يتزايد أكثر فأكثر تواجد الحركة الشعبية اللبنانية (حزب الله) في غرب القارة الافريقية، مرتكزة على جالية لبنانية قوية مقيمة في افريقيا، استطاع حزب الله بالاقناع أو الضغط كسب ولائها, والنتيجة أن حزب حزب الله اللبناني جعل من غرب افريقيا أحد أهم مصادر تمويله من الخارج. في نهاية سنة 2004 كانت ابيدجان عاصمة الكوت ديفوار على حافة الانفجار, كان التوتر السياسي في أوجه بين فرنسا والرئيس الايفواري لوران غباغبو.أنصار الرئيس كانوا غاضبين وخرجوا للشوارع, كان الجميع يخشى وقوع عمليات نهب وفوضى، في تلك الفترة في بعض المخازن والشركات الكبرى والمطاعم التي يمتلكها لبنانيون، ظهرت مجموعات من الرجال شبان ملتحين في الغالب ومسلحين بشكل سري لا يتكلمون الفرنسية بل العربية، قال وقتها أحد المقربين من الرئيس غباغبو «»إنهم أناس جاؤوا من لبنان، مقاتلون من حزب الله من أجل حماية ممتلكات اخوانهم...«. هذه الحادثة التي لم تثر ضجة وقتها, سمحت بكشف جانب من الاشاعات القوية الرائجة في القارة السمراء حول العلاقات المعقدة التي تربط بين اللبنانيين المقيمين في افريقيا وبلدهم الأصلي وخاصة مع حزب الله. الحركة الشيعية في لبنان التي تعتبرها الولاياتالمتحدة حركة ارهابية وتعمل منذ مدة فرنسا على إدراج جناحها المسلح ضمن قائمة المجموعات الارهابية للاتحاد الاوربي ليست افريقية، والتساؤلات الأولى بدأت تطرح في سنوات 1980 - 1990 حيث بدأت المخابرات العربية تراقب عن قرب حزب الله الصاعد في جنوب لبنان، حيث لوحظ أن بعض قادته يختفون فجأة عن الأنظار ولا يظهر لهم أثر إلا بعد أشهر أو سنوات وكانوا يختبؤؤن في غرب افريقيا. المفاجأة كبيرة, بعد 20 سنة بدأت المخابرات الغربية تتساءل ما إذا أصبحت منطقة غرب افريقيا إحدى أهم مصادر تمويل وقاعدة خلفية نشيطة لحزب الله، لكن الأسئلة وعلامات الاستفهام تظل مطروحة. فاللبنانيون متواجدون في غرب افريقيا بشكل واضح ومكشوف, من ابيدجان إلى دكار, ومن لاغوس الى لواندا, منذ عشرات السنين. جالية نشيطة مزدهرة وقديمة يقدر عددهم حسب بعض التقديرات بحوالي 300 الف مهاجر لبناني في افريقيا من مجموع حوالي 5 ملايين مهاجر لبناني في العالم. واليوم يتألف اللبنانيون من جميع القطاعات, مثل البنوك والاستيراد والتصدير والعقار او المهن الحرة. هذا النجاح يفرز بطبيعة الحال حزازات، واللبنانيون يتهمون بسهولة بالمسؤولية عن الانقلابات والفساد وجميع مشاكل افريقيا. يوضح مواطن فرنسي ينحدر من عائلة لبنانية مرموقة في دكار قائلا:» الجالية اللبنانية حالية مركبة ولا يمكن اختزالها بهذه السهولة. هم في الغالب أناس مقيمون في افريقيا منذ ثلاثة الى أربعة اجيال. مندمجون بشكل جيد, ورغم انهم يحافظون على روابط مع بلدهم الاصلي لم يعد توافدهم يتم بنفس الكثافة، ولذلك لابد من الانتباه للخلط...» لبناني آخر من اصل شيعي، كما اكترية اللبنانيين في افريقيا, يقول نفس الشيء»... اللبنانيون يتهمون دائما بكل شيء بطبيعة الحال، هم يحافظون على روابط مع لبنان, وبعضهم ربما يعطي بعض المال لحزب الله من اجل المساعدة فقط، وهم ليسوا ارهابيين, وحزب الله يشارك في البرلمان...» الرجل لا ينفي كليا تواجد حزب الله في افريقيا، ولكن الادلة على ذلك تكاثرت وبقوة في المدة الأخيرة. واحدى هذه الادلة ظهرت في دجنبر 2003 عندما تحطمت عند الاقلاع طائرة تربط بين كوتونو وبيروت, الحادث خلف ازيد من 100 قتيل، وعثر في حقائب احد الضحايا على مبلغ 2 مليون دولار نقدا. صحة هذا الخبر لم تتأكد رسميا, لكن مصادر مخابراتية تقول انها صحيحة وهي محصلة تبرعات جمعت من كل افريقيا باشراف من احد المنتمين لحزب الله. وحسب نفس المصدر, فإن حزب الله انشأ شبكة لجمع التبرعات في افريقيا في سنوات 1990 بدءا باللبنانيين العاديين الذين يغريهم خطاب حزب الله. وانتهاء بالاغنياء الذين تم استقطابهم بالقوة او بالاقناع. وبالموازاة تغلغل الحزب في التجارة وخاصة تجارة الماس في سيراليون والكونغو, عالم يلفه الغموض والسرية. وهنا سيظهر اسم علي ابراهيم الوفتا, وهو مواطن سيراليوني يشتبه في انه احد اهم ممولي حزب الله, الى جانب اسم لبناني اخر من كنشاسا ورد اسمه في تقرير للامم المتحدة حول نهب الموارد المنجمية في الكونغو الديمقراطية. لم تعد هذه المنح والمساعدات كافية، يؤكد احد المختصين في شؤون الاستخبارات قائلا:»في سنة 2006 بعد الحرب الثانية مع اسرائيل، كان حزب الله بحاجة للمال، وايران مموله التقليدي لم تعد تعطيه ما يكفي, لانها كانت هي بدورها تعاني بسبب العقوبات الاقتصادية...