تغيير الجنس من ذكر إلى أنثى أو العكس، أضحى موضوعا يحضر ضمن اهتمامات ونقاشات المواطنين بين الفينة والأخرى، سيما في ظل الحديث الصاخب المرتبط بزواج المثليين، والذي كانت فرنسا عنوانا عريضا له خلال الأسابيع الأخيرة. إلا أن هذا النقاش يكون أحيانا كثيرة مرفوقا بتهويل وتضخيم إعلامي ، سيما في المجتمعات الغربية. تنعت هذه الحالة/الرغبة في تغيير الجنس من الناحية الطبية النفسية، بأنها اضطراب نفسي سلوكي يسمى« اضطراب الهوية الجنسية »، حيث يحدث للمريض ، ذكرا كان أو أنثى ، نوع من عدم الرضا عن هويته الجنسية الطبيعية التي ولد بها، ويحاول أن يتمثل باستمرار وبأساليب متعددة، شكل، وصفات، وسلوكيات الجنس الآخر. وهذا الاضطراب هو نادر عموماً وليس شائعاً، وهو يصيب الذكور أكثر من الإناث بعدة أضعاف. ويبدأ هذا الاضطراب عادة منذ سن مبكرة، من عمر سنتين إلى أربع سنوات، حيث يميل الطفل الذكر إلى اللعب بألعاب الإناث مثل الدمى، والاهتمام بمظهر شعره وثيابه بما يشبه الإناث من خلال التسريحة ...، إضافة لتقليده لحركات الإناث وأساليبهن وتصرفاتهن المتنوعة. أما بالنسبة للطفلة التي تعاني من هذا الاضطراب، فتجدها تميل إلى الألعاب الجسدية الخشنة، والصراعات، واللعب بألعاب الذكور مثل المسدسات، والسيوف، وغير ذلك، والظهور بمظهر ذكوري في الشكل والسلوك والاهتمامات . ويستمر هذا الاضطراب عند نسبة كبيرة من الجنسين في مرحلة البلوغ والمراهقة والشباب، حيث تزداد معاناتهم داخل الأسرة وفي المجتمع .. ويلجأ بعضهم إلى استعمال أدوية هرمونية للتأثير على جسمه ومظهره بما يتناسب مع شكل الجنس الآخر .. كما يلجأ بعضهم إلى طلب تغيير الجنس جراحيا، وتزداد عند هذه الفئة عموما، الخيالات الجنسية المثلية، وكذلك الممارسات الجنسية المثلية . وتعد أسباب هذا الاضطراب غير واضحة أو محددة بشكل دقيق، ولقد تحدثت النظريات القديمة عن خلل هرموني، ولكن الدراسات الحديثة أثبتت أنه لايوجد اضطراب في مستوى الهرمونات الذكرية عند الأطفال أو الكبار الذكور الذين يعتقدون ويشعرون أنهم إناث، إذ أن مستويات هرمون الذكورة لديهم هي طبيعية عادة، وكذلك عند الإناث اللواتي يشعرن بأنهن ذكور. وقد طرحت إحدى النظريات دور عزلة الطفل أو الطفلة وعدم توفر أقران في أعمار مشابهة من نفس الجنس، مما يؤدي إلى نقص في تمثل الصفات والسلوكيات المناسبة لجنس الطفل. هذا في الوقت الذي تؤكد نظريات التعلم، على أن اضطراب الهوية الجنسية ينتج عن سوء تمثل للجنس الموافق، أو تناقض وعدم ثبات في التشجيع على التمثل الصحيح للجنس الموافق. ويتضح أن للأسرة دورا هاما في تطور نظرة الطفل عن نفسه وتمثله لهويته الجنسية الطبيعية بشكل صحيح وسليم ، ويمكن للأهل أن يشجعوا سلوكا جنسيا لايتوافق مع جنس الطفل، حينما يلعب الطفل الذكر بدمية أو يلبس ثوبا أو حذاء نسائيا، ثم يقابل ذلك بالضحكات الإيجابية والابتسامات ممن حوله، فإن هذا السلوك يمكن له أن يتكرر ويصبح سلوكا مرغوبا فيه .. وهناك تفسيرات عديدة لسلوك الأهل الخاطئ، ومنها بعض المعتقدات الشعبية المتوارثة والغريبة والمرتبطة بقضايا العين والحسد، عند الطفل الذكر الجميل، حيث يتم الالتجاء إلى إطالة شعره وإظهاره بشكل أنثوي خوفا من الحسد ! ويمكن للأم أن تساهم في اضطراب ابنها الذكر من خلال علاقتها الخاصة به ، بتشجيعها له على أن يكون مثلها عوض أن يشبه والده، وذلك من خلال علاقة اندماجية مرضية معه، ويحدث ذلك بسبب الصراعات الزوجية والأسرية وتشكيل المحاور والجبهات داخل الأسرة. كما يكون لابتعاد الأب عن الأسرة، كالسفر المتكرر أو الانفصال أو غيره من الأسباب، دور سلبي في تمثله من قبل أبنائه الذكور، بالإضافة إلى الحالات التي يكون فيها الأب ضعيف الشخصية، أو يعاني اضطرابا نتيجة لفشل مهني أو اجتماعي. فالأساس الطبيعي لنمو وتطور الهوية الجنسية السليمة، هو تمثل النماذج الموافقة جنسيا، بدءا بالاسم، إلى الشكل والمظهر، والسلوكيات، والاهتمامات، والصفات العامة. وتمر عمليات النضج والنمو التي يعرفها الأطفال بعدة مراحل، وهي تستمر في مرحلة المراهقة وما بعدها، وترتبط بنظرة الفرد لنفسه وتقييمه لها، وتلعب ظروف التنشئة التربوية والاجتماعية دورا رئيسيا في الوصول إلى درجة صحية كافية من الثقة بالنفس وبالجسد، وبالمكانة وبالتقدير المناسب له ، وبما يتناسب مع الذكورة أو الأنوثة . ويعتمد العلاج في حالات الطفل، على ضبط السلوك المضطرب ومنعه وعقابه، والتوقف عن تشجيع السلوك المضطرب بشكل واضح وحازم من قبل الجميع في بيئته. كما أن أسلوب المكافأة يعتبر مفيدا، بالإضافة إلى التشجيع المتكرر على السلوك الطبيعي المتناسب مع الجنس وبشكل تدريجي وفقا لتفاصيل كل حالة. ومن الضروري الانتباه إلى الصراعات داخل الأسرة ومشكلات الأم النفسية والعملية، وتفيد الجلسات الأسرية للتخفيف من مشكلات الأسرة وتوجيه الجهود بشكل إيجابي وبناء. أما في حالات الكبار، فيفيد العلاج النفسي والسلوكي في تعديل نظرة الفرد عن نفسه وفي تبنيه لهويته الجنسية الطبيعية، وتمثل الجهود العلاجية نوعا من إعادة التعلم وبشكل تدريجي. وينصح بوجود معالج رجل في حالة الشاب الذي يعاني من الاضطراب مما يساهم في تبنيه لصورة المعالج الايجابية والمتفهمة من نفس الجنس،و يسهل عملية إعادة تمثل الهوية الجنسية الطبيعية، وفي حالة الشابة الأنثى ينصح بوجود معالجة أنثى لتسهيل إعادة التمثل .