حادث سقوط دركي آيت اعمير متلبسا بالرشوة يعيد إلى الواجهة النقاش حول النزاهة ومصداقية التقارير والمحاضر التي ينجزها هذا الجهاز الأمني، والتي على إثرها يتابع البعض وتتم تبرئة البعض الآخر في الملفات التي يباشرون التحقيق فيها. الخبر ، وكما أوردته وسائل الإعلام، يقول بأن اعتقال الدركي الذي كان برتبة رقيب ضبط متلبسا بتسلم رشوة ألفي درهم من مشتكٍ يطالب بالاستماع إليه في محضر أحالته المحكمة على مركز أيت اعميرة، وقد ساومه الدركي مقابل القيام بعمله. لانعرف إن كان المبلغ المطلوب مقابلا عن عمل من صميم اختصاصاته أم أنه مقابل مادي لتزوير محتمل في المحضر أم أنه واجب مادي مفروض إذا أراد المشتكي ألا تتدخل يد العبث في الملف؟ المهم أن السيد الدركي الرقيب على الأمر ضبط متلبسا والقضاء وحده قد يكشف تفاصيل الملف، وإن كنت أشك في أنه سيتم إطلاع الرأي العام على الحقيقة كاملة غير منقوصة، ولنا في الأمثلة السابقة أكثر من دليل على صحة ماذهبت إليه. فقبل مايزيد عن أربع سنوات بأشهر قليلة، تم إلقاء القبض على عنصرين من الفرقة القضائية للدرك الملكي بالصويرة وإيداعهما السجن العسكري بالقنيطرة بتهمة إفشاء السر المهني، وبالضبط بمنطقة مرامر بقيادة تافتاشت إقليمالصويرة عندما قاد القائد الجهوي للدرك الملكي بالإقليم عملية ليلية لاعتقال أحد المطلوبين فتعرضت سريته لإطلاق نار من طرف أحد مروجي المخدرات الذي كان يحمل بندقية ليلوذ بالفرار، القائد الجهوي للدرك أصيب برصاصة على مستوى الساق هو و أحد عناصر السرية، وكانت الأمور ستسير إلى الأسوأ لولا الألطاف الإلاهية. لكن حين اعتقل المعتدي بعد يومين من الحادثة ومصادرة هاتفه النقال، تم اكتشاف اتصالات هاتفية من أرقام لعنصرين من الفرقة القضائية للدرك الملكي، حيث قاما بتحذير المعتدي هاتفيا وأخبراه بقدوم قوات الدرك لاعتقاله ! هكذا كان عنصرا الدرك الملكي سيتسببان من حيث لايدريان في وفاة زملائهما، الأكيد أن العنصرين لم يدركا خطورة ماقاما به وإلا لما أقدما عليه. كانا يظنان أن الأمر سيتوقف عند حد التبليغ ليتدبر المجرم الأمر بنفسه ويلوذ بالفرار، لم يكونا يدركان أنهما أمام مجرم قادر على فعل أي شيء للإفلات من قبضة العدالة. عُرض المعتقلان على المحكمة العسكرية والتي لابد أنها قالت كلمتها التي لم نتمكن من معرفة مضمونها وطوي الملف، لكن مثل هذه السلوكات أكيد أنها لن تتوقف مادام هناك البعض ممن ليست له القدرة على مقاومة الإغراءات المادية. هذه الواقعة وغيرها تعيد فتح ملف مجموعة من عناصر الدرك الملكي بمختلف الجهات وطبيعة علاقتهم المشبوهة مع مطلوبين أو أعيان في مواجهة أناس بسطاء لاحيلة لهم تضيع حقوقهم بسبب هذا التواطؤ. الشكايات التي نتوصل بها في هذا الشأن كثيرة، توحي بأن هناك «شبكة» وطنية تنسج خيوطها بينها من حيث لاتدري بانتهاجها نفس السلوك ونفس الممارسة، شبكة عناصرها قلة من درك أسفل يفتقد للحس الإنساني وللمسؤولية التي أنيطت به. فكم من مرة أحبطت عمليات إلقاء القبض على قوافل الحشيش المتوجهة عبر جبال الريف والمسالك الوعرة إلى الأسواق الوطنية والأجنبية بسبب إنذار مسبق لتجار الحشيش من قلب السرية المكلفة بالعملية؟ وكم من مواطن بسيط ضاعت حقوقه بسبب طمع تلك القلة من الدرك الأسفل المنتمية إلى جهاز الدرك الملكي؟ وكم من أرض بيعت رغم أنف أصحابها إلى متجبر بعد أن تعرض الضعفاء من المواطنين للمضايقات والشكايات الكيدية، بل منهم من أودع السجن ظلما؟ وكم من البسطاء الذين تعرضوا لاعتداءات خطيرة مازالوا ينتظرون إلقاء القبض على الفاعلين، فبالرغم من صدور أمر بذلك مازالوا يتجولون طلقاء بالقرب من مركز الدرك لعلمهم ويقينهم أن هناك من يحميهم من داخل السرية؟ إنها نتيجة حتمية لسلوكات من باع كرامته ليصبح مجرد «خادم» للعصابة أو لأصحاب النفوذ أو لأباطرة المخدرات، ملحق بهذا الجهاز الأمني! إنهم بحق درك أسفل في قلب الدرك الملكي..!