سيعيش الحقل الحزبي الوطني يومه 29 يونيو، حدثا نوعيا ينقل مطلب وحدة اليسار من اجتراره كشعار إلى ترجمته كواقع تنظيمي، وذلك عبر اندماج مكونين من مكونات الحركة الاتحادية هما الحزب العمالي والحزب الاشتراكي في حزب الاتحاد الاشتراكي. إنها لحظة «النهاية السعيدة» لمسار من الحوار والمداولات أنضج وأثمر قرار الوحدة الاندماجية، باعتبارها أرقى وأنجع صيغة تنظيمية لتوحيد الفعل اليساري وتجميع مكونات الحركة الاتحادية كجزء أساسي منه. وبدون مبالغة في الانتشاء المشروع بهذه اللحظة الوحدوية أو المبالغة في التفاؤل بها، يمكن الجزم بأنها خطوة في الاتجاه السليم والمطلوب بإلحاح موضوعيا وذاتيا : ففي لملمة قوى الصف اليساري الاشتراكي الديمقراطي هزم» للروح الانقسامية» ونوازعها الذاتية الضيقة الأفق التي أفقدت اليسار لسنوات وهجه ووزنه السياسيين وتأثيره في صنع القرار ، وأضعفت قدراته على التأطير السياسي والتأثير الإيديولوجي ، وانعكست سلبا على مواقعه الشعبية والانتخابية. لهذا القرار الوحدوي الاندماجي الذي ستصادق عليه اليوم، بشكل متزامن، الهيئات العليا للأحزاب الثلاثة، من يسنده ويدعمه ويثمنه باعتباره استجابة لإرادة فعاليات متنوعة في المجتمع وداخل الحقل الحزبي الوطني : ففي ربيع 2012 أصدر عشرات المثقفين والمفكرين والفنانين وفاعلين في واجهات متنوعة « بيان من أجل وحدة اليسار» .. فيه من العمق والرؤية النقدية والاستشرافية والاقتراحية ما يضفي على مطلب الوحدة طابعا «وجوديا « مصيريا وحاسما في التقدم الديمقراطي . وقبل أسابيع التأمت فصائل يسارية في كنف فدرالية مفتوحة على «اندماج بصيغة أخرى «. إنها دينامية الوحدة والتوحيد النابعة من الاقتناع الذاتي المؤسس على خلاصات التجربة الخصوصية لكل فصيل في خريطة «الشتات اليساري « وعلى التقدير السياسي الواقعي والسليم لطبيعة المرحلة القادمة، التي تحتاج فيها التحديات التي تواجه البلاد، إلى حزب جماهيري اشتراكي ديمقراطي منفتح وقادر على تفعيل مشروعه المجتمعي الحداثي في ميدان الممارسة السياسية والثقافية اليومية على كافة الصعد والواجهات . منذ الاندماج الاول للحزب الاشتراكي الديمقراطي سنة 2005، بقي الاتحاد الاشتراكي منفتحا على مختلف الصيغ التنظيمية الممكنة لتوحيد الفعل اليساري وأداته التنظيمية. وقد كان المؤتمر التاسع محطة أخرى أساسية لتأكيد موقع توحيد الحركة الاتحادية واليسارية عموما ضمن المشروع السياسي والتنظيمي للحزب . وهكذا طوق المؤتمر القيادة الجديدة بمسؤولية المبادرة في هذا الاتجاه والانفتاح على كافة فصائل اليسار الاشتراكي الديمقراطي. وبعد مضي شهور معدودة على مباشرة المكتب السياسي لمهامه التنفيذية، هاهي عملية اندماجية ثانية تتحقق بالإرادة والوعي المشتركين لصانعيها . إن الاختيار الوحدوي الاتحادي ليس وليد معطيات الظرفية السياسية الراهنة ولا رد فعل عليها، وإنما هو اختيار مبدئي واستراتيجي يجد أسسه النظرية والسياسية في جل أدبيات الاتحاد واليسار عموما : أدبيات حررت بمداد المعاناة من آثار وجراح انقسامات مؤلمة وغير عقلانية ،ولذلك كم تبدو سطحية وساذجة تلك القراءات التي تربط هذه الدينامية الاندماجية «بالمد الاسلاموي « فقط، على الرغم من كونها ( الدينامية) تشكل جوابا موضوعيا وذاتيا على نزوعه الهيمني والتقليداني .. ولا مراء في أن هذا الحدث الوحدوي سيكون له ما بعده : أقصد بذلك تحفيز الوعي السياسي والفعل الميداني والتنظيمي والتعبوي على نبذ عناصر التفرقة والتشتيت والتكتلات الضارة بالتماسك والتكامل والفعالية المطلوبة في الأداءالحزبي . ولعل من الأوليات الملحة في سياق عملية التوحيد المفتوحة إبداع آليات مؤسسية لتدبير التنوع والاختلاف بما يقوي الاداة الحزبية، ويغني رصيدها السياسي والفكري ومشاريعها التأطيرية للمجتمع ، كي لا يتحول التوحيد الى تحنيط وتنميط وجمود وعقم مزمن... وتلك قضية أخرى ، ليس هذا اليوم السعيد بالنسبة لجميع الاتحاديين والاتحاديات ورفاق الدرب اليساري مناسبا لتفصيل الحديث فيها..