فقد عبد الإله بنكيران صوابه، حين خاطبه ادريس الراضي رئيس الفريق الدستوري بأنه خرج عن الموضوع، حيث لم يتوان رئيس الحكومة في الرد بشكل عنيف على الراضي بالقول: »اللي بغا يهدر خصو يشوف اشنو عندو فقلبو و فالكرش ديالو عاد يتكلم". هذا الكلام اعتبره ادريس الراضي اتهاماً مباشراً ضده، حيث حاول نزع ملابسه أمام أعين الجميع ربط محمد العلمي بين قطاع العقار والرفع من وتيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ورأى رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين الذي ساءل رئيس الحكومة يوم الثلاثاء الماضي في إطار المساءلة الشهرية حول السياسة العقارية للدولة بين متطلبات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وإكراهات الواقع، باسم الفريق الاشتراكي وفريق الأصالة والمعاصرة، والفريق الدستوري وفريق التجمع الوطني للأحرار والفريق الفيدرالي للوحدة والديمقراطية، أن هذا القطاع يشكل قاعدة أساسية لإنجاز المرافق والبنيات العمومية الادارية والتربوية والصحية وغيرها. كما يلعب دوراً محورياً في تحسين مناخ الأعمال وجلب الاستثمارات، ويعتبر المكون الاستراتيجي للرفع من العرض العقاري والحد من المضاربات وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، كما يشكل رافعة حقيقية لتشجيع الاستثمارات المنتجة للثروة وتحقيق التنمية المستدامة. والاعتبار الآخر يتمثل في كونه وعاء لتنفيذ سياسة السكن الاجتماعي ومحاربة السكن غير اللائق، ومورداً رئيسياً لتمويل الخزينة العامة للدولة. لكن الإشكاليات المطروحة على النظام العقاري المغربي كبيرة ومتشعبة، منها ما هو موروث عن الاستعمار، ومنها ما تراكم طيلة عقود من التدبير الريعي والفوضوي، ويقول العلمي، إنه من أهم تجليات الإشكالية العقارية بالمغرب تعدد الأنظمة القانونية وتعدد أشكال الملكية، من ملك خاص وملك الدولة الخاص والجموع والجيش ثم الأوقاف والأحباس. كما أن الأنظمة القانونية معقدة ومشتتة بين نظام التحفيظ العقاري للملكية الفردية والتمديد الاداري، ثم هناك نظام المشاع والنظام التقليدي، مما يطرح إشكالات قانونية وتشريعية. ويضيف أن من بين تمظهرات الإشكال العقاري بالمغرب ما يرتبط بغياب الحكامة في عمل المؤسسات المتدخلة، ومنها ما يرجع لممارسات لوبي الفساد والمضاربات العقارية... إلخ، مما يجعل المنظومة العقارية الوطنية بمثابة كارثة وطنية تمتد تداعياتها من حرمان ملايين المواطنين من سكن لائق إلى حرمان الوطن ككل من مجال عقاري منظم ومنظومة عمرانية متكاملة تنمو وفق مخطط تنموي مدروس ومهيكل. وانطلاقاً من هذا التشخيص، ارتكزت سياسة الحكومة في مجال العقار على خمس آليات أساسية تمحور حول: توجيه أدوار الفاعلين العموميين نحو السكن الاجتماعي من خلال عقود برامج والشراكة بين القطاعين العام والخاص. وتأطير وتوجيه القطاع العقاري، وتعبئة العقار العمومي في حدود 20 ألف هكتار على مدى 5 سنوات وفق مقاربة شفافة، وكذلك دعم موارد وآليات التمويل المتعلقة بالقطاع وتوسيع الاستفادة من صناديق الضمان، ثم إحداث مرصد وطني ومراصد جهوية ومحلية لتأطير واستشراف القطاع العقاري. وتساءل محمد العلمي عن مقاربة الحكومة في التعاطي مع هذا الملف الشائك الذي استعصى على كل محاولات الإصلاح، وعن الاجراءات التي قامت بها الحكومة في هذا القطاع الحساس وفي تطبيق شعارها بمحاربة الفساد باعتباره من أهم أسباب الاختلالات. كما تساءل عن السياسة التي اتبعتها الحكومة لضمان تدخل الدولة من أجل فرض المنافسة الشريفة وحماية المال العام والمجال العمومي، وأيضاً عن السياسة الحكومية اليوم لتوفير السكن اللائق للمواطنين خارج الإعفاءات والامتيازات التي اتضح أنها لا تصل للهدف المرجو منها؟ محمد دعيدعة رئيس الفريق الفيدرالي وفي تعقيبه على جواب رئيس الحكومة بنكيران، أكد أن الدولة منذ سنة 2002 عملت على تعبئة عقارات تقدر مساحتها ب 95.189 هكتاراً لدعم 534 مشروع في إطار التأجير الطويل الأمد. وقدر دعيدعة رئيس الفريق الفيدرالي الاستثمارات المرتقبة لهذه المشاريع بحوالي 22 مليار درهم وإحداث 99.500 منصب شغل. وتساءل دعيدعة هل فعلا تم استثمار 22 مليار درهم وإحداث هذه المناصب، في حين أن الواقع يؤكد أن العديد من المستثمرين طردوا العمال الفلاحين بمجرد حصولهم على ضيعات الدولة، والبعض منهم لم يحترموا دفتر التحملات. كما طالب بنكيران بالكشف عن لائحة المستفيدين من هذه العملية وإطلاق سراح الشطر الرابع (انظر نص تعقيب محمد دعيدعة الذي ننشره في عدد الغد). زبيدة بوعياد باسم الفريق الاشتراكي أكدت أن الفريق متفق مع عملية التشخيص التي جاء بها رئيس الحكومة حول تدبير العقار في البلاد، لكنها كشفت أنه في السنوات الأخيرة برز إلى الوجود ما أصبح يسمى بالحزب العقاري. كما ذكرت بالمجهودات التي بذلت في الماضي، سواء تعلق الامر بالمخطط الوطني لإعداد التراب وغيره. لكنها أوضحت ان الحكومة هي المسؤولة عن علاج هذه المعضلة والتي التزمت بذلك في تصريحها الحكومي. كما تساءلت بوعياد باسم الفريق الاشتراكي بالغرفة الثانية عن مآل اللجنة المحدثة من طرف الحكومة لتتبع ملف العقار، ملاحظة أن نفس التعامل الذي كان سائدا هو نفس التعامل الحاصل الآن. وكشفت بوعياد أن هناك ثلاث مجموعات عقارية هي التي تستفيد من الاستثمار. في غياب الجودة في البناء. وذكرت بنكيران حينما كان في المعارضة ومطالب حزبه بإحداث لجنة تقصي الحقائق في الموضوع. كما أبرزت الاشكالية التي تعيشها البلاد في هذا الباب مما يضيع حقوق المواطنين. إذ هناك ملفات كبرى وعديدة. تم الترامي من خلالها على الاراضي التابعة لدولة، ولم تنصف، رغم أن القضاء قال كلمته. وبالتالي مازالت حقوق المواطنين مهضومة، زيادة على المضاربات التي تتم باسم نزع الملكية من اجل المصلحة العامة قبل أن تتم فيها المضاربات. كما اشارت الى الفراغ القانوني. بخصوص أراضي الجموع والأراضي السلالية. وأشارت الى مسألة الاراضي الخاصة بالاستثمار الصناعي في المغرب، ومقارنة ذلك مع ما يحدث في الدول الأخرى. مطالبة بتشجيع المقاولة المغربية في ظل غلاء العقار. عبد الوهاب بلفقيه باسم الفريق الاشتراكي، عقب على جواب رئيس الحكومة، حيث أثار المعاناة التي يتخبط فيها المواطنون مع إدارة المياه والغابات. حيث أقدمت الدولة على تحديد أراضي المواطنين الذين ورثوها منذ قرون. لكن إدارة المياه والغابات وبشكل غير قانوني، أقدمت على تحديد هذه الاراضي. في حين أن إدارة المياه والغابات ليست لديها أية وثيقة، وهو ما أدى ويؤدي الى احتقان اجتماعي حقيقي، خاصة وأن البرنامج الحكومي أكد على تحديد الملك الغابوي. ولم يأت بمساطر واكتفى بالمسطرة المتبعة منذ 1924 أي منذ عهد الاستعمار، رغم أن رئيس الحكومة أكد أنه ستتم مراجعة القوانين، لكن تساءل المستشار الاتحادي عبد الواحد بلفقيه لماذا تم التحديد الاداري ل 5 مليون هكتار. مطالبا بتراجع الحكومة عن ذلك. وكشف بلفقيه أن منطقة سيدي افني وكلميم والناضور وغيرها. وصل الاحتقان فيها الى درجة خطيرة. في حين أن هذه الاراضي