في إطار أنشطتها الثقافية نظمت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بجهة فاس بولمان ندوة في موضوع دور الإعلام في حماية قرصنة الملكية الفكرية وذلك يوم الاثنين 27 مايو 2013 بمقر غرفة الصناعة والتجارة والخدمات ألقاها الباحث المتخصص في الملكية الفكرية والصناعية امحمد برادة غزيول المدير العام لديوانRB2 حضرها ممثلو وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية وبعض فعاليات المجتمع المدني والهيئات المهتمة بالمجال السمعي البصري. وفي بداية هذا اللقاء ألقى إدريس العادل كلمة أشار فيها إلى أهمية الموضوع والظرفية الاقتصادية التي يجتازها العالم والاكراهات التي تواجهها مختلف دول العالم من كثرة القرصنة والاعتداء على الملكية الفكرية كما شكر رئس غرفة الصناعة والتجارة والخدمات على مساعدة فرع نقابة الصحافة الوطنية لجهة فاس بولمان. ثم تناول بعد ذلك الكاتب العام لفرع النقابة الوطنية للصحافة المغربية بجهة فاس بولمان محمد بوهلال الذي عرف بالملكية الفكرية من خلال مفهومها الشمولي وتقسيماتها، مبرزا أهمية الموضوع بالنظر لانعكاساته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وما يطرحه من التزامات على عاتق رجال الإعلام من ضرورة توعية المواطن وفضح كل اعتداء يطال الملكية الفكرية أو الإبداع بصفة عامة، ثم عرف بالمحاضر وبمكانته العلمية وتخصصه في هذا المجال وعطاءاته التي تتجلى في 14 مؤلفا صادرة له بالإضافة إلى حضوره المتميز في الساحة الثقافية من خلال العديد من المقالات التي نشرت له أو المحاضرات والندوات والموائد المستديرة التي شارك فيها داخل الوطن وخارجه. وقد عرف امحمد برادة غزيول بالدور الذي تطلع به وسائل الإعلام بمختلف أطيافها في توعية المواطنين بمختلف الجوانب المرتبطة بالمعرفة الإنسانية واحترام الحق الفكري، مؤكدا بأن هذا الحق يعتبر مؤشرا حضاريا لأي أمة، والذي أولاه أجدادنا أهمية خاصة، حيث كانوا يرفضون أن تنسب الفكرة لغير مبدعها، مهما غير المقلد في الشكل، أو بدل وغير في الأسلوب ومن اجل ذلك فقد وضعوا موازين النقد الأدبي، ونصبو الأقواس لمحاكمة المقلدين، مضيفا بأن ظاهرة استباحة حقوق الملكية الفكرية انتشرت في جل المجتمعات، مع تفاوت في النسب من دولة لأخرى، وساهمت بشكل كبير في تشجيع القرصنة، وقتل روح الإيداع وهي تهدد مستقبل الأمة، ولذلك فإن احترام حقوق الملكية الفكرية قد أصبح اتجاها عالميا، ومطلبا حضاريا لا تقوم ثقافة ولا ينمو إبداع من دونه، ومن هنا تبدو أهمية الوعي بهذا الجانب الهام من المعرفة، وضرورة مساهمة وسائل الإعلام في التوعية بهذا الجانب، الذي ظل مغيبا في مجتمعنا، ولا تدخل في دائرة وعيه واهتمامه، حتى إنه يخترقها من دون شعور بالذنب، أو إحساس بخطر يهدد مستقبله الثقافي. وطبيعي أن قيام وسائل الإعلام بالتوعية بأهمية هذا الموضوع، يقول برادة، تتطلب في من يقوم بهذه المهمة، استعمال أساليب مبتكرة تتجاوز المحاضرات، والندوات، والتلقين الوعظي المباشر، إلى البرامج الحية والتفاعلية المشوقة، وهو ما يفرض في الصحفي أن يكون متوفرا على كفاءة، وتخصص، وتطور، وأن يكون متقنا لعملية التوجيه، التي تعد أهم خطوة يمكن القيام بها، من أجل تشخيص هذه الظاهرة، وطرحها بفعالية للتداول في أسواق الثقافة والفكر، بأساليب متنوعة على شكل مقابلات صحفية، واستطلاع الرأي، والزيارات الميدانية لتغطية هذا الموضوع، مشددا على أن حرية الصحافة والإعلام بصفة عامة، لا تعني فقط حرية الصحفي في التغطية الإعلامية والتعليق، بل تعني أيضا حق الجمهور في الحصول على المعلومات والمعارف، وفقا للأسس المهنية والأخلاقية، لأن الحق الفكري يمثل حق الإنسان في استثمار إبداعه، الذي هو ثمرة عمله الفكري والتي تنص عليها بنود مواثيق الشرف الإعلامي، التي تحدد القيم الإنسانية لحرية العمل الصحفي، ونقل الواقع بكل أمانة. كما أشار المحاضر إلى أن أهمية التوعية والإرشاد والتوجيه الإعلامي، يضع على عاتق وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة، تتجلى في رصد وفضح الاعتداءات التي تطال الفكر والإبداع، خصوصا ونحن