مثل كرة الثلج تكبر قضية دانييل مخلفة أزمة في البلدين المغرب وإسبانيا، حيث أن الرأي العام الإسباني والقوى السياسية والجمعوية أصيب بصدمة بعد الإعلان عن العفو عن دانييل كالفن المتهم بجرائم مريعة تدينها مختلف القوانين والأعراف. وفي هذا الإطار أعلن الحزب الاشتراكي العمالي متزعم المعارضة الإسبانية أنه سيتقدم يومه الاثنين بسؤال آني إلى الحكومة الإسبانية لمعرفة الجهة التي طلبت العفو عن مغتصب الأطفال، وهل قامت بما يستلزم حتى لا تتم الإساءة إلى المبادرة المنسوبة إلى الملك خوان كارلوس. وأكد الحزب الاشتراكي العمالي أن آنا فالنسيانو، نائبة الأمين العام للحزب ستتقدم بسؤال شفوي أمام البرلمان لطلب "تفسير عاجل" من وزير الخارجية خوسيه مانويل غارثيا-مارغايو حول هذا العفو الذي أثار الكثير من الاستياء والانفعال في المغرب وفي إسبانيا كذلك . من جهته تقدم الفرع المغربي لمنظمة "محامون بلا حدود" بشكاية ضد دانييل كالفن أمام المحكمة الوطنية الإسبانية، أعلى هيئة قضائية في البلاد والتي من بين اختصاصاتها النظر في الجرائم التي يرتكبها المواطنون الإسبان في الخارج. وتطالب الشكاية بفتح تحقيق حول الضابط العراقي السابق، وضمان أن تتم إدانته وسجنه في إسبانيا، دانييل كالفن : بيدوفيليا وجاسوسية الضجة التي أثارها الخطأ الفادح المتمثل في العفو عن الإسباني دانييل كالفن لا تماثلها سوى الأسرار المحيطة بشخصيته، فالأسئلة التي أثيرت حول ماضيه والتي تنبش فيها وسائل الإعلام في إسبانيا والمغرب لم تتم إثارتها بعد أن حكم عليه بالسجن ثلاثين سنة بعد إدانته باغتصاب 11 طفلا مغربيا بمدينة القنيطرة. دانييل كالفن بينيا (63 سنة) هذا هو الاسم الذي يحمله في وثائقه لكن نفس الوثائق تشير إلى أن أنه ولد عراقيا من والدين عراقيين في مدينة البصرة، وهو ما يؤكد أن دانييل كالفن بينيا ليس اسمه الحقيقي. مصادر إسبانية أكدت أنه كان ضابطا في الجيش العراقي في عهد صدام، لكنه عندما حل بالمغرب أخبر الجميع أنه أستاذ جامعي متقاعد من جامعة إسبانية، وهو ما لا يمكن تصديقه لأنه في هذه الفترة كان يعمل في الجيش العراقي. هذه المعطيات هي التي رجحت أنه كان يعمل كجاسوس لصالح المخابرات الإسبانية التي قد تكون منحته هذا الاسم لتتمكن من إخفائه بعد انتهاء الحرب في العراق. القنيطرة هي الوجهة التي انتقل إليها بعد انتهاء الحرب، ولا يستبعد أن يكون ذلك باتفاق مع المخابرات الإسبانية، التي يبدو أنها كافأته بسخاء على العمل الذي أسداه لها. المخابرات الإسبانية نفت أن يكون الضابط السابق في الجيش العراقي عميلا لها، وهو نفي متوقع فقد جرت العادة أن أجهزة المخابرات لا تكشف عن عملائها. دانييل وبعد أن حل بالمدينة اشترى منزلا يتكون من طابقين ، هناك تمكن من كسب ثقة الجيران، وأصبح يتحدث الدارجة بطلاقة بالإضافة إلى الإسبانية والفرنسية، ويتقرب أكثر من الأطفال القاصرين، ذكورا وإناثا ، حيث كان ينظم حفلات خاصة بهم، ويقدم لهم الهدايا، حفلات أثارت اهتمام الأطفال الأبرياء، وحظيت بقبول آبائهم وأوليائهم لكنها في الحقيقة كانت مجرد طعم لكسب ثقة الأطفال، والتقرب منهم بنية اغتصابهم. على امتداد سنوات ظل الضابط العراقي السابق يمارس جرائمه في منأى عن الأعين، يغتصب ضحاياه ويصورهم في أوضاع مخلة بالحياء، مستغلا الأوضاع الاجتماعية المتدهورة لعائلات الضحايا، كما جاء في حكم المحكمة قبل أن يكتشف أمره عن طريق الصدفة ليظهر إلى العلن حجم وخطورة الجرائم التي اقترفها في حق 11 طفلا قاصرا على الأقل يتراوح سنهم بين 3 و 15 سنة. قضية دانييل أثارت في حينها اهتماما إعلاميا كبيرا في المغرب، وأثارت حنق الرأي العام والجمعيات والهيئات الحقوقية، التي تابعت مختلف أطوار محاكمته، حيث أدين في شتنبر 2011 بالسجن لمدة ثلاثين سنة، عمليا السجن المؤبد، وهو أقسى حكم يصدر في حق متهم بالبيدوفيليا من طرف محكمة مغربية، بالإضافة إلى غرامة خمسين ألف درهم لكل ضحية. كان يمكن لقضية دانييل أن تطويها جدران السجن، وأن يلملم الضحايا جراحهم شيئا فشيئا، لكن الإعلان عن تمتعه بالعفو أحدث هزة لا تزال تداعياتها قائمة. فبعد صدور الحكم عليه، اعتقد الجميع أن دانييل لن يخرج حيا من السجن إلا بمعجزة، أن يظل على قيد الحياة بعد بلوغه 91 سنة، ويبدو أنه هو أيضا كان مقتنعا بهذا المصير، فأقصى ما كان يحلم به أن يتم نقله إلى سجن في إسبانيا لإكمال عقوبته، فقدم طلبا بذلك إلى السلطات بدعوى أن ظروفه الصحية لا تسمح له بقضاء عقوبته في المغرب، ولذلك بعد أن علم أنه مشمول بالعفو الملكي كان أكثر من فاجأهم هذا الخبر، ولأنه بدا غير مصدق سارع إلى إنهاء الإجراءات وغادر المغرب عن طريق سبتةالمحتلة، ليكون أول من شملهم العفو الذي يغادر المغرب. وتبقى العديد من الاسئلة مثارة: فهل كان دانييل عميلا للمخابرات الاسبانية، وهل هي التي تدخلت ليتم إدراج اسمه في لائحة المشمولين بالعفو الملكي، وما الذي كان يقوم به في العراق إبان الحرب، ولماذا استقر في المغرب بالضبط، وهل تم ذلك بمعرفة وموافقة السلطات المغربية؟ أسئلة كثيرة لا تزال ظلمة الماضي المبهم للضابط العراقي تحف بها وتضفي عليها الأسرار المخابراتية مزيدا من التعتيم.