استبشرنا خيرا بوثيقة دستور 2011، الذي رفع الحيف عن نسائنا في المساواة بين المرأة والرجل كمبدأ مؤسس لدولة الحق والقانون، وفي اتجاه تعزيز هذه حقوق في الحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، والتزام الدولة بذلك. والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح: لماذا غيب موضوع المساواة والمناصفة في الغرفتين في زمن ليس بالهين والذي ظل فيه البرلمان بغرفتيه ينتظر القوانين المصاحبة؟ فكان المشروع الوحيد الذي سرعت به الإدارة التشريعية لبنكيران هو مشروع الوظائف السامية كما ظل الحديث عن المخطط التشريعي مجرد تهريب خطاطات الى الصحافة، وهي خطاطات لم نجدها على طاولة الفرق النيابية. وصاحب ذلك نوع من توهيم الرأي العام بأن الحكومة محاصرة في تنزيل الدستور من طرف قوى خفية وهي العفاريت والتماسيح التي وزعها الحزب الأغلبي في فضاءات المؤسسة التشريعية، كما في مواقعه الالكترونية وصحفه المنضبطة جدا لنشر الثقافة النابعة من «الخريف والتخريف العربي» في فضاءات التدبير والتسيير لدوائر الدولة المغربية. إن الحديث عن كون وضع النساء في المغرب قد تقدم بعد الاصلاحات الدستورية ،هو حديث خاطئ لأن التقدم حصل على مستوى الدستور، لكن وقع تراجع وتخلف على مستوى التطبيق، وحرصت الأغلبية الحكومية تحت قيادة المحافظين على أن تأتي بقانون داخلي لا يفعل حتى الاصلاحات التي جاءت في الدستور. وليس سرا أن باسم الاغلبية اليوم هناك تراجع ونكوص في ما يتعلق بالإصلاحات الدستورية ككل، في الوقت الذي كان من الممكن أن تجعل الأغلبية الحكومية تحت قيادة الرئاسة الملتحية ،المغاربة أمام مؤسسة تشريعية يجري فيها حوار حقيقي وتكون صدى لما يجري في المجتمع، عوض أن تحتفل نساء المغرب اليوم وهن يطالبن بحق أعطاه لهن الدستور ومنعته الأغلبية الحكومية تحت قيادة الحزب الأغلبي الذي لا يترك رئيسه مناسبة دون أن يحتقر النساء عوض أن يطمئنهن على أن الاصلاحات الدستورية أنهت العلاقة مع الزمن الذي ولى . ومن هذا المنطلق نطرح السؤال الذي بالفعل يؤرق كل مدافع عن المغرب الذي نريده في مشروعنا الديمقراطي الحداثي ، فهل نريد مغربا منسجما مع ذاته، أم مغربا يعود بنا الى القرون الغابرة، وهو نفس المغرب الحداثي الذي توج في حراكنا بدستور شاءت رياح الشرق المتخلف وروائح « العود» الوهابي الخليجي المحافظ أن تغلب فيه كفة انصار التقليد والدوائر الإخوانية التي أخافت حتى محركيها في مراكز القرار الدولي حيت بدأ الحساب يعاد في دول « الربيع الدموي». لابد من الإقرار والاعتراف بأن الإعمال بالدستور يقتضي إحداث القوانين التنظيمية المصاحبة، وذلك رهين بيد التيار القوي المنتشي حد تكرار مفهوم « الربيع العربي» من طرف رئيس الحكومة ووزرائه في الحزب الأغلبي في كل الجلسات الدستورية الشهرية والأسبوعية، إلى درجة أننا أحصينا الزمن البرلماني في عمر الحكومة «التقليدانية « فوجدنا كلمات «الربيع « تضيع زمن التشريع لصالح الزمن الانتخابي الضيق، وهو الزمن الذي يستغفل البعض من شعبنا الباحث عن الاستقرار والمتسامح حد غض الطرف عن المآسي التي أصبح فيها الوضع الاجتماعي والاقتصادي في بلادنا يتميز بتفاوت مجحف بين مختلف فئات الشعب المغربي، وتراجع للطبقات المتوسطة وتدني معيش الأجراء والعاطلين والفئات المعدمة والمحرومة، بينما فئة محدودة من الأثرياء والمحظوظين تعيش البذخ الفاحش تحت حماية الأغلبية العددية التي رفضت مشروعا تقدم به الفريق الاشتراكي في الضريبة على الثروة. وإن يقر الملاحظون والملاحظات من نسائنا بضعف التيار الحداثي المدافع التاريخي عن قضايا المرأة والمعترف بحقوقها، فهو ضعف لا ننكره وعوامله شتى ومختلفة متعلقة بالشأن الداخلي الحزبي والمدني وفيه أخطاء كثيرة وكبيرة ، لكن ينبغي ألا ننسى أن هذا التيار هو الذي أتى بلحظة تاريخية طال انتظارها وهي لحظة وضع الدستور والمصادقة عليه من طرف المغاربة، دستور كنا أول المطالبين بإصلاحاته في المذكرة التي رفعناها الى الملك، وهي مذكرة لم نشأ الانفراد فيها لكن شركاءنا في الكتلة فرضوا علينا ذلك عندما استشرنا في رفعها بالتشارك الذي يدخل ضمن ثقافتنا في التدبير والتفكير لصالح بلادنا. إن الفصل 19 من مشروع الوثيقة الدستورية الذي ينص على أن «الرجل والمرأة يتمتعان، على قدم المساواة، بالحقوق والحريات المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية»، هو فصل يستجيب «للمطالب التي عبرت عنها الحركة النسائية التقدمية بالمغرب كما ينص على سياسات وإجراءات من شأنها محاربة كافة أشكال التمييز، لكنه فصل في دستور نابع من مسار خاضته القوى الحداثية والتقدمية بالكثير من التضحيات والمعارك مع القوى المحافظة في الدولة والمجتمع. إن قضايا المرأة لا تُدعم إلا بالدفاع عن الديمقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية بإعمال القوانين المصاحبة للدستور المتقدم، مما يستدعي جبهة تحالف ضد الرجعية والتقليدانية لبناء المجتمع الحداثي، لنكون في صف الدول الديمقراطية، علما بأن البداية من الصفر لا ترهبنا ونحن واعيات وواعون بحجم التحدي. فلنجعل من8 مارس بداية لمعركة التحديث الجديدة لنفض الغبار عن الوثيقة الدستورية، والتوجه بتكتل حداثي صوب مجتمعنا الذي تسربت أيادي الظلام الى كراساته لتخط فيها دروس الشرق الجديد وتلك هي الخيانة الكبرى لمغرب قلنا عنه إنه تعافى من تقليدانية تواطأت فيها الدولة نفسها لترسيخها ضد التنوير والتحديث.