3-المخالفات لنص الدستور سنتناول في هذا المقال ما يمكن تسميته بمخالفة بعض مواد مشروع القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية مع الدستور، والتي يمكن الوقوف عليها في المواد التالية: المادة 17 هذه المادة من مشروع القانون التنظيمي أحدثت قواعد دستورية غير منصوص عليها في الدستور نفسه، ومنها ما سمي بنصاب الحضور المتطلب لصحة انعقاد المحكمة، ذلك أن الفقرة الثانية من تلك المادة تنص على أن مداولات الحكومة لا تكون صحيحة إلا إذا حضرها تسعة من أعضائها. بينما الدستور في الفصل 130 منه لم ينص على أي نصاب للحضور وإنما نظم فقط النصاب الضروري لاتخاذ القرارات.وأن عدم النص على نصاب الحضور في الفصل 130 ليس في تقديري، سهوا من قبل المشرع الدستوري وإنما هو انسجام مع مبدأ الاحتياط أو التخوف من كون المجلسين أو أحدهما قد لا يستطيع انتخاب الأعضاء المعهود لهم بانتخابهم مما يؤدي، في حالة قبول المادة 17 كما قدمتها الحكومة، إلى عرقلة انعقاد جلسات المحكمة الدستورية. ولهذا السبب لم يتكلم الدستور عن نصاب للحضور. كما أن الابقاء على نصاب الحضور المحدد في 9 أعضاء، سيتعارض مع القاعدة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 130 و التي تنص على أن المحكمة الدستورية في الحالة التي لا ينتخب فيها مجلس أو مجلسا البرلمان معا الاعضاء الموكول لهم انتخابهم ، يحق لها الانعقاد واتخاذ القرارات بالأعضاء الستة المعينين من قبل الملك، مما يصبح معه ما نصت عليه المادة 17 من مشروع المحكمة الدستورية من نصاب ، أكبر من النصاب المنصوص عليه في الفصل 130 من الدستور وتكون تلك المادة مخالفة للدستور. النتيجة المشار إليها أعلاه تستحضر المبدأ القائل بن القانون التنظيمي هو مكمل للدستور، وهو المبدأ الذي يجب أن لا يتوسع فيه ويجب أن يحتفظ له بمهمته التكميلية أي تفصيل ما سبق للدستور أن نص عليه كمبادئ أصلية باعتباره هو التعاقد بين افراد المجتمع و لا يدخل في صلاحيات القانون التنظيمي إحداث قواعد دستورية لم ينص عليها الدستور، خصوصا إذا كنا أمام فصل مثل الفصل 130 من الدستور الذي هو فصل يتعلق بالإطار الدستوري للمحكمة الدستورية. ومن جهة أخرى فإن المادة 17 من مشروع الحكومة نصت على نصاب آخر وهو 3/2 هو كذلك نصاب لم ينص عليه الدستور مادام أن إعمال هذا النوع من النصاب ، أي 3/2 ، هو استثناء من القاعدة المبدئية العامة التي هي الأغلبية سواء كانت مطلقة أو نسبية. فعندما نص الدستور في الفقرة الثانية من الفصل 130 على كلمة «نصاب» لاتخاذ القرارات دون تحديده فإنه قصد بالضرورة ذلك النصاب العادي أي نصاب الأغلبية المطلقة أو نصاب الاغلبية النسبية مادام أن المشرع الدستوري لو أراد أن يخرج عن هذه القاعدة العامة إلى القاعدة الاستثنائية لكان نص على نصاب 2/3 في صلب الدستور. كما أن نصاب 3/2 المذكور في الفقرة الرابعة من الفصل 130 يصعب إعماله مع ما تنص عليه الفقرة الثانية من المادة 17 التي حددت نصاب الحضور في 9 على الأقل. هذه الآليات المحدثة بمشروع قانون تنظيمي للحكومة قد تؤدي إلى عرقلة عملها وإلى مخالفة الدستور. المادة 22: أعطت لرئيس الحكومة وحده صلاحية إحالة القوانين التنظيمية على المحكمة الدستورية بينما الفقرة الثانية من الفصل 132 لم تعطه هذه الصلاحية قط. إذ نص هذا الفصل على أن القوانين التنظيمية « «تحال» على المحكمة الدستورية دون تخصيص رئيس الحكومة بها.» فعندما تخص المادة 22 من مشروع الحكومة، من جهة رئيسها وحده بإحالة هذا النوع من القوانين على المحكمة الدستورية ودون أن تلزمه، من جهة أخرى، بأجل يجب عليه ان يحترمه لإنجازه لعملية الاحالة في فترة معينة وبذلك تكون هذه المادة مخالفا للدستور لأنها تعطي لرئيس الحكومة اختصاصا لم يعطه له الدستور . وإن عدم نص الدستور في الفقرة الثانية من الفصل 132 