مورثة للمواطنين منذ قرون. وأثار بلفقيه مسألة تصاميم التهيئة. ففي الوقت الذي تحدث فيه رئيس الحكومة عن الرصيد العقاري والانظمة العقارية، فإن هذه الأراضي لا توجد بالقرب من المدن. وأكد أن وثيقة تصميم التهيئة هي المرجع الاساسي لأية تنمية حقيقية مستدامة، إذ يقوم بإنجازها مكتب الدراسات عبر الوكالة الحضرية وتوافق عليها المنظومة المحلية، وهذه الوثيقة، يشرح عبد الوهاب بلفقيه، لا يتعدى عمرها 10 سنوات مما يفرض بقوة القانون إعادة الاراضي الى أصحابها. في حالة عدم أداء المستحقات المالية.وهناك دورية حكومية في هذا الباب. والسؤال الذي يطرح هنا هو أن الدولة بنفسها لا تملك اراضي يتم استغلالها. والنموذج هناك ما أكده لحسن الداودي وزير التعليم العالي. الذي راسل العمال والولاة. من أجل البحث عن مساحة 30 هكتار قصد استغلالها. في بعض المدن الصغرى. أما الحاجة فتصل الى 100 هكتار. وأكد أن مسؤولية الحكومة ثابتة حينما ينتهي عمر تصميم التهيئة حيث يرفع الى الامانة العامة.ومن ثمة يصدر رئيس الحكومة مرسوما الشيء الذي يجب ان يصاحبه تخصيص اعتمادات مالية. على اعتبار ان الجماعات لا يمكن لها توفير هذه الاعتمادات المالية. وعلى الحكومة ان تتحمل مسؤوليتها في شراء العقارات. وهنا مكمن الخلل، واكد بلفقيه ان الدستور الجديد يتحدث عن قانون تنظيمي للتعمير، ولا مجال للاستثناء. ومن ثمة يخلص بلفقيه الى أن ر ئيس الحكومة عجز عن الاجابة عن هذه الاشكالية، ملاحظا أن الدولة في العديد من المناطق، خاصة الحضرية، لا تتعدى ملكيتها %5 بل إنها في بعض المناطق لا تملك شبرا واحدا. كما هو حاصل بكلميم. ومن جهة أخرى، كاد عبد الإله بنكيران أن يفقد صوابه، بعدما خاطبه ادريس الراضي رئيس الفريق الدستوري بأنه خرج عن الموضوع، حينما كان يرد على تعقيبات الفرق البرلمانية، حيث لم يتوان رئيس الحكومة في الرد بشكل عنيف على الراضي بالقول: »اللي بغا يهدر خصو يشوف اشنو عندو فقلبو و فالكرش ديالو عاد يتكلم". هذا الكلام اعتبره ادريس الراضي اتهاماً مباشراً ضده، حيث حاول نزع ملابسه أمام أعين الجميع ليبين »كرشه« في دلالة على أن أياديه بيضاء، وانتفض الراضي في وجه بنكيران مخاطباً إياه: »ديرو لينا سكوتش لفمنا«. بنكيران عاد ليخاطب الراضي: »احترم رئيس الحكومة، ما أنت غير مستشار«". أحد الظرفاء علق على هذا التعليق بأن بنكيران استند في ذلك على »لكرايد« اللي عندو كرئيس للحكومة، هذا الأخير الذي خاطب من إدريس الراضي بأسلوب إدريس البصري الذي سبق أن وجه نفس السؤال التهديدي إلى خالد الجامعي الذي كان رئيسا لتحرير صحيفة "لوبينيون" قائلا: "شكون انت؟". حيث وجه كلامه للمستشار الدستوري قائلا: "شكون انت؟..: »ما عندكش الحق تكلم معي، أنت ماشي رئيس الجلسة، وباقي عندي الوقت، ملي نكمل نسكت«. واعترف بنكيران أن الحصول على العقار في المغرب أصبح مستحيلا، وعاد بنكيران ليرد أن الحكومة صوت عليها الشعب، مثيراً ملف المقاصة من جديد، حيث خاطب المستشارين: »شكون اللي بغى يقابل المقاصة نعطيوه ليه«" وانتقد بشدة عملية محاربة دور الصفيح، حين قال: »كل عام نهرسو جوج برارك ونجيبو التلفزيون يصور"«، كما انتقد المكلفة بالتعمير بالبيضاء، حينما صرح: »واحدة جلسة في الدارالبيضاء 20 سنة، وعقدت المشكل"«، كما دعا إلى تنظيم مناظرة في موضوع العقار، كاشفاً أن المشكل لن يعالج بين عشية وضحاها. كما أثار عمليات »السكن بالقرب من البحر، حيث أوضح أن هناك من بنى طابقاً أو طابقين أو ثلاثة "»بغا يطل على مريكان».