«العساس والسكرتيرة»، كان هذا هو عنوان الحلقة الأخيرة من برنامج مسرح الجريمة، الذي بثته قناة «ميدي أن تي في» ليلة الثلاثاء الماضي، هذه الليلة السوداء التي هامت فيها والدة الضحية بحثا عن مكان آمن يخلو تماما من أية دبدبات أو صور أو حتى حس للتكنولوجيا، وقفت المسكينة مصغية لهمس الأشباح التي ظلت تلاحقها داخل دروب عين تاوجدات وتكتم أنفاسها بعدما فضلت مغادرة البيت عوض مشاهدة مقاطع الإثارة التي لم تحترم كرامة إبنتها وحقوق أسرتها التي لم تهضم بعد المصيبة، لم تكن الأم المكلومة تعتقد في يوم من الأيام أن قناة عمومية قد تنتهك حرمة بيت مغربي بكامل أفراده، وتداهم البيت الملفوف بالخوف والهول عبر بث برنامج تلفزي رغم أنفها وغصبا عنها، وبمجرد ما بدأت القناة تبث لقطات إشهارية للبرنامج حتى صرخت ألأم مذعورة: «إرحموني لا تحركوا أوجاعي، فشعلة إبنتي لازالت تتقد بصدري»، دون أن ترحمها القناة التي أفاقت المرحومة من قبرها لتبيح بحركة ممثليها خفايا الأرواح وشراسة الذئاب التي نهشت وداعتها ونعومتها، ففي تلك الليلة شاهد الإخوة حارسا يهوي على أختهم بعصى غليظة دون أن يتمكنوا من التدخل، وفي تلك الليلة شاهد الأب حرمة كبده تنتهك في وقت لازالت عشرات الأسئلة تتقاطر بين أضراس فمه دون أن يجد أجوبة مقنعة في انتظار أن يدشن القضاء شوطا جديدا في بحثه عن الحقيقة، فالقضية لازالت معروضة على أنظاره، والأب لم تعد تهمه العقوبة بأكثر ما يبحث عن الحقيقة التي قد تريحه وتريح كافة أفراد أسرته، كل ساكنة عين تاوجدات شاهدت حلقة صورت في مدينة غير مدينتهم حيث شاهدوا زهورا وأشجارا لا منبت لها في مشاتلهم، فبدؤوا يتساءلون: في أي مدينة صورت مشاهد حلقة تهمهم حتى وجدوها في مدينة الإسماعيليةمكناس، وتجولوا في شوارع وأزقة ليست بأزقة حاضرتهم التي عاشت أطوار جريمة غريبة، وكل صديقات الضحية وأهلها استمعوا لألفاظ وعبارات رتبها الممثلون دون أن يكون لبعضها مرجعا حقيقيا لا في المحضر ولا في اعترافات المتهم كما أكد ذلك والد الضحية،أما الحقيقة الغائبة فلا زال القضاء يبحث عنها رغم صدور حكم أولي في شأنها. لماذا لم يتدخل وزير الاتصال لمنع البرنامج استجابة لقرار الأسرة واحتراما لسلطات القضاء سئل مصطفى الخلفي من قبل صحافيين مباشرة انتهاء أحد المجالس الحكومية عن موقفه من المتابعات التي يتعرض لها مسربوا وثائق تبادل التعويضات ما بين مزوار وبنسودة، فقال بالحرف، «الملف معروض على أنظار القضاء ولا حق لي في التعليق»، وكان موقفا محترما، لكن لماذا لم يتدخل السيد الوزير لمنع بث برنامج سيتطرق لقضية لازالت معروضة على أنظار القضاء كما أكدت ذلك الرسالة المرفوعة لوزارة الاتصال من طرف والد الضحية والتي تقول: «يشرفني السيد الوزير المحترم أن ألتمس منكم التدخل لمنع بث وقائع الجريمة البشعة الغامضة التي تعرضت لها إبنتي المسماة قيد حياتها: بونوار سلوى بعين تاوجطات بتاريخ 05-09-2011 ، هذا البث الذي ينتظر تقديمه يوم الثلاثاء 20-11-2011 (مسرح الجريمة ) على قناة MEDI TV، وللتذكير فإن دفاعي: الأستاذ م.