نعلم جميعا ما تنفرد به هذه الوسائل من تأثير في الجمهور، لأنها بذلك تخوض حربا أدواته الحرف والكلمة والقلم تخاطب من خلالها أفراد المجتمع كافة، مجتمعين أو أفرادا، لما لها من قدرة على التأثير في توعية المواطنين، موضحا أن أهمية الصحافة تكمن في تثقيف المواطن، وتوعيته بأهمية أغلى ما يملكه الإنسان وهو الإبداع الفكري، والآثار التي تنتج عن الاعتداء على هذا الحق، ومع ذلك يقول المحاضر تبقى مسألة حماية الملكية الفكرية، مسألة أخلاقية، لا يمكن لأكثر القوانين تشددا أن تفرضها على مجتمع لا يؤمن بها. واستعرض المحاضر في هذا الإطار ما يتم نشره عبر وسائل الإعلام المكتوبة، والمرئية، والمسموعة من إحصائيات تتعلق بحجم القرصنة والذي يعتبر أكبر دليل على خطورة هذه الظاهرة، التي تخرب المجتمعات وتثبط عزائم المبدعين، فهناك أرقاما مهولة، يقول المتحدث، يتم نشرها في كل سنة من طرف المنظمات والهيئات المتتبعة لعملية القرصنة عبر العالم، والتي تصنف الدول من حيث نسبة القرصنة بها من خلال النتائج التي تتوصل إليها تلك الجهات السالفة الذكر، مع وضع مؤشر سنوي للنسبة التي ينبغي أن لا تتعداها الدول، وأشار إلى الدراسة التي قامت بها غرفة التجارة الدولية لسنة 2011 في مجال حقوق الملكية الفكرية، والتي تبين أن 2.5 مليون وظيفة في العالم تتعرض للزوال في كل سنة نتيجة عمليات القرصنة، وأكدت نفس الدراسة أن حجم الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عالميا عن قضايا التزوير والقرصنة ستصل إلى نحو 1.7 تريليون دولار بحلول سنة 2015 . كما أشار من جهة أخرى إلى الدراسة التي أجراها اتحاد منتجي برامج الكمبيوتر التجارية والتي انتهت في تحليلها إلى أن العمل على تخفيض معدل القرصنة في جميع أنحاء العالم بنسبة %10 في غضون أربع سنوات من شأنه أن يخلق 142 مليار دولار داخل أنشطة اقتصادية جديدة،إلى جانب خلق نصف مليون وظيفة جديدة حول العالم. وبالنسبة للمغرب، استعرض المحاضر ما انتهت إليه الدراسة التي أجراها المركز العربي للدراسات والأبحاث من أن المغرب يوجد على رأس الدول التي تسري فيها عمليات القرصنة الفكرية والفنية والأدبية وتكبد الاقتصاد الأجنبي والاستثمار الخارجي خسائر مادية كبيرة، وتنشط السرقات التقنية بشكل ملفت للانتباه في المغرب إذ يوجد ما بين 400 و 600 ألف قرص مدمج منسوخ بطريقة غير قانونية يوزع في المغرب أسبوعيا. وأكد المحاضر امحمد برادة غزيول، أن من تداعيات القرصنة على بلادنا أنها تكلف المغرب خسائر مالية تزيد عن ملياري درهم سنويا، ونقصا في العائدات الضريبية والرسوم الجمركية التي تضيع فيها خزينة الدولة بما قدره 156 مليون درهم عن الضرائب المستحقة فعلا بفعل قرصنة التسجيلات الموسيقية وحدها، مبرزا من جهة أخرى أن هذه الأرقام تعكس خطورة الاعتداء على الملكية الفكرية التي تحظى بأهمية خاصة على المستوى الوطني والدولي رغم الدور الهام الذي تلعبه في التنمية وتعزيز الحق الفكري والإبداعي لدى الإنسان وتشجيعه على الخلق والإبداع والابتكار والمنافسة الشريفة. ومن هنا يقول المحاضر تبدو أهمية وسائل الإعلام في الدور،الذي ينبغي أن تطلع به في التعريف بحماية العمل الفكري بصفة عامة، وشرحها، وتفسيرها، وتوعيتها، وتثقيفها للمواطن الذي ينبغي أن يتشبع بثقافة حماية حقوق الملكية الفكرية، ويستوعب بأن حماية ما ذكر يعتبر عملا مساندا للتنمية، وسببا مهما في خلق مواطن الشغل. خصوصا وأن دستور المملكة المغربية، كرس هذه الحماية عندما اعترف بالحقوق الفكرية والأدبية في مفهومها الشمولي، وجاء ذلك صريحا من خلال دسترة هذه الحقوق، والذي يعد مكسبا مهما لأصحاب الفكر والإبداع، حيث جاء في المادة 25 من هذا الدستور بأن «حرية الإبداع والنشر والعرض في مجالات الأدب والفن والبحث العلمي والتقني مضمونة». كما وردت مجموعة من النصوص القانونية ببلادنا، والتي تحمي حقوق الملكية الفكرية والإبداع الفكري بصفة عامة، وصادق المغرب على مجموعة كبيرة من الاتفاقيات، التي تهتم بحماية الملكية الفكرية في مفهومها الشمولي، أي الملكية الصناعية والتجارية، وحقوق المؤلف والحقوق المجاورة لها.