بمناسبة امتحانات البكالوريا، أفقنا مجددا على كابوس اسمه الغش، ربما لم تكن هذه أول سنة تبرز هذه الظاهرة بالشكل الذي برزت به، ولكنها المرة الأولى التي يثير فيه الموضوع تساؤلات كبيرة، حول المآل الذي تنحدر اٍليه فيما يظهر الأخلاقيات العامة، حيث تفضل قطاعات مجتمعية كاملة سلك الطرق السهلة عوض بذل المجهود، بالطبع لا يجب أن نبالغ، ولا أن نلقي باللائمة على العموم، اٍننا نرى خلال التهيئ لامتحانات البكالوريا أن التيار الغالب في أوساط تلامذتنا لحسن الحظ، لا ينجر أو يستبطن الغش كأسلوب عمل يعول عليه لاجتياز تلك المحطة الحاسمة في الانتقال من طور في التعليم اٍلى آخر. وهكذا نرى حركة في التحصيل غير معتادة، وتبادل زيارات الاستذكار بين المرشحين لاجتياز الامتحانات، وسهر لليالي إلى ساعات متأخرة، لازلنا نرى أيضا قلقا نقرأه في الوجوه، تدفع اٍليه تساؤلات المرشحين فيما بينهم وبين أنفسهم، حول ما اٍذا كانوا قد أنهوا فعلا دورة التحصيل والتهيئ، وهي كلها مؤشرات تدل على نزاهة أخلاقية وسلوكية، لم تطلها آفة الغش، ومع ذلك فاٍن حجم الظاهرة يدعو اٍلى القلق ودق ناقوس الخطر، خاصة اٍذا استحضرنا أن هذا السلوك بالنسبة لممارسيه، يأتي في سن ذات حساسية في تكوين شخصية المواطن، حيث يتم فيها العبور اٍلى مرتبة المسؤولية بكل ما يستتبعها من مهام واستعدادات. قد يكون حجم الاهتمام الذي أثاره الموضوع هذه السنة دليلا صحيا على سلامة وصحة الضمير الجماعي، قد يعني اٍذن نوعا من عودة الوعي، التي تجعل المجتمع غير قابل لإعطاء مشروعية لسلوكيات الغش والتدليس، وعدم الاستعداد للاعتراف اٍلا بالنجاح المستحق في المدرسة، كما في باقي المؤسسات الاقتصادية والإدارية والاجتماعية. اٍن الوقوف عند هذه الظاهرة، لا يجب أن يتوقف والحالة هذه على النطق بالإدانة، ولا يجب أن يكون مناسبة لإذكاء السجال بين القطاع الوزاري الوصي والفاعلين الآخرين، في الميدان ففي مثل هذه القضية لا يمكن أن يكون منتصر ومنهزم، رابح وخاسر،الأمر أعقد وأصعب من ذلك، ولذلك فالمطروح اليوم تنظيم نقاش واسع حول هذا الموضوع بمقاربة جديدة، تعتبر المنظومة التربوية بمثابة منظومة فرعية ضمن المنظومة المجتمعية العامة، وبالتالي نضع موضوع الغش في الامتحان، باعتباره نتيجة فرعية لسلوك الغش في مختلف المناحي الاجتماعية. اٍن الغش في الامتحانات لا يختلف في الطبيعة وفي الجوهر واٍن اختلف في الدرجة عن الغش الانتخابي، بل هو وجهه الآخر ومقدمته وبذرته. وبمعنى آخر فاٍن المطروح بالنسبة اٍلينا اليوم، أن نخرج من تلك المقاربات العقيمة في تناول موضوع الغش في الامتحانات، والتي تتكرر كل سنة من خلال تلك البرامج التلفزيونية التي يستدعى لها المختصون، وتطرح فيها أفكار وتوصيات، يتبخر مفعولها عند بداية الموسم الدراسي، ونبدأ السيل من جديد، لنفاجأ بأن نفس الأسباب تؤدي اٍلى نفس النتائج. ولتجاوز هذا، نعتبر أنه من الضروري اعتماد مقاربة تتضمن ركيزتين أساسيتين: الركيزة الأولى: تتمثل في تطوير مناهج الامتحانات ذاتها، بما لا يجعلها مجرد اختبار للذاكرة أو القدرة على الاستذكار، بل بما يجعلها اختبارا لمدى القدرة على الاستنتاج، والتركيب، والربط بين المعلومات، والقدرة على التحليل، والانتقال من المحسوس اٍلى المجردات، بحيث لا يصير هناك مجال لاستخدام ما أصبح يصطلح عليه بين التلاميذ والتلميذات «التسنطير» أو القليع»أو أسماء أخرى. أي تلك الدروس الملخصة، التي أصبحت متوفرة في مكتبات مختصة، يقبل عليها التلاميذ، وتشكل أدوات الغش الأساسية. وإذا كنا لا نسمع بظواهر الغش في العديد من الأقطار، فذلك لأنها ودعت مند مدة طويلة هذا الأسلوب العقيم والتقليدي في الامتحانات، التي تجعلها مجرد نقل على الورق الأبيض، لما انطبع بالحفظ في الذاكرة. اٍننا لا نتصور مثلا اعتماد الطلاب اليابانيين على «التسنطير». أما الركيزة الثانية: فهي أشمل في مضمونها، تتمثل في ضرورة تضمين بعض المواد في مجال الاجتماعيات مند الأقسام الأولى دروسا حول أخلاقيات النجاح بما يجعلها مرادفة لتلقين قيم الجد والمثابرة واعتبار هذه القيم لصيقة بالوطنية والمواطنة. بذلك نضمن الربط في استراتيجية محاربة الغش بين الإشكالية التعليمية والإشكالية المجتمعية. وبذلك نضمن أيضا الانخراط في مجهود المحاربة الجذرية للغش، الذي يبتدئ في أقسام الامتحانات المغلقة، وينتهي في الساحة السياسية الفسيحة، منتجا صنفا من الغشاشين يبثون ثقافة الوصول بلا مجهود أو مؤهلات.