وبالتالي اتجه حزب الله نحو افريقيا وتجارة المخدرات. حزب الله ينفي بقوة اية علاقة له بتجارة المخدرات ويعتبرها مجرد دعاية امريكية, لكن واشنطن بدأت تحقق بجدية في انشطة حزب الله في القارة. في فبراير 2011 اصدرت ادارة اوباما تقريرا يتهم مؤسسة بنكية لبنانية بالعمل كواجهة لتجارة الكوكايين, وكشفت التحقيقات عن وجود نظام واسع يمر من خلاله الكوكايين القادم من فنزويلا والمكسيك, يمر عبر غرب افريقيا قبل التوجه الى اوربا، وقد عملت عناصر من اللبنانييين الشيعة من طرفي الاطلسي على ضمان فعالية هذه العمليات حسب الانتربول, واظهرت التحقيقات انه يتم تبييض الاموال عبر تجارة السيارات المستعملة في الولاياتالمتحدة التي يتم اعادة بيعها في افريقيا وعبر شركات افريقية مملوكة للبنانيين, خاصة في قطاعي تحويل العملات والمجوهرات وحجم الاموال المعنية يقدر بمئات الملايين من الدولارات. وقد اكد رونالد نويل الامين العام للانتربول سنة 2009 ان شبكة المخدرات هاته استعملت لتمويل حزب الله والقوات المسلحة الثورية الكولومبية, ومنذ ذلك الحين تم اغلاق العديد من مؤسسات تحويل صرف العملات في بنين ويستغل المهربون ضعف الشرطة والمؤسسات والبنوك المركزية في افريقيا للتواجد، لكن ذلك لا يعني فقط اللبنانيين, هناك ايضا العديد من الافارقة والاوربيين المتورطين في هذه الشبكات والذين لا يهمهم سوىِ المال. وقد اثبتت تحريات وكالة مكافحة المخدرات الأمريكية ذلك من خلال الكمين الذي نصبته في ابريل الماضي لرئيس أركان البحرية السابق في غينيا بساو. لكن رجال مكافحة المخدرات الأمريكيين فشلوا في ماي في إلقاء القبض على رجل أعمال لبناني في ابيدجان نصبوا له نفس الكمين. لكن واشنطن لم تخفض ضغوطها: في بداية يونيه نشرت الخزينة الأمريكية لأول مرة لائحة تضم 4 لبنانيين متهمين »بتنظيم حملة جمع أموال لفائدة حزب الله ويظهر ذلك أن الأمريكيين مقتنعون بأن حزب الله مصمم على خلق شبكة تمويل دولية. لكن هذا الجانب، حسب أحد المختصين في شؤون الاستخبارات، ليس سوى الجزء الظاهر من جبل الجليد، فما يظهر وراء حزب الله هو إيران, مع ما يحمله من مخاطر ارهابية حقيقية على المصالح الغربية في افريقيا. والدليل هو إدانة ايراني في نيجيريا يوم 13 ماي الماضي بتهمة الاتجار في السلاح, حيث تم اعتقال المواطن الإيراني عزيم اغاجاني سنة 2010 بتهمة استيراد 13 حاوية محملة بالأسلحة، لم تعرف وجهتها النهائية, لكن يعتقد أن السينغال ومنطقة أرضية دبلوماسية بين دكار و طهران. وفي ماي تم اعتقال 3 رجال أعمال لبنانيين كانوا شمال نيجيريا. وحسب سلطات أبوجا وجد لدى اللبنانيين أسلحة لحزب الله تشمل عبوات مضادة للدبابات وقذائف ورشاشات كلاشنيكوف. وتعتقد السلطات في نيجيريا أن الثلاثي اللبناني يشكل »خلية لحزب الله« كانت جاهزة للتحرك. ومنذ ذلك الحين, تلتزم نيجريا الصمت حول هذه القضية. نفس الصمت حيط بقضية الاعتقال والإفراج عن حوالي 10 رجال أعمال لبنانيين في كوت ديفوار، متهمين أيضا بارتباطات مشبوهة مع حزب الله. فهل حزب الله، وبعد سنوات من التواجد، بصدد الانتقال إلى مرحلة التحرك والعمل لحماية شبكاته المباشرة والشبكات المرتبطة بايران. الاسرائيليون يعتقدون ذلك، وأوربا متشككة, لكن الأكيد أن تواجد حزب الله في افريقيا أمر واقع وهو يحصل من افريقيا على أموال مهمة, لكن هل يعني ذلك أنه يحاول زعزعزة استقرار المنطقة؟. في الواقع هذه الخطوة ليست في صالحه ولا في صالح الجالية اللبنانية المقيمة في افريقيا، لكن كل شيء ممكن. بقلم: تانغي بيرتيمي عن «الفيغارو»