يوسف مزيمز، مواطن مغربي مقيم بأمريكا، صدر بحقه حكم طلاق بالشقاق. ليس الحكم هو ما أقلق يوسف، بل ما ترتب عنه من خسائر مادية ومعنوية أثرت على حياته. ذلك أن طليقته ، رغم اقتدارها ماديا، فإن حكم التطليق بالشقاق ألزمه بدفع مبلغ مالي قيمته 100 ألف درهم ولطفل واحد، كل ثلاث سنوات. رقم سيرعب لا محالة رجالا آخرين، وخاصة ذوي الدخل المحدود أو غير القار، وسيفزع بشكل خاص من تعدى الطفل الواحد. رقم مخيف يجعل الرجل يتساءل كم سيتبقى له بعد دفع تكاليف النفقة والحضانة؟ فلسفة الزواج تغيرت عند بعض نساء اليوم، خاصة، أن بعضهن أصبح يلجأ، بعد إنجاب طفل أو أكثر، إلى تحريك دعوى المطالبة بتطليق الشقاق، الذي جاءت به مدونة الأسرة سنة 2004، بسبب أو بدون سبب، والعين على «النفقة» . فالزواج عند بعضهن، أصبح فرصة تستغل لتوفير دخل قار ومحدد، إلى جانب التمتع بالتحرر من القيود الاجتماعية، فضلا عن الاستقلالية المادية، ناهيك عن البحث عن أب شرعي لطفل شرعي من علاقة شرعية يقبل بها المجتمع ويغض الطرف عن كل ما يترتب عنها من أضرار. مع تطليق الشقاق تحول الزواج ، إذن، لدى بعض النساء إلى مشروع استثمار مربح بالنظر إلى أحكامه التي تشجع أكثر على لجوء الزوجات إليه، خاصة وأن أوراق دعوى الزوجة معفية من الرسوم الجمركية مقارنة مع أوراق دعوى الزوج. وهو الأمر الذي من شأنه أن يخلق نوعا من التردد لدى الرجل الراغب في الزواج وإنجاب الأطفال، مخافة هذا التطليق الذي يلزمه بدفع واجب النفقة وحضانة الأطفال، بدءا من أول يوم صدر فيه الحكم. فيوسف مزيمز ليس الزوج الوحيد الذي صدرت في حقه أحكام تطليق بالشقاق، إذ في ملف آخر لهذا التطليق، قضت المحكمة الابتدائية ببرشيد في حق مواطن بأداء مستحقات تفوق الأجر الذي يتقاضاه، إذ بلغت نفقة الأبناء الثلاثة وحضانة الزوجة ونفقة السكنى، ما مجموعه 3550 درهما، رغم أن وثائق الملف ضمت شهادة للدخل أدلى بها الزوج، تثبت أن أجره الشهري لا يتعدى 3000 درهم. أما محكمة تطوان الابتدائية، فقضت في حق أحد الأشخاص بأداء 15 مليون سنتيم لفائدة مطلقته، في دعوى للشقاق، و9 آلاف درهم نفقة العدة و4000 درهم، مقابل تأدية تكاليف سكن أولاده ، بالإضافة إلى 1200 درهم أجرة الحضانة. أما مواطن قاطن بتارودانت، فكل ما تبقى له، مبلغ 350 درهما من مجموع أجرته، حيث قضت المحكمة بمبلغ 500 درهم شهريا كواجب للنفقة، علما بأنه يؤدي مبلغ 700 درهم شهريا كواجب لحضانة ابنة أخرى من زواج سابق، فضلا عن مجموعة من الاقتطاعات لفائدة شركات قروض الاستهلاك. أحكام هذا القانون، لم تعد تراعي وضعيات الأزواج المادية، ولا تأخذ بعين الاعتبار أوضاع الاقتصاد المتدهور، خاصة وأنه أثر سلبا على راتب بعض الأجراء والعاملين بالشركات.ذلك أن منطوقه في تطليق الشقاق، يلزم الرجل غالبا بدفع النفقة والحضانة والمتعة ومؤخر الصداق والسكنى. تطليق لاقى إقبالا واسعا من لدن النساء وخاصة في السنوات الأخيرة. ويرجع راوضي عبد الحكيم، محام بهيئة الدارالبيضاء، هذا الإقبال إلى سببين اثنين، الأول يكمن في أنه «وسيلة المرأة الوحيدة والسهلة لطلب الطلاق، حيث تحصل عليه بمجرد وضع المقال» وأضاف بأن السبب الثاني يتجلى في كون أن هناك «نساء أخريات أصبحن يقمن باستغلال هذا التطليق من أجل الحصول على دخل قار يتمثل في تلك التعويضات المادية التي تحددها المحكمة والمتمثلة في واجب النفقة والحضانة والسكنى». أما عصام لحلو، المحامي بهيئة الرباط والكاتب العام لفرع المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، فهو «لا يعتقد بأنه يمكن الحديث عن استغلال طلبات التطليق للشقاق من طرف بعض الزوجات للحصول على مستحقات مادية من قبيل المتعة، ونفقة فترة العدة ونفقة الأبناء إن وجدوا وسكناهم. وذلك لاعتبارات تتمثل أساسا في تسجيل معاناة العديد من الزوجات المغربيات من صعوبة إثبات الضرر لتبرير طلب التطليق بناء على الضرر. إضافة إلى عدم وجود إحصاءات رسمية أو دراسات صادرة من وزارة العدل، أو من أي جهة أخرى تؤكد أو تنفي لجوء بعض الزوجات إلى تقديم طلب التطليق للشقاق للحصول على منفعة مادية لا غير.كما أن مسطرة التطليق للشقاق مسطرة دقيقة خاصة في حالة وجود أبناء». من جهتها نفت خديجة تكروين، مساعدة قانونية بمركز الرابطة انجاد ضد عنف النوع ، نفيا قاطعا وجود حالات مثل حالات استغلال النساء لتطليق الشقاق، وتعارض كذلك رفع النساء لدعوى الطلاق بغية الحصول على المكتسبات المادية وذلك راجع إلى ضعف هذه الموارد. فأجرة الحضانة لا تتعدى مائة درهم، في حين تصل أجرة السكنى إلى أربعمائة درهم، وهي مبالغ ضئيلة لن تغني أو تسمن من جوع. وقالت خديجة إن رغبة النساء في الحصول على تطليق الشقاق تكون دوما من أجل التخلص من الزوج المعنف جسديا ونفسيا. فحسبها النساء اللواتي يرغبن في الطلاق هن نساء غالبيتهن كن ضحايا العنف. وأضافت بأن نسبة النساء اللواتي يقمن باستغلال هذا التطليق من أجل الحصول على المكتسبات المادية، لا تعدو أن تكون مجرد أرقام هزيلة لا تستحق الحديث عنها. اختلفت الآراء و الأقوال حول تطليق الشقاق وتباينت من شخص لآخر، لكن لا يمكن أن يختلف اثنان حول أهمية قانون الأسرة ومدى فاعليته في تأطير النسيج الأسري، وتقنين علاقة الأزواج. ففلسفة قانون الأسرة، لا تروم قط إفقار الرجل أو تشجيع تفكك الأسر وتشتيت الأطفال بين الوالدين المتصارعين في دعوى تطليق الشقاق. فمحكمة الأسرة هي محكمة لصالح الأسرة بسائر أفرادها وليس لصالح فرد على حساب آخر. وبذلك ينبغي الوقوف أكثر عند أسباب التطليق وإضافة بنود تمنع استغلال هذا القانون في غير المقاصد التي جاء من أجل بلوغها.