على أن رئيس الحكومة هو وحده المؤهل بإحالة القوانين التنظيمية على المحكمة الدستورية ليس سهوا، وهو ما يتأكد من الفقرة الثالثة من نفس الفصل التي تتكلم عن إحالة القوانين العادية والتي نصت على أن تلك الاحالة تتم من رئيس الحكومة بكل وضوح. لذا، عندما تخصص المادة 22 رئيس الحكومة وحده بحق إحالة القوانين التنظيمية على المحكمة الدستورية تكون قد خالفت الدستور. ويظهر أنه من الاحسن أن ينص مشروع القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية على أن الاحالة المنصوص عليها في الفقرة الثانية من الفصل 132 من الدستور يجب أن تتم بصفة أتوماتيكية وتلقائية من آخر مجلس بت في تلك القوانين ما دام أن القوانين التنظيمية تحال بقوة الدستور على المحكمة الدستورية قبل إصدار الأمر بتنفيذها بدل حصر هذه المهمة في رئيس الحكومة وحده. المادة 36 في هذه المادة ارتأى نظر محررها أن تحيل في تطبيقها على قانون المسطرة المدنية عند حديثه عن القسم الذي يؤديه الشهود، وهي إحالة قد تظهر عادية. لكن الأصل أن للقواعد القانونية تراتبيتها. هذه التراتبية التي رفعها الدستور من مبدأ فقهي متعارف عليه الى مبدأ دستوري عندما نص الدستور في الفقرة الاخيرة من الفصل 6 منه على ما يلي : « تعتبر دستورية القواعد القانونية وتراتبيتها......» إن ما انتهى له الدستور من رفع مبدأ تراتبية القواعد القانونية الى مرتبة القواعد الدستورية ليس لأسباب فقهية وإنما لأسباب مرتبطة بتراتبية الشرعيات في المجتمع لأن الدستور يوجد في أعلى هرم القواعد القانونية لكونه يعبر عن الشرعية التعاقدية لكل المواطنين الذين عبروا عنها مباشرة عن طريق الاستفتاء. فهو تعبير عن سيادة الامة كما ينص على ذلك الفصل 2 من الدستور . ويليه بعد ذلك القانون، سواء كان تنظيميا أم عاديا، الذي له شرعية أقل لأنه لا يصوت عليه كل المواطنين مباشرة أي عن طرق الاستفتاء، وإنما يصوت عليه نوابهم في البرلمان. هذه التراتبية لها آثارها التي تفرضها تراتبية الشرعيات، وهي الآثار المتمثلة في أن لا تكون قواعد الدستور تابعة لقواعد القانون عاديا أو تنظيميا، وإنما العكس هو الذي يجب ان تكون عليه القواعد القانونية وهو أن القانون هو الذي يجب أن يكون تابعا للدستور.لذا، فإن المادة 36 من مشروع الحكومة عندما تلزم المحكمة الدستورية بتطبيق قواعد قانون المسطرة، تكون قد أوقفت سريان قاعدة للقانون التنظيمي الذي هو مكمل للدستور على قاعدة لقانون عادي وهو ما يتعارض مع مبدأ تراتبية الشرعيات في القوانين. قد يظهر للبعض أن هذا النوع من النقاش هو نقاش زائد أو نقاش يدخل في باب الاجتهاد، غير أن الأمر أكبر من ذلك كما يتبين: من جهة مبدئية فإن مشروع المادة 36 يحيل على « قسم « غير موجود في قانون المسطرة المدنية أصلا، إذ أنه بالرجوع الى الفصول في قانون المسطرة المدنية المنظمة للاستماع الى الشهود لا نجد أي فصل يحدد صيغة القسم الذي يؤديه الشهود أمام المحاكم وإنما الفصل 76 من قانون المسطرة المدنية في فقرته الثالثة ينص على ما يلي: « يقسم الشاهد تحت طائلة البطلان على قول الحقيقة» فهذه الفقرة إن كانت هي التي يحيل عليها مشروع المادة 36 ، لا تنص على صيغة للقسم كما هو الحال مثلا في الفصل 123 من قانون المسطرة الجنائية. ومما يلاحظ على ما ينص عليه قانون المسطرة المدنية أن القسم غير مرتبط بالتوجه الى الله وإنما هو مرتبط بالتوجه الى الحقيقة . فصيغة « أقسم بالله « لا ينص عليها الفصل 76 من قانون المسطرة المنية كما هو الحال في الفصل 123 من قانون المسطرة الجنائية . فهل ستستمع المحكمة الدستورية لشهود دون أن يقسموا بالله ، السيد رئيس الحكومة ؟ إن صيغة « أقسم بالله « هي مذكورة في قانون المسطرة المدنية لكن ليس في شهادة الشهود التي تحيل عليها المادة 36 من المشروع، وإنما في الفصل 85 المتعلق باليمين كوسيلة من وسائل إثبات الالتزامات التعاقدية بين الافراد ، علما بأن الفرق كبير بين اليمين كوسيلة من وسائل الاثبات والقسم الذي يؤديه الشهود على واقعة معينة. المادة 41 أتت بمقتضى دستوري غير مفهوم، وهو الوضع المنصوص عليه في الفصل 55 من دستور 2011.إذ أنه بالرجوع إلى هذا الفصل سنلاحظ أنه يتكلم عن نصاب للتصويت على الالتزامات الدولية التي تخالف الدستور ونصت تلك المادة على السدس وعلى الربع ، بينما الفصل 132 من نفس الدستور نص على نصاب آخرو على كيفية احتساب مختلفة. ذلك أن ربع مجلس المستشارين مثلا إذا كان عدده هو 90 كما تنص على ذلك المادة 63 من الدستور، يكون هو 22,5. المادة 42 هذه المادة من المشروع والتي سبق ان تناولتها في المقال الثاني تحت عنوان « النقل الحرفي « أخرت تنظيم شروط وإجراءات الدفع بعدم دستورية القوانين من القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية الى أجل غير مسمى في تجاوز واضح للدستور وللإرادة الوطنية بكاملها. فكيف ستسن الحكومة هذه الإجراءات إذا لم تكن مندمجة في هذا القانون التنظيمي من جهة؟. وكيف سيفهم وستطبق إجراءات وشروط الدفع بعدم دستورية القوانين، مع أنها غير منصوص عليها في هذا القانون وإنما في قانون تنظيمي لايزال لم يخرج للوجود؟. إن التفسير الوحيد هو رغبة الحكومة في تعطيل دور المحكمة الدستوري في ممارستها لهذا الاختصاص وحرمان المواطن من مكتسب دستوري لم تتح إلا في الدول العريقة في الديمقراطية ، ، وهي رغبة متناقضة مع الدستور. المادة 47 هي أكثر المواد توضيحا لإرادة الحكومة في عدم إخراج القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية للوجود، وتؤكد أن القانون التنظيمي المقترح من قبلها ما هو إلا للتغطية الإعلامية وليس رغبة في تطبيق الدستوري.ذلك أن ذلك الفصل ينص بكل وضوح على أنه حتى ولو صوت البرلمان على نص القانون التنظيمي المتعلق بالمحكمة الدستورية، فإنه لن يسمح لها بالقيام بمهامها لأن تلك المادة تنص على أن أعضاء المجلس الدستوري الحالي يستمرون في مزاولة مهامهم إلى حين تعيين أعضاء المحكمة الدستورية، وهو ما يعني ان التصويت على نص القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية لا يعني دخول هذه الاخيرة لحيز الوجود وإنما لن تمارس اختصاصاتها كمحكمة دستورية إلا عند تعيين أعضائها كلهم ما دام أن المادة استعملت كلمة « أعضائها « بالإطلاق دون الالتفات الى ما ينص عليه الفصل 130 من الدستور. لكن بالإضافة للملاحظات المشار إليها أعلاه والمتعلقة بالمادة 17 من المشروع، فإن ما تضمنته هذه المادة هو أمر زائد ولا معنى له مادام أن الفصل 177 من الدستور كاف لضمان المرحلة الانتقالية من المجلس الدستوري إلى المحكمة الدستورية. غير أن الاختلاف الواضح بين الفصل 177 من الدستور وبين الفقرة الأخيرة من المادة 47 من مشروع الحكومة، هو أن الدستور أبقى على المجلس الدستوري بكامل أعضائه وبكامل مهامه، وأثار قراراته بينما المادة 47 رفعت عن المجلس الدستوري أي حق في الاستمرار في عمله بصفة أصلية وعادية عندما تضمنت تلك المادة كلمة « بصفة انتقالية «. فهل تعني كلمة «انتقالية» أن يقوم المجلس بتصريف الأعمال إلى حين تنصيب أعضاء المحكمة الدستورية أم أنه يمارس عمله بصفة عادية ويصدر قراراته بصفة عادية إلى حين تنصيب المحكمة الدستورية وفي هذه الحالة فإن الفصل 177 من الدستور هو كاف وهو الذي ينظم الوضعية الانتقالية. ثم إن ربط مشرع الحكومة لدخول القانون التنظيمي للمحكمة الدستورية حيز التنفيذ بتعيين كل أعضائها، هو خرق للفصل 130 من الدستور كما سبق بيانه أعلاه. هذه بعض الملاحظات الأولية على مشروع الحكومة المتعلق بالمحكمة الدستورية التي تؤكد أن الحكومة ليست لها أي أفكار جديدة، وبالأحرى متطورة، تسير في نفس روح الدستور الذي توافق عليه الجميع.