نظمت اللجنة المحلية للتتبع والتنسيق يومي الأربعاء والخميس ما قبل الأخيرين، ندوة بفاس حول « معالجة البناء المهدد بالسقوط داخل مدينة العتيقة ومنطقة فاس الجديد « في إطار المقاربة التشاركية التي يتبناها المسؤولون من أجل مواجهة هذه الإشكالية المتشعبة، وإيجاد حلول عملية لها. وتروم هذه الندوة التي عرفت مناقشة إشكالية البناء المهدد بالانهيار مع جميع الشركاء، من مؤسسات وخبراء ومهندسين ومهتمين ومجتمع مدني، بهدف الخروج بتصورات موحدة حول مختلف القضايا التي تطرحها إشكالية البناء المهدد بالانهيار سواء من حيث تحديد الأولويات، أو من حيث ضبط وتحديد مراحل الإنجاز. كما يهدف هذا الملتقى إلى اعتماد مقاربة تشاركية في تنفيذ مقتضيات الاتفاقية الخاصة بمعالجة إشكالية البناءات المهددة بالانهيار بالمدينة القديمة لفاس ،التي تم التوقيع عليها خلال شهر مارس الماضي بفاس والتي تعتمد برنامجا عمليا يستهدف الحفاظ على النسيج العتيق، وتأهيله مع تجنب الخسائر البشرية. وقد أكد محمد الدردوري والي جهة فاس بولمان، عامل عمالة فاس ورئيس اللجنة المحلية للتتبع والتنسيق، على أن هذا اللقاء، الذي ستعقبه لقاءات أخرى بمشاركة ممثلي المجتمع المدني والجمعيات والمنظمات المهتمة وكذا المنتخبين والسكان من أجل بلورة منظور عملي وقابل للتنفيذ للتصدي لهذه الظاهرة وحصرها وإيجاد حلول عملية لكل الإشكالات التي تطرحها، الغرض منه هو توسيع دائرة الحوار والنقاش مع جميع المعنيين والمتدخلين حتى تكون هناك مقترحات عملية حول هذه الإشكالية وطرق معالجتها ، والمراحل التي يجب اعتمادها في التنفيذ. وبلغة الأرقام تحدث فؤاد السرغيني المدير العام لوكالة التنمية ورد الاعتبار لفاس عن البنايات المهددة بالانهيار بالمدينة العتيقة لفاس، والتي يتجاوز عددها 3000 بناية منها 1720 بناية، بلغت درجة كبيرة من التدهور مما يفرض تدخلا استعجاليا لوقف هذا النزيف واعتماد مقاربة عملية لوضع حد لهذه الإشكالية، مشيرا إلى التعقيدات التي تعرفها عملية المعالجة والتي تتوزع ما بين الجوانب القانونية والمعمارية والاجتماعية وحتى الاقتصادية، مستعرضا أهم العمليات التي تم تنفيذها خلال السنوات القليلة الماضية بالمدينة القديمة والتي تم بعضها بمساهمة السكان القاطنين، وبدعم من طرف العديد من الجهات، التي حققت مجموعة من المكتسبات منها تأمين نسبي للساكنة والفضاءات العمومية إلى جانب اكتساب الخبرة والتجربة من العمل الميداني، فضلا عن الانخراط التدريجي والتصاعدي للمجتمع المدني مع تحفيز دينامية الإصلاح وسط الساكنة وغيرها. وقد شارك في إغناء الموضوع عدد من خبراء وتقنيي وكالة التنمية ورد الاعتبار لفاس، حيث همت المداخلات والعروض الجانب القانوني والمسطري للتدخل في البناء المهدد بالسقوط وكذا الجوانب التقنية في هذا التدخل. وهذا، وقد أجمع المشاركون على أنه إذا كان مشروع رد الاعتبار لفاس يشمل العديد من المكونات والمحاور كالمآثر التاريخية والمعالم الحضارية والبنيات التحتية والمسارات السياحية وغيرها، فإن أهم محور ضمن هذه المكونات يبقى هو البناء المهدد بالانهيار الذي هو « مشكل أساسي وعويص يحظى بالأولوية ويحتاج إلى مقاربة مندمجة للتعاطي معه. فظاهرة البنايات المهددة بالانهيار بالمدينة القديمة تكشف بالملموس، يؤكد أحد المتدخلين، عن عمق الإشكالية الحقيقية للنسيج العتيق والصعوبات التي تعترض كيفية التعاطي معه على اعتبار أن هذا النسيج ليس مجرد ملجأ لشريحة من السكان اتخذته سكنا لها، ولكنه واقع اجتماعي واقتصادي قائم يحتاج إلى تصورات جديدة ومبتكرة لمعالجته. فالحاضرة الإدريسية حسب رأي المهتمين، ليست فقط ذلك الماضي البعيد بمعالمها التاريخية والأثرية، بل هي حاضر وواقع اقتصادي واجتماعي يشمل أيضا السكان والمعالم والبنايات وورشات الصناعة التقليدية وغيرها مما يفرض وضع مقاربة شمولية تهم مختلف الجوانب المتعلقة بالتنمية الحضرية لمدينة تاريخية في حجم هذه المدينة. للإشارة فإن الانهيارات، التي تشهدها المنازل القديمة في فاس وباقي المدن العتيقة، تعزى، إلى جانب عامل التقادم وغياب الهياكل الداعمة وضعف الجودة وغياب الصيانة، لعدد من العوامل ذات الطبيعة الاجتماعية واقتصادية من قبيل تقسيم الملكية بين سكان ومستأجري أو مالكي هذه المنازل وبالتالي ظهور تصدعات وتشققات في جدران البنايات، مما يترتب عنه عدم تحمل أي طرف مسؤولية الصيانة ،فضلا عن الكثافة السكانية المرتفعة وما تشهده بعض المنازل من تكدس للأسر في منزل واحد. كما تنضاف إلى ذلك عوامل الطقس التي تؤدي إلى تآكل الجدران بسبب الرطوبة وتهاطل الأمطار. كما أن البنايات الآيلة للانهيار بمدينة فاس العتيقة توجد في وضعية سيئة، وذلك بسبب عوامل متشابكة لها علاقة بالوضعية العمرانية للمدينة العتيقة، حيث أن جزءا مهما من بين 4000 بناية يعتبر من البنايات التي تحتاج إلى الصيانة، بينما يشكل عدد كبير من الدور المهدمة في الأصل دورا انهارت منذ فترة طويلة، جزءا من نسيج عمراني تاريخي ظل يوجد منذ عشرات السنين علما بأن أغلب المباني في مدينة فاس العتيقة ،?التي يبلغ تعداد ساكنتها أكثر من 160 ألف نسمة، يعود تاريخها إلى أزيد من 12 قرنا. ويعتمد برنامج ترميم وإعادة تأهيل المآثر التاريخية، وبرنامج معالجة السكن المهدد بالانهيار بالمدينة العتيقة لفاس على استراتيجية شاملة للتنمية المحلية تستحضر مختلف المجالات السوسيو- اقتصادية والثقافية والعمرانية، وذلك وفق تصور يراعي الأولوية في تلبية الاحتياجات الحقيقية للسكان وتوعيتهم بالانخراط في مسلسل تنمية مدينتهم وترشيد استغلال الموارد المحلية المتوفرة، انطلاقا من جعل التشارك أحسن وسيلة لتحقيق الأهداف المنشودة. واعتبارا للخطر الداهم الذي أضحى يتهدد أرواح مواطنين أبرياء بسبب البنايات الآيلة للسقوط، وللانتصار للمقاربة التشاركية، طالب الكاتب العام لولاية فاس بوضع بطاقة تقنية لكل منزل مهدد بالانهيار تضم صورة للبناية ومساحتها وقاطنيها وعلاقتهم بالسكن موضوع البحث(مالكين أو مكترين)، وحالتهم الاجتماعية، لعل هذه الاستمارة تجيب عن أسئلة الفريق التقني للخروج بخلاصات يسعى من خلالها المسؤولون تطويق الملف نهائيا.