أخيرا بعد ثلاث وعشرين سنة من الرحيل تمَّ طبع الأعمال الكاملة للشاعر عبد الله راجع . صدرت في ثلاثة كتب : الرسالة الجامعية في جزئين ، وهي التي نال بها دبلوم الدراسات العليا ،وتحمل عنوان»القصيدة المغربية المعاصرة: بنية الشهادة والاستشهاد «الكتاب الثالث ضم بين دفتيه خمسة دواوين هي : «الهجرة إلى المدن السفلى»، و»سلاما وليشربوا البحار»، و»أياد كانت تسرق القمر» ، و» وردة المتاريس» ، و» أصوات بلون الخطى». صدرت في 489 ص هذه الأعمال الشعرية بعد طول انتظار عن منشورات وزارة الثقافة ، مطبعة المناهل . صمم الغلاف الفنان والناقد التشكيلي شفيق الزكاري . «الرجوع الشعري الكامل لعبد الله راجع» هو عنوان المقدمة التي كتبها وزيرالثقافة محمد الأمين الصبيحي . يؤكد السيد الوزيرأن نشرالوزارة لهذه الأعمال هو» استجابة لحيوية ورسوخ الاسم المتميز لعبد الله راجع في خريطة الشعر المغربي والعربي ، كما تدل على ذلك الأطاريح والدراسات العديدة التي انصبت ولا تزال على دواوينه ونصوصه «. كما أن هذه الأعمال جاءت لكي تستجيب « لمطلب ثقافي يخص الباحثين والدارسين والقراء والشعراء معا، من حيث تقديمه للتضاريس المكتملة لجغرافية عبد الله راجع الإبداعية « أخيرا في هذا التقديم تمَّ التنويه بأرملة المرحوم السيدة فاطمة شاهي لأنها صانت وحافظت على تراث زوجها . تمَّ التنويه أيضا بالشاعر والباحث صلاح بوسريف لما بدله من جهد من أجل أن هذه الأعمال . لاشك أن عبد الله توصل ببريد ما يفيد أن رجوعه الشعري الكامل قد تمَّ بالفعل . لا شك أيضا أنه بعث من هناك البعيد ما يفيد رضاه التام ، مع ما يكفي من الشكر والامتنان . هذه الاستعادة للشاعر بلا شك ستجعل النقد يشتغل مجددا على هذه التجربة الغنية في حقلنا الشعري المغربي والعربي. بإمكان النقاد بعد أن اكتمل المتن أن يعودوا لمسار الشاعر كي يخرجوا باستنتاجات إضافية تجعل هذا المبدع الخلاق في المكانة التي تليق به . كأني به مات ميتتين : واحدة بالشاهدة المنتصبة على رأسه ، وأخرى بشاهدة التغييب لمدة تزيد على عقدين من الزمن ؛ إذ حتى دواوينه المشورة قيد حياته لم يُعَد طبعها ، وبالتالي غاب الاسم عن الأذهان خاصة بين الأجيال الجديدة من الشعراء والكتاب . يسمعون عنه فقط ، وإن قرؤوا له فبعض القصائد هنا وهناك ، أو في هذا الكتاب المدرسي أو ذاك. والشاعر لكي نتمثله بما يكفي لا بد من الإحاطة بمنجزه الشعري ، كي نتعقب خطاه على درب القصيدة ، وهو يؤسس لعالمه الشعري . هذا لم يتحقق مع عبد الله بسبب الغبن الذي لحق به ، فحتى النقاد سكتوا ، ليس تقصيرا منهم ، بل إيمانا بأن الحكم الموضوعي لا بد أن يستوفي شرطه الأساس ، والمتمثل في طبع الأعمال الكاملة . كانوا بدورهم يتوجسون ويتطلعون إلى الإفراج عن الديوانين الأخيرين لتكتمل صورة الشاعر من مبتداها إلى منتهاها . إن عبد الله راجع علامة في المشهد الشعري المغربي في حقبة السبعينيات . استطاع مع ثلة من الشعراء أن يمدوا القصيدة بدماء جديدة ، واستكمال المشروع الحداثي الذي دشنه الآباء : مصطفى المعداوي وأحمد المجاطي ومحمد الخمار الكنوني وعبد الكريم الطبال وبنسالم الدمناتي وأحمد صبري ومحمد حبيب الفرقاني ومحمد علي الهواري وغيرهم من الشعراء الذين أخذوا على عاتقهم تحرير الشعر المغربي من التقليد قلبا وقالبا ، وقد تزامن ذلك مع الرغبة في استشراف آفاق مستقبل أكثر رحابة بعد التحرر من الاستعمار . الحقبة الزمنية التي انتسب إليها راجع السبعينيات عرفت زخما على مستوى الإبداعي إذ ظهرت عدة مجموعات شعرية أغنت المشهد الشعري المغربي . قبلهم كانت المجموعات الشعرية تعد على الأصابع . المسألة الثانية هي أن هؤلاء الشعراء بقاماتهم الشامخة في سماء الشعر انفتحوا على تجارب شعرية عالمية عكس بعض شعراء الستينيات الذين اكتفوا بالرافد الشرقي. ما يجمعهم أيضا هو أنهم ينتمون إلى اليسار انخراطا أو تعاطفا ، كما أنهم لا ينشرون إلا في المنابر التي تليق بمنجزهم الشعري. جيل عبد الله بمثابة قنطرة بين الذي كان مع آباء القصيدة المغربية المعاصرة في نهاية الخمسينيات ومطلع الستينيات ،والذي صار مع أجيال من الشعراء في الثمانينيات والتسعينيات والعقد الأول من الألفية الثالثة . إن إصدار الأعمال الكاملة للشاعر عبد الله راجع يعتبر أهم حدث ثقافي لهذه السنة ، وذلك لاعتبارات كثيرة يضيق المجال لذكرها.