بالأمس كان نصب الخيام بأزقة و فضاءات درب السلطان مؤشرا على إقامة الأعراس و الحفلات، والتي تدوم في الغالب طيلة فترة الصيف، حيث إنك كلما مررت بحي أو زقاق إلا و تجد خياما كبيرة منصوبة و بها أجواق شعبية، الكل يتفرج ، حتى المارّة و ليس الجيران فقط، كان بين عرس جار وآخر مسافة زمنية لا تتجاوزعشرين يوما، أعراس تتميز بتعاون الجيران في كل شئ . أما حفلة الختانة فلها طقوس فريدة ،كان الفرس مصحوبا بجوقة شعبية تعتمد آلات معروفة قديما لها إيقاعها الخاص، تعتمد على الطبل و المزمار (الطبالة و الغياطة) مصحوبة بزغاريد النساء، يتجولون بالحي إلى أن يصلوا إلى مسجد الحي و منه إلى مكان نصبت فيه خيمة الحفل. هذه العادة التي فتحنا عليها أعيننا و نحن صغار جعلتنا نستغل مناسبة عيد العرش لنصبِ خيام صغيرة لا تتعدى أمتارا قليلة محاطة ببعض الأغطية التي يستقدمها أطفال الحي من منازلهم ، فيما تقصد فئة أخرى حديقة لارميطاج التي تضم ملعبا اشتهر باسم «الشيلي» ، لتأتي ببعض النخيل نضعه كسقيفة على خيامنا الصغيرة . اليوم تغير كل شئ ، انتقلت هذه الحفلات إلى قاعات و منازل أصبحت خاصة لاحتضان كل أنواع الفرح على اختلاف المناسبات، وأصبحت الخيام المنتصبة ، والتي قد تأخذ مساحة كبيرة تعرقل المرور و السير لمدة معينة ، تؤشر على مناسبات أخرى ، ليست بهيجة بالضرورة ، كما هو شأن المآتم ، لدرجة أصبح كل من مر بالقرب أو عن بعد من خيمة منصوبة إلا و يطرح السؤال التالي : من الذي توفي في تلك الزنقة؟ لقد أصبحت كثرة الخيام ، في الآونة الأخيرة ، عنوانا للحزن والدموع، حيث كلما سجلت وفاة في درب تجد خيمة لسكانها تقيم تأبينا لأحد رجالها القدماء رحلوا و معهم الزمن الجميل، رحلوا و معهم ذاكرة الحي، حيث لكل واحد سجل لحوادث متنوعة عايشها في فترة قبل الاستعمار و بعده، يعرفون تاريخ كل واحد، منهم المقاومون والرياضيون و الفنانون..، والذين تعتبر وفاة كل واحد منهم بمثابة خزانة تحترق كل شهر ، كل أسبوع ، و أحيانا كل يوم .... فأين هو أبا العتيدى ، علي الهواري، احمد الهواري، عبد القادر هلالي، مؤدن علي، بوجمعة بجاجا ، البارودي ، احمد الوطسي، الحسن لكحل الصالحي، ابو النعيم احمد المعروف بمكتبة الأدب ، المراني الأب ، احمد الحريزي ، ابا الحطاب الودادي ، و اللائحة طويلة. و من الفنانين ، الموسيقار الراحل أحمد البيضاوي، احمد السعدي ، إبراهيم العلمي ، عبد السلام عامر، الفنان الماريشال قبو ... واللائحة طويلة قد لا تسعف الذاكرة في استحضار الأسماء كلها. ويبقى أكبر تخوف الآن ، يساور أبناء هذه المنطقة التاريخية بالدارالبيضاء ، خصوصا من جيل أواخر الخمسينات والستينات ، أن يستمر الوضع على ماهو عليه ، حيث تتساقط أوراق لأسماء شامخة ، فضلت الابتعاد عن الأضواء بعيدا عن «التلوث» في صمت ودون أن تقدم «شهاداتها على الزمن الجميل»!