متعة أن نجدد هذا اللقاء مع الأصدقاء، ومفخرة أن يكون الصديق أبو زيد صاحبه، في احتفاء بإطفاء شمعتنا الثانية. ولأن نوقد الشمع أفضل من أن نسب الظلام، كما تقتضي حكمة العظماء. قد يخون الكلام وأنت تحاول رسم ملامح شخص تفنن في وصفه للملامح والشخصيات، وإبداعه في تناول أحداثها، ورموز تواريخها، وتخصص في نسجها وحده، لا مجال. نمط في الكتابة خص به، حين يعرض للشخصيات يميط لثام الحقائق يكشف أسرارها، يمسك الخيط من مبتداه، يعانق بعض النفائس، يتحف أحبابه، رؤية أو سماعا، يمارس تنقيبه عن أساطين فكر وشعر وفن وأهل الطرب. يستعيد حكايات قوم، يدقق أخبار نادرة، وهو في كل حالاته، مستريح إلى عمق ذاكرة، غمرتها الوقائع والمحكيات ، وكان القريض منارتها. فالكتابة هم يرافقه، وسلوك يلازمه، حيثما حل أصحابه، يتدفق شعرا بكل مناسبة، عبثا كنت أقنعه، كي ينضد أشعاره في كتاب. فالنصوص التي نشرت كنماذج من شعره، وهي موجة حلم بدت من محيط مشاعره، تتحدث عن شاعر يتداوى من الجرح بالكلمات. إنه الشعر لا غيره، يستطيع امتلاكك دون عناء. وإذا ما الكلام تباهى بفضته من تطاوعهم ألسن نذرت نفسها للصخب، لم يكن صمته ذهبا يتزينه، بل غضب. وبعيدا عن الأصل والفصل بين الصحافة والعلم والشعر من اتصال، تمرد هذا الأصيل ليخلق عالمه من هناك، ويترك عرشا له بمثابة قصر السموأل، لكنه من قصب. لن يخلد شخص بغير كتاباته، خلف المال والأهل أو آثر الفخر عن غيره بالنسب. هو حرف سما في قصيد الوفا، لم يكن أبدا مغترب. زاهد في الحياة، سخي ويتعبه البخلاء. قبل أن نلتقي وأجالسه، نال منه الرفاق، وأقصد بعض الرفاق، بما لم تنله الطريق لخستهم وضآلة مخزونهم. هي نفس الطريق التي فاجأته بحادث سير تخطى الجوانح يطمح في كبد ملأتها الصداقات والذكريات. وبعلقمة الفحل كان يؤانسني، كلما جمعتنا مجالس شعر، وسار القريض بنا مركبا للتراث، يميل إلى مرفأ نستطيب شواطئه، ثم ينقلنا في اتجاه الغناء، ختاما، إلى «حسن». قمة الجلسات، يصاحبنا الديلمي بمعجبة ، سكنت شعره، ملكت سمعنا في الهزيع الأخير من الليل تغمرنا الدندنات. يعجز اللفظ حينا، وكنت أظن بأن امتلاكي للمفردات كفيل بتطويعها، بيد أن الكلام نبا وأبى ، فأمام المحبة لايستطيع. سعد الأصدقاء بك اليوم صدقا، كمن يحتفون بأنفسهم، لست ضيفا وليست لدينا كلاب على النار نامرها كي تبول أنت سيد هذا اللقاء ونحن الضيوف ، فماذا عساي اقول.