في سياق تفعيل مقررات المؤتمر التاسع للحزب، وانسجاما مع الأرضية التعاقدية للكاتب الأول للحزب و التي نالت ثقة المناضلين والمناضلات ووضعت النقط على الحروف في كثير من المواضيع التي كانت خلافية أو عالقة ولم يحسم فيها النقاش داخل المقررات الاقتصادية والسياسية بالأساس والتي صادقت عليهم اللجنة التحضيرية، المجلس الوطني وبعد ذلك المؤتمر، يأتي التحضير لعقد المؤتمر الثامن للشبيبة الاتحادية بما يحمل من دلالات ومعاني ستضع الحزب أمام محك حقيقي واختبار لما يؤسسه له من رؤية للمستقبل تجيب عن الأسئلة الآنية التي يطرحها الشباب المغربي بصفة عامة والشباب الحزبي بصفة خاصة والشبيبة الاتحادية بشكل أكثر تفصيلا وتدقيقا لما يحمل الإسم من حمولة تنظيمية توضح الفرق بين الشباب المتواجد داخل الحزب والذي يعمل من أجل تجديد النخب واتساع دائرة التشبيب على المستوى الأفقي والعمودي وفق ما تسمح به الخريطة التنظيمية، وواقع التقسيم الترابي هذا من جهة، ومن جهة ثانية بين الشبيبة الاتحادية كقطاع حزبي يخضع لنظام داخلي خاص به وله علاقة تنظيمية وسياسية واضحة تربطه بالحزب. إن الخوض في التفاصيل والتصورات المستقبلية للبنية التنظيمية للشبيبة الاتحادية والبحث في مدى استجابتها لحاجيات الشباب وطموحاته وتسهيل عملية استقطابه وتكوينه والرفع من نسبة الرضا لديه، لا يمكن لها أن تطرح وتكون أكثر فعالية إلا باستحضار مشروعنا المجتمعي كاشتراكيين ديمقراطيين نعمل على فرض الاستثمار الاجتماعي ووضع الانسان ورفاهيته والنضال من أجل تحسين شروط عيشه في صلب اهتمامنا وذلك من خلال الدفع بالدولة التي لها دور استراتيجي في السماح للمواطنين والمواطنات بولوج الخدمات الاجتماعية، للقيام بمهام أساسية في تعبئة التمويلات الضرورية لسن سياسة اجتماعية طموحة لضمان الحد الأدنى من التماسك الاجتماعي والذي يفرض بالأساس إعادة توزيع عادل للثروات لتحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية. كما لا يمكن لها أن تتم من دون العمل على توحيد كل القوى الديمقراطية والحقوقية والحداثية والتقدمية في قطب له امتداد اجتماعي ومؤسساتي قادر على الوقوف في وجه القوى المحافظة والرجعية ومشروعنا المجتمعي لكي يكون مسموعا وقابلا للتصريف، حسب ما جاء في أرضية الكاتب الأول ،»لابد من وحدة الموقف داخليا و خارجيا، وهو ما يتطلب منا طي صفحة السجالات المتنافرة وصراع الأنانيات، ونبذ أساليب الإقصاء». فالمؤتمر الثامن للشبيبة الاتحادية نهئ له في سياق إقليمي ووطني يعيش حالة من الاستنفار, اجتياح موضة المد الأصولي والتيارات الدينية المسيسة، والتي استغلت ما سمي بالربيع العربي لتقفز للسلطة على ظهر المواطنين والمواطنات وبالأساس الشباب الذي رفع شعار حرية كرامة وعدالة اجتماعية للانعتاق من الظلم والتسلط والجهل و التفقير والتعتيم الذي يتخبط بها معظم شباب المنطقة العربية/الأمازيغية بتفاوت في الدرجة والحجم. ويكفي الوقوف على درجة الانحراف التي أصبح يعيشها مغرب ما بعد دستور 2011 والذي كان من المفروض أن يحدث قطائع متعددة على مستوى بنية الدولة وعلى مستوى السلوك والممارسات ودور المؤسسات والفصل بين السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة وتعدد المقاربات المرتبطة بالتحليل و بالتدخل في تدبير الشأن العام، غير أن الحكومة الملتحية تعمل جاهدة على ضرب المكتسبات التي حققها المغرب المدافع عن دولة الحق والقانون والديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية، وهو ما تعاطى معه المكتب السياسي بنوع من الصرامة في بلاغ 18 مارس 2013 والذي دعا فيه إلى ترك إطارات الحوار التي هيكلتها الحكومة -التي تنفرد بالقرارات المنتصرة للفكر الواحد، و تشتغل بعقلية ضبابية تفتقر إلى المنهجية والحكامة والمسؤولية-، والتوجه نحو المجتمع لفتح نقاش منتج وهادف، وهو ما يفرض على الشبيبة الاتحادية أن تكون في طليعة القوى الديمقراطية والحداثية والتقدمية لاتخاذ موقف موحد من هذا الانحراف الذي يمس كافة المؤسسات في البلاد لحماية المسار الديمقراطي المتوج بدستور 2011. إن استحضارنا لوضع الحزب المتواجد في المعارضة ووضوح هويتنا ومواقفنا أكثر من أي وقت مضى، يدفعنا