يقول تعالى «ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو الد الخصام «. وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها. إذا اؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر .» ودلالة كلمة منافق تنطبق على من دخل من المخلوقات نفقا ليحجب نفسه. وفي الاصطلاح العام ستر حقيقة الشخص وإظهار خلافها ..ومن بين ما قاله الفقهاء في هذا الباب :» اظهار للإسلام وستر للكفر» . ويضاف الى ذلك إظهار الصلاح والورع والامر بالمعروف والنهي عن المنكر وإخفاء نقيض كل ذلك. لهذا يسجل التاريخ أن المنافقين وخاصة في الدين والسياسة بالعالم العربي والاسلامي والمعمور ككل قد كانوا السبب المباشر وغير المباشر في الأزمات وانهيار القيم وانتشار اليأس والاحباط وقيام الانتفاضات والثورات والفتن حتى داخل الهيئات والمؤسسات التي لا يدرك أهل الصلاح الحقيقيون وذوو النيات الحسنة من الشعب وأولي الأمر ما يحصل نتيجة ذلك حتى تشتعل نيران الفتن في أثاثهم ولباسهم في الدنيا، وحتى يذوقوا نار جهنم يوم القيامة إن غادروا هذه الدار قبل أن يفهموا حقيقة الاشياء وخلفيات ونوايا البعض ممن أسندت أو تسند لهم الامور... وفي هذا السياق نستحضر التعبير القوي لسيدنا محمد(ص) «عندما قال « إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان .» ونستدل من التاريخ أن البعض من المنافقين استطاع ان يقنع العديد من الناس ويجعلهم يأتمرون لأفكاره وأمره ولو كانت ضلالا في ضلال، وحتى عندما يطلب منهم ذوو البصائر الرجوع الى الصواب والحق، أعلنوا الرفض المطلق ولو ماتوا في سبيل ذلك جهلا منهم وتعصبا ...وهذا ما قام به المنافق الكبير عبد الله بن سبا الذي أعلن عصيانه رفقة من غرر بهم بنشر عقيدته الفاسدة التي كانت من بين أسباب مقتل الخليفة الثالث سيدنا عثمان بن عفان (ض).... والباحث في التاريخ كذلك سيجد أن المنافق في السياسة والدين يبحث عن الشهوات والمنافع والحظوة والثروة والزعامة، ويتصف بحب النفس والغرور و... و يريد أن يصيب عرضا من الدنيا كما يقول الفقهاء .. كما سيقف على أن النفاق اصبح «فرعا من « علوم « السياسة أيا كان البعض من ممارسيها بالوسط أو اليمين أو اليسار لدرجة يختلط فيها الحابل من هذه الجهة بالنابل من الجهة الاخرى، حيث يصعب التمييز لدى العامة بينهما فيجمع في قفة الفهم الشعبي البسيط بين ما لا يمكن جمعه في المنطق الوضعي أو الشرعي .. فيتسبب ذلك في النفور من العمل السياسي والمؤسسات التي يتواجد فيها البعض من هؤلاء لينتج العدمية والفقر المعرفي السياسي والديني، وليشحن بالكراهية والبغضاء والحقد تجاه كل بني البشر من ملتنا وغيرها ممن يختلفون معه . لهذا فعندما نتصفح في المكتوب وندقق في المسموع والمرئي، ونتتبع الممارسات سنرى بأم أعيننا وبصائرنا ما يجعلنا كمواطنين في حيرة من الأمر ..أمر النفاق في السياسة وفي الدين وذلك ليس لعيب في السياسة أو الدين بل لعيب في من يتحدثون كسياسيين أو كرجال دين أو يتحدثون بالصفتين معا ... لقد أصبح الناس يشتكون من الضبابية في المشهد السياسي الرسمي وغير الرسمي ، ويشتكون من عدم الوضوح والانفصام في قضايا تهم كل أمورهم الروحية والمادية المجسدة في جميع القطاعات. ومن هنا يمكن الجزم بأن هناك تقاطعا وتكاملا وتقاربا في كل المحطات التاريخية بين الاستبداد والنفاق .. وفي هذا يقول الكواكبي رحمه الله في كتابه «طبائع الاستبداد»، معرفا الاستبداد بأنه « اقتصار المرء على رأي نفسه بما تنبغي الاستشارة فيه ،» ويقول الامام محمد عبده «بأن المستبد هو الذي يفعل ما يشاء غير مسؤول ويحكم بما يقضي هواه وافق الشرع أو خالفه « . وقال الأخيار الأقدمون إن علماء السوء يسعون بالخداع والتدليس للسيطرة على قلوب الناس وأرواحهم . والبعض منهم يستغل الدجل والنفاق لاستدراج وإخضاع العامة وتجييشهم. كما أن البعض يستعمل القوة المادية والنفعية وتجذير ثقافة الارتزاق بدعوى الاصلاح وفعل الخير ؟ وقال الكواكبي «المستبد إنسان والانسان أكثر ما يألف الغنم والكلاب .فالمستبد يود أن تكون رعيته كالغنم ذلا وطاعة وكالكلاب تذللا وتملقا ...» عن كتاب طبائع الاستبداد. فإذا كان الذي يأمر الناس بالبر وينسى نفسه ..وينهى عن المنكر ويقبل عليه، ويدعو للعدل والديموقراطية والشورى وهو لا يؤمن بها حقا بل يراها وسيلة لتحقيق أهدافه في التسلط والتفرد ..وإذا كان يبدي لك فرحه وترحيبه بك وهو يبيت لك مقلبا، أو يتحين أقرب فرصة ليقض مضجعك ...وإذا كان يؤم الناس أو البعض منهم وهم له كارهون وهو يعلم ولا يصلح من أموره شيئا، فإنه لا يعدو أن يكون إلا منافقا ديكتاتوريا تحت أي مسمى في كل المذاهب المنبثقة عن فروع الدين أو فروع السياسة ..فهم يعتقدون أنهم يفعلون الافضل والأحسن وأن غيرهم دونهم كرامة وعلما ومعرفة و....وفي مثلهم قال تعالى « قل هل ننبئكم بالأخسرين اعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ...» الكهف. ومن بين تفسيرات « الاخسرين أعمالا» الذين أفسدوا أعمالهم بالرياء ضيعوا أحوالهم بالإعجاب ... لهذا فالقول الحق أن عدو الصدق والمحبة والاخلاق الفاضلة ..وعدو العمل الخلاق والصالح العام في أمور الدين والدنيا هو المنافق الذي يكون من بطانة السوء كما يكون دالا على الشرور والآثام، ومحرضا على الكراهية والفتن، لا يهمه أن تستقيم الامور أو يتحقق السلام للجميع بقدر ما تهمه نفسه ومصلحته ويحقق رغباته ومطامعه ..لهذا وصفه الرسول الكريم ...»بذي الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه .» نسال الله الهداية للجميع وأن يكونوا ديموقراطيين يحترمون الانسان وكرامته وعزته.. فالفضل كل الفضل في أمور الدين والدنيا هو الاخلاص وصدق السرائر ومطابقة الاقوال والافعال للنوايا . لهذا ترتقي الحضارات عندما يندحر المنافقون ويبتعدون عن مراكز القرار، كانوا طرفا فيه أو بطانة ...والله المستعان.