في عددها الصادر يوم الأربعاء 17 يوليوز الجاري، وضمن ملف خصصته للوضع المصري وسيناريوهات مستقبل أرض الكنانة بعد تنحية محمد مرسي و تعيين رئيس دولة مؤقت وحكومة جديدة، نشرت يومية ليبراسيون الفرنسية حوارين مع كل من: - خطار أبو دياب، وهو مستشار في القضايا الجيو- سياسية وأستاذ في جامعة باريس الجنوبية؛ و - صوفي بوميي الباحثة المختصة في القضايا المصرية ومديرة مكتب «ميروي» العامل في مجال تقديم الاستشارة حول العالم العربي والأستاذة في معهد العلوم السياسية بباريس. ما التوصيف السياسي والقانوني لتدخل الجيش المصري لتنحية محمد مرسي؟ ما الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها الإخوان المسلمون وهم في سدة الحكم والتي أثارت الشعب المصري ضد تدبيرهم لشؤون البلاد والعباد؟ هل يستطيعون العودة إلى مركز الفعل السياسي وما سبل ذلك؟ ما الرهانات المطروحة على حكام مصر الجدد علما أنهم يفتقدون إلى شرعية صناديق الاقتراع؟ من المستفيد من الوضع القائم اليوم؟ هل تستطيع القوى الديمقراطية المتوقعة يسارا التحول إلى فاعل سياسي حقيقي ينافس الفاعلين المحوريين الحاليين في الحلبة المصرية؟ ما الذي يريده الجيش وهل مصر مهددة بحكم عسكري؟ أسئلة أساسية من بين أخرى يجيب عليها الباحثان كل من وجهة نظره، ننشرها مع أجوبتها ضمن هذا الملف. صوفي بوميي: القادة الجدد ملزمون بتحقيق نتائج إيجابية اقتصاديا وأمنيا { هل نحي محمد مرسي بفعل انقلاب؟ أعتقد أن الجدل اللغوي حول وصفي الانقلاب أو الثورة مختزل أكثر من اللازم لفهم تعقيدات الوضع. كان ثمة، بكل جلاء، انحصار مؤسساتي. الحظ موات اليوم للإخوان المسلمين قصد اللجوء إلى توظيف شرعية صناديق الاقتراع، لكن المؤسسات كانت في حالة شلل، فالبرلمان لم يعد موجودا والمسلسل الانتخابي طاله التجميد. ويضاف إلى هذا الوضع الاقتصادي السلبي الذي لم يكف عن التدهور، مؤديا إلى غضب عميق في أوساط الساكنة، غضب عبر عن نفسه عن طريق حركة تمرد. ومن المؤكد أن جماعات معينة كانت مصرة على إسقاط الإخوان، وأنا أعني خاصة الجيش ويتامى النظام السابق. { من المستفيد من الوضعية الحالية؟ المنتصرون اليوم هم القضاء والجيش ورجال الأعمال المقربون من النظام السابق، وهؤلاء هم من شرعوا في بسط سيطرتهم على البلد. لكن لا شيء حسم إلى حد الآن، والمستقبل رهين خاصة بمدى قدرتهم على صيانة مكانة الإخوان المسلمين. إن موجة القمع وشيطنة جماعة الإخوان تكرران، اليوم، نفس أساليب الماضي. وإذا عادت الفرق الحاكمة سابقا إلى دفة الحكم بذات السلوكات الماضية، دون أن تأخذ بعين الاعتبار مستلزمات الحرية والعدالة الاجتماعية، فإنها ستواجه صعوبات جمة لأن المجتمع تغير. لا يتوفر رجال السلطة الأقوياء الجدد على شرعية صناديق الاقتراع، ولذا فلا مناص لهم من تحقيق نتائج ملموسة في المجالين الاقتصادي والأمني. والحال أن التوجه المتصلب المتخذ حيال الإخوان المسلمين ليس هو التوجه الأكثر فعالية بكل تأكيد، ذلك أنه يمكن أن يؤدي إلى تطرف فئة من التيار الإسلامي واعتناقها العنف. { هل التيارات اليسارية التي نظمت هذه المظاهرات أصبحت خارج اللعبة؟ باستطاعتها موضوعيا أن تصبح قوة سياسية حقيقية. وهي تتوفر اليوم على فرصة سانحة لذلك إذا ما برهنت أن بإمكانها القيام بدور سلطة مضادة، خاصة عبر الضغط على التقنوقراطيين الذين يسيرون البلاد وإجبارهم على أخذ المسألة الاجتماعية بعين الاعتبار. { هل هناك تخوف من استيلاء العسكر على السلطة؟ لا أعتقد ذلك. أظن أن الجيش يريد أساسا التمتع بحق في المراقبة، لكنه لا يؤيد أن يكون في الصفوف الأمامية. ما يبتغيه الجيش قبل أي شيء آخر، هو الاستقرار على المستوى الاقتصادي والمؤسساتي والأمني. كما أن الجيش غير متساهل إزاء السياسة الجهوية، ولقد بدا له موقف الإخوان المسلمين حول سوريا متسما بروح المغامرة إلى حد كبير بدون شك. { ما هامش الفعل المتاح للإخوان المسلمين؟ إن حظهم الأكبر يتمثل ربما في الفشل الممكن للقادة الجدد. الرأي العام يتميز بالتقلب، وذلك ما جعل الجيش الذي كان منبوذا قبل سنة فقط يعود إلى الواجهة وسط الحماس. السؤال المطروح هو كيف سيستعيد الإخوان مصداقيتهم. ربما سيجدون بعض المساندة في الضواحي حيث يظل رفضهم أكثر اعتدالا، عبر إعادة الارتباط مع السكان. أما تنظيميا، فلا بديل لهم عن القيام بنقد ذاتي قاس. خاصة وأن السلفيين لهم بالمرصاد ويستطيعون الاستفادة من فشلهم. إن مآل جماعة الإخوان مشروط، ربما، ببروز جيل جديد أقل تصلبا وأكثر استعدادا للحوار مع القوى السياسية الأخرى، وربما يكون هذا الجيل هو حامل مشعل مستقبل الإسلام السياسي. خطار أبو دياب: الجيش لعب دائما دورا تحكيميا في مصر { هل تعتبر تنحية محمد مرسي انقلابا؟ أفضل الحديث عن تدخل بالقوة. إنها بالفعل انقلاب، لكنه انقلاب لم يتم بالطريقة الكلاسيكية. وإذا صح القول، فنحن أمام الفصل الثاني من الثورة المصرية. وهذا يذكرنا بدورة الثورة الفرنسية، علما أن الأمور لم تنته بعد ولن تنتهي قريبا. هذه المواجهة المفتوحة بين الإسلاميين وغير الإسلاميين كانت أفضل طريقة لإنهاء مرحلة انتقالية. ما حشد جزءا كبيرا من المجتمع ضد الإخوان المسلمين يتجسد في عدم كفاءتهم وفي محاولتهم الاستحواذ على الدولة وتحويلها إلى دولة - حزب. هناك من جهة انعدام انفتاح الإخوان وإرادتهم في الهيمنة؛ ومن جهة أخرى تصلب المعارضة الليبرالية التي كانت تخشى التعرض للاندثار، ومقاومة الكنيسة القبطية والأزهر الذي يرغب في الحفاظ على مكانته كمؤسسة دينية كبرى، و«الدولة العميقة». كل هذه العناصر ساهمت في حدوث هذا الفصل الثاني. { هل كان الجيش يفكر في هذا الانقلاب منذ تولي مرسي السلطة؟ في مواجهة إخوان مسلمين متيقنين من أنفسهم وكطمئنين بفعل المساندة الأمريكية، فإن القيادة العسكرية المصرية العليا كانت تهيئ، بدون شك، ثأرها. وبالفعل، فمرسي أزاح هذا الجيش (من الساحة السياسية) في غشت 2012 عقب هجوم شنه جهاديون في سيناء ولم يتم الكشف عن جميع ملابساته. بين 25 و28 يناير 2011، عشنا الثورة المصرية الكبرى عبر استعراضات الحشود والأمواج البشرية المسالمة. وانطلاقا من يوم 28 من ذات الشهر، حول الإخوان مسار الثورة، مستفيدين من وجود قوات الأمن والشرطة خارج اللعبة. لقد اتفقوا مع الجيش لينتهي الأمر بذهاب حسني مبارك (11 فبراير). ويبدو أن هذا الاتفاق السري تم بمباركة الأمريكيين. هكذا، فقد برزت قوتان كبيرتان (الجيش والإخوان المسلمون) كانتا تنتظران حلول لحظتهما منذ ... 80 سنة، بينما اكتشف الشباب، الذي همشه هذا الثنائي، مع مرور الوقت أن ثورته قد زاغت عن هدفها وحول اتجاهها. ومن ثمة، فإن اتفاق 11 فبراير كان انقلابا في حد ذاته. أما نقطة الخلاف مع الآن، فتتمثل في غياب الماكياج حينها. لقد لعب الجيش، منذ القدم، دور المصاحبة أو التدخل أو التحكيم، بل دول التسيير المشترك مثلما هو الحال اليوم. { ما الحدث الذي شكل شرارة الأمور؟ إرادة الإخوان المسلمين في تسريع وتيرة تحكمهم في جميع دواليب الدولة هي ما شكل شرارة هذا التدخل بالقوة. إنهم طمعوا، بعد الشرطة والجيش والأمن، في السيطرة على القضاء ووسائل الإعلام، علما أن الأول كان يقوم بمهامه حتى في ظل حكم مبارك. تعيين المحافظين هو النقطة التي أفاضت الكأس، وقد ارتكب مرسي خطأ جسيما حين عين في الأقصر محافظا منبثقا من الجماعة الإسلامية، وهي تنظيم متورط في هجوم جد خطير تعرضت له هذه المدينة نفسها (في 1977). كما أن تعاون الإخوان مع حماس شكل مصدر قلق للجيش، وذلك دون الحديث عن الوضعية الاقتصادية والاجتماعية: في يونيو لم يكن احتياطي العملة الصعبة يكفي إلا لتمويل مشتريات المواد الأساسية لمدة ثلاثة أشهر فحسب. والحال أن المصريين نزلوا إلى الشارع ليس للدفاع عن الحرية فقط، بل وعن الخبز أيضا. ومن جهتهم، فالإخوان المسلمون كانوا يفكرون في مستقبل حزبهم، وليس في مستقبل الدولة. { هل من المحتمل حصول سيناريو مثيل بالسيناريو الجزائري مع اندلاع حرب أهلية؟ سيسعى الإخوان المسلمون إلى إعادة سيناريو شبيه بالسيناريو الجزائري إلى حد ما، وخاصة في سيناء. لكننا نعرف، منذ الآن، أن الإسرائيليين سيتعاونون مع الجيش المصري قصد منع قيام أي بؤرة جهادية.