ع، المحامي بهيئة مكناس، طلب مني سابقا الموافقة على هذا البث فرفضت طلبه رفضا قاطعا، لان ملف إبنتي رحمها الله لم يحسم فيه بعد في المحكمة، فضلا عن أنني قدمت شكاية في موضوع هده الجريمة إلى السيد وزير العدل والحريات، ولازلت أنتظر ما سيسفر عنه البحث، والحكم مستأنف»، ألم يكن هذا التصريح كافيا لإيقاف بث الحلقة، واستبعاد الزج بقناة يحترمها المغاربة في قضية لازالت مفتوحة على كل الاحتمالات؟، وقد لا يكون هناك من مبرر أمام وزير الاتصال غير كونه لم يطلع على الطلب الذي توصلت به كتابته الخاصة لانشغالاته في قبة البرلمان، لكن أليس في طاقمه من يقدر على تنبيه القناة لهذه القضية؟ هل إذا غاب الوزير تتوقف الإدارة؟. الأب يراسل القناة طلبا في عدم بث الحلقة، لكن القناة كان لها موقف آخر مد والد الضحية جريدة «الإتحاد الإشتراكي» بمراسلة واضحة خططها بأنامله (أستاذ درس أجيالا عديدة) طلبا في عدم بث الحلقة لما قد تحدثه من أهوال وتداعيات نفسية لذا أسرته الصغيرة ،لكن القناة كان لها موقف آخر غير ذاك الذي تمتلكه أسرة الضحية ، فربما موتها أو حذفها من كناش الحالة المدنية جردها من أية صلة أو وصاية أو حقوق بالضحية، وهكذا ظل طلب الأب حبرا على ورق، فمن رخص للقناة بإنجاز هذا البرنامج خاصة وأن مصالح أمن عين تاوجدات التي باشرت التحقيق في الملف لم تكن موجودة في البرنامج؟ هل حصلت القناة على موافقة الأب الذي يمتلك كامل الحقوق اتجاه الهالكة؟أم أنه أجبر وبقرار خارج عن إرادة الأسرة في ليلة مزعجة على السير نحو مواكب مذابح ابنته، ليشاهد القبر والفأس والمعول والتراب وأشياء أخرى؟، وقد علمت الجريدة عبر والد الضحية أن معد البرنامج لم يكلف نفسه عناء الاتصال به قصد استشارته في الموضوع، فهل يكفي الاتصال بدفاع الضحية (إن تم ذلك بالفعل وأي وقع قانوني لهذا الإجراء)،لإعطاء الضوء الأخضر لتسجيل حلقة في غاية الحساسية على المستوى النفسي والحقوقي؟وهل ممكن أن يحل الدفاع محل والد الضحية في أمر في بالغ الأهمية؟ والد الضحية يطالب بإجراء تحقيق في هذا الخرق وجبر الضرر بالنسبة للأسرة المتضررة لازالت والدة الضحية لم تجمع بعد قواها لمواجهة كل من شاهد حلقة مسرح الجريمة، والأسئلة التي لازالت تتقاطر بخصوص بعض المواقف التي أبانت عنها الحلقة لأول مرة، ولازال أب الضحية الذي أصيب بنكستين، نكسة يم تلقيه نبأ وفاة إبنته التي تعب من أجلها ، ونكسة تقديم قناة «ميدي أن تي في» لحلقة «مسرح الجريمة» رغما عن أنفه وضدا على إرادته، وهو الموقف الذي لم يهضمه ولم يستسغ حدوثه في مناخ وطني جديد ودستور جديد، وحكومة جديدة، ويطالب كل الجهات المسؤولة على القطاع الإعلامي من إدارة قناة «ميدي أن تي في» وزارة للاتصال، الهاكا، وكذا وزارة العدل والحريات بضرورة فتح تحقيق عميق بخصوص كيفية اشتغال هذا البرنامج؟ وما هي التدابير القانونية والوقائية التي يتخذها لتجنب انتهاكات حقوقية اتجاه مواطنين ومواطنات؟داعيا الجمعيات الحقوقية والهيئات الحزبية والمجتمع المدني إلى مؤازرة أسرته الصغيرة لرد الاعتبار لكرامتها التي أهدرت على مرآى ومسمع الجميع. وكانت المرحومة (س. ب) 24 سنة الحاصلة على دبلوم في التجارة العالمية من إحدى المعاهد المتخصصة بمكناس، قد عثر على جثتها هامدة يوم 06/09/2011 وسط قبر كان قد أعده القاتل في مستودع للتبريد يومين قبل اقترافه للجريمة لإخفاء معالمها.