أنه لم يصدم المغاربة، بإدراج الاسم الموبوء في اللائحة، هل كانوا سيقولون لنا بأنه يملك الشجاعة أن يقترح أو يعرض أو يرفع أصبعه و يمنع الصدمة عن المغاربة. لا لأنه الرميد، بل لأنه وزير العدل. أليس وزير العدل، في تعريفه الآخر هو «حارس الأختام الشريفة»؟ وكيف نفهم أن «الرجل» لم يتدخل في قضية قال عنها «إنها تمس المصلحة العليا للوطن»: يا الله: وزير العدل لا يتدخل في قضية المصلحة العليا للوطن .. ويقال عنه شجاع!!!!!!! (هي نفس المصلحة الوطنية التي دفعت عبد الرحيم بوعبيد أن يقول للحسن الثاني لا، في قرار الاستفتاء .. آ السي الرميد!!) الحكومة كلها شجاعة: رئيس الحكومة، الذي ذاب في الصمت، مثل بوذي قديم في مغارة الدستور الجديد، لم نسمع له صوتا. وعندما علت أصوات المحتجين والهراوات تنزل على أجسادهم (كيف حال جسمك يا سيدتي فدوى ماروب؟)، تعلل بالخلوة الوثقى. كان الرجل في لحظة تعبد، وقال إنه لا علم له: أبدا، لم يكن رئيس الحكومة، عبد الإله بنكيران يعرف بأن العنف، بعد العفو يمارس على المغربيات والمغاربة على بعد خطوات من إقامته السحرية، في الرباط العاصمة. من قال إن بنكيران يتحدث إلى درجة الثرثرة، ويحب الكلام: ها هو الرجل يثبت شجاعة منقطعة النظير في .. الابتعاد عن مشاكل البلاد. وعن الشعب الذي يحبه، ( داخل المعزل فقط، وليس تحت المغزل). طبعا، تقتضي الشجاعة الكبيرة للسيد بنكيران أنه لا يتحدث عن طريق بلاغ (البلاغ لغو ومن لغا فلا جرأة له!)، ولا عن طريق الناطق الرسمي للحكومة. فالسيد مصطفى الخلفي سيثقل عليه تهجده السياسي في محاربة الشجاعة السياسية الرحيبة. لقد اختار أن يطلع الرأي العام عن طريق حوار مع .. عبد العالي حامي الدين ! باعتباره ماذا؟ باعتباره عضوا في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية.. الذي هو حزب رئيس الحكومة، التي هي حكومة عبد الإله بنكيران، الذي لا يعرف أن حكومته «تسلخ» المغربيات والمغاربة في الخارج (خارج بيته طبعا). وبذلك نكون أمام تخريجة جديدة في تواصل الحكومة مع الرأي العام -أي الشعب الذي يحب بنكيران عندما يزيد في ثمن الوقود، ولا يحبه بنكيران عندما «يزيد إسباني» إلى أبنائه - مفادها أن الرئيس يتحدث مع المغاربة عن طريق مسؤول في حزبه. مسكين محمد مرسي: لأقل من هذا اتهمهوه بأنه يفضل عشيرته على المغاربة - وأنه لا يتحدث سوى مع أهله !! ماذا قال لنا الباحث الرصين حامي الدين: قال «اتصلت بالسيد رئيس الحكومة ووضعته في صورة القمع الممنهج الذي مورس على المتظاهرين حيث أكد لي أنه لا علم له بالموضوع، وأنه سيتصل بوزير الداخلية لوضعه في الصورة». طبعا، وزير الداخلية امحند العنصر بدوره صرح بأنه لا علم له بالموضوع... ومن لاعلم له، لا جهل له. والنتيجة: لا شك أن الذي حدث في تلك الليلة من ليالي رمضان وقع.. في كراتشي!! لقد وصل الخبر إلى رواد الفايسبوك في طشقند، وتضامن سكان قبيلة الزولو مع المتظاهرين، ونددت جموع شيوخ الاسكيمو بما جرى للممثلة لطيفة أحرار والممثل محمد الشوبي.. ورئيس الحكومة كان يتابع مسلسل «العراف» ولا علم به بالضرب والجرح..! ووزير الداخلية كان، ولا شك، بدوره يتابع مناقشات «حديدان» في البرلمان! لا أحد مسؤول. وكل مسؤول غير مسؤول، هو بالضرورة من كوكبة الشجعان ولا شك. الرميد، الذي لاذ بالشجاعة كما يلوذ آخرون بالفرار.. شجاع . رئيس الحكومة، الذي «يبورد» كل شهر مرتين في البرلمان وعلى المعارضة، وضع رأسه في كيسان الشاي الرمضانية و«مسح السما» بليغا... شجاع أو «الشجاع أو نشاف» زميلنا الطيب والحبوب، الناطق الرسمي، منح، في ليلة رمضانية مباركة، لسانه إلى زميله عبد العالي حامي الدين.. وعاد إلى بيته في أعالي السكوت.. هو أيضا شجاع. وزير الداخلية عين نفسه وزيرا في حكومة البرتغال، وأبدى أسفه أنه لم يعرف الأمر بالتدخل الأمني.. شجاع. ووحده المسؤول الذي تحمل مسؤولية قرار العفو، (وقد تحملها بشجاعة) والذي يراد له أن يتحمل تبعات هذا القرار (إذ لا معنى لهذا الهروب الكبير من المسؤولية).. هو الملك طبعا. والتهمة: شجاع! وبصراحة يظهر أن الملك محاط، فعلا، بالفرسان الشجعان في الحكومة! من المتوقع أن تتحجم القضية، مهما كان السقف الذي ستصله، سواء تقنين العفو بطريقة أكثر شفافية وأكثر جماعية، أو بغيرها، لكن الأمور ستعود إلى حجمها الطبيعي. وسيعود الصوت، بعد الانقطاع الاضطراري إلى لسان رئيس الحكومة. وسيخترع الناطق الرسمي لسانا للحديث إلينا، كما وزير الداخلية سيدرك في الوقت المناسب أنه وزير داخلية المغرب وليس الهونولولو.. وسيتذكر الرميد أمجاده وهو يغني لنا أسطوانه الإفراج عن معتقلي ملف بلعيرج والسلفيين، ما قاله له الملك في العفو ويمجد الحكمة والتبصر في إدارة العفو..الخ. وقتها رجاء لا تطلبوا منا أن نحترمكم. ولا أن نعتبر أنكم فعلا في العير وفي النفير. وقتها سينقشع الغبار وسيعرف المغرب، والمغاربة و الملك نفسه .. ما تحت القناع . طبعا، هناك دوما نزوع في البلاد، لمن يريدون ألا نحاكم الحكومة في نوازل عديدة بدعوى أن القرار هناك في منطقة الظل: لهؤلاء سيكون من الجدي أن يتأملوا ما فعله الحزب الاشتراكي الإسباني، فقد وضع القضية أمام البرلمان، وساءل حكومة راخوي، ولم يقل له أنه يبحث عن تصفية حسابات مع الخصم اليمني، بالرغم من أن القضية كلها اندلعت بسبب تدخل .. الملك خوان كارلوس، وفي سياق العلاقة والمجاملة بين الملكين المغربي والإسباني. الحكومة، إذا لم نحاسبها، على قاعدة الفعل السياسي، عليها على الأقل أن تحاسب نفسها بضمير. في هذه اللحظات البئيسة من انهيار السياسة، يتذكر الإنسان رجلا شهما من فصيلة عبد الرحمان اليوسفي، الذي تحمل تبعات قرار (لوجورنال لمن يذكره)، وفضل أن تبقى البلاد في منأى عن تقلبات القرار، ويقدم الحزب جلده في تحمل المسؤولية. لكن عبد الرحمان لا يمكنه إلا أن يفعل ذلك، وهذا هو الفرق، لأنه يعرف ما معنى المسؤولية الأخلاقية في المشاركة في القرار أو .. في السكوت عنه. (ولست من يقول إن الساكت عن الحق شيطان أخرس).