للتفكير في تصور تنظيمي يجعل الشبيبة الاتحادية في صلب معركة صون المكتسبات أولا وتحديث المجتمع ثانيا لإعلاء صوت العقل والانتصار لقيم الديمقراطية وحقوق الانسان كما هي متعارف عليها عالميا، ووفق رؤيتنا الحزبية المستبصرة الشاملة لوضعنا كحزب وكمجتمع يمكن صياغة الإجابات الحقيقية التي يطرح إشكاليتها الشباب المغربي، كضعف المشاركة السياسية والتطرف العقائدي وسوء الإدماج الاجتماعي والبطالة واكتساح المد الأصولي والرجعي للمؤسسات التعليمية والجامعية.... لقد أثبتت التجربة وما عرفه العالم العربي/ الأمازيغي اليوم من حركات اجتماعية احتجاجية دور التنظيمات السياسية وبالأخص الشبابية منها في قيادة هذه الاحتجاجات التي طالبت بالكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية والدولة المدنية وكيف أن الشباب غير المسيس، والذي لم يتمرس على العمل النضالي والتنظيمي هم من راح ضحيتها الأولى، وفي المقابل استغلت جماعات الاسلام السياسي قوة تنظيمها ميدانيا في مقابل ضعف اليسار والقوى الديمقراطية والحداثية، لقيادة هذه الحركات الاحتجاجية، معتمدة على خطاب ماضوي يدغدغ العواطف ويعتمد في مجمله على النقلي وليس العقلي، لتمرير سياسات لاشعبية ولا ديمقراطية. لقد طرح الشباب المشارك في اللقاءات التواصلية المنظمة من طرف المكتب الوطني الكثير من الأسئلة المرتبطة بدور الشبيبة الاتحادية، علاقاتها التنظيمية، برامجها المستقبلية، بنيتها التنظيمية، دور الشباب المتواجد في البرلمان في طرح القضايا المرتبطة بهموم الشباب وانشغالاتهم، القيمة الإضافية التي يقدمها الشباب الذي يمثل الشبيبة الاتحادية في اللجنة الإدارية والأجهزة التنفيذية على مستوى الإقليمي والجهوي، وبشكل أكثر حدة طرح السؤال حول كيف نريد أن يكون المؤتمر الثامن للشبيبة الاتحادية؟ ويمكن القول أن المؤتمر الذي نريد أكيد أنه ليس استثنائيا وليس عاديا، ولكن نريد مؤتمرا نوعيا بصيغ استثنائية، إن على مستوى طريقة التحضير أو على مستوى عدد المؤتمرين وكيفية انتدابهم، وكذا وهذا هو الأهم بعد الاستيعاب الجيد لهويتنا ومشروعنا المجتمعي، تصور تنظيمي للمستقبل يراعى فيه ابتكار أساليب تنظيمية جديدة تحشد الطاقات الشابة مستفيدة من التطور التكنولوجي وبالأخص التوظيف الجيد والفعال للشبكة العنكبوتية وللمواقع الاجتماعية لتسهيل صياغة القرار وتعميمه قبل اجرأته على أرض الواقع، لصد ومواجهة القوى المحافظة والرجعية، هذه القوى التي تستغل وسائل حديثة لتمرير افكار نمطية ورجعية ضد قيم العقل والحرية والمساواة، كما أنها ورغم استفادتها من هامش الديمقراطية، إلا أنها تعمل جاهدة لتخوين وتجريم قوى المعارضة وتحاول جاهدة إقصاءها وعدم الأخذ بالرأي المخالف لها ولا حتى احترامه، وهي بذلك تضرب في العمق قيم الديمقراطية الذي أسسنا له، و تزايد علينا بأنها نتاج صناديق الاقتراع وأن الشعب هو الوحيد الكفيل بمحاسبتها، وتراهن على الخطاب الأخلاقي لتشييج الشارع وهي واثقة بشكل قطعي أن التدافع المجتمعي سيكون لصالحها، وتتناسى أن نسبة التأطير السياسي ضعيفة جدا وبالأخص لدى الشباب، وأن بممارستها هذه، تعمل على إبعاد الناس من العمل السياسي ومن متابعة الشأن العام، وتدفع الشباب بالأخص إلى التطرف بمختلف أنواعه،وتقامر من خلال تعنتها وتجبرها باستقرار المغرب،وتماسكه المجتمعي. إننا ونحن في الطريق إلى المؤتمر الثامن وجب علينا كمكتب وطني، وكلجنة تحضيرية، إيصال الرسالة بأمانة وهي رسالة جيل لجيل، فلا يمكن أن تحسب ضدنا أننا أخطأنا موعدنا مع التاريخ، فمدرسة الشبيبة الاتحادية يجب أن تبقى قائمة قوية وإن تطورت وتجددت على مستوى البنية والشكل والعلاقات المؤسسة لها، إلا أنها مدرسة للتربية على العمل السياسي الحقيقي وليس التكنوقراطي، ومؤسسة للتنشئة النضالية والتربية على الديمقراطية والتقدمية والحرية والمساواة خصصت لتكوين وتأطير ومواكبة شباب الفئات الشعبية، ورغم ضعف إشعاعها لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية، إلا أن أملنا في القيادة الحزبية الحالية كبير لإرجاع الأمور لنصابها ودعم المدرسة / الجامعة بما يعيد لها بريقها وإشعاعها وفعاليتها. (*) عضو المكتب الوطني للشبيبة الاتحادية