اليسار المغربي اليوم يتأمل ذاته بعمق أمام صعود القوى المحافظة في عدد من الدول العربية التي عرفت حراكا شعبيا ومن ضمنها المغرب، وتبين أن هناك تراجعا كبيرا وخطيرا لليسار في قيادة الجماهير التي يبدو أنها وجدت غايتها في القوى الأصولية ، وهو ما طرح الكثير من الأسئلة حول واقع هذا اليسار الذي تشردم وعرف نكسات أدت به إلى الضعف والوهن، ما يتطلب منه وقفة للتأمل من أجل استرجاع مكانته واستعادة دوره في قيادة الجماهير وإنقادها من النفق المظلم للأصولية والقوى الرجعية، وطبعا لن يتأتى هذا إلا بتوحيد صفوف هذا اليسار ولم شتاته، ومن هنا جاءت الندوة التي نظمها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية فرع الحي المحمدي جليز بمراكش بتنسيق مع المكتب الإقليمي للنقابة الوطنية للتجار والمهنيين يوم السبت 6 اكتوبر الجاري حول موضوع: «في الحاجة إلى وحدة اليسار» واطرها أساتذة يساريون، وحضرتها فعاليات ومناضلين من مختلف الهيئات السياسية اليسارية والمنظمات النقابية والحقوقية التقدمية وعرفت نقاشا مستفيضا تم خلاله تشريح جسم اليسار والوقوف على مكامن الضعف والخلل وطرحت الكثير من صيغ تجميع اليسار ووحدته.. كلمة فرع الاتحاد الاشتراكي للحي المحمدي بمراكش والتي القاها كاتب الفرع عبد الحق عندليب جاء فيها أن هذه الندوة الفكرية تتوخي ملامسة ومقاربة واقع اليسار المغربي وتعبئة كل الجهد النظري والعملي من أجل تجاوز وضعية الشتات ومعالجة عوامل الضعف وتحديد أسباب الإخفاق ومن تم البحث الجماعي عن الشروط الموضوعية والذاتية الكفيلة بإعادة اللحمة إلى مكونات اليسار لعل ذلك سيشكل مقدمة لشق الطريق نحو تحقيق المشروع المجتمعي لليسار والمتمثل أساسا في بناء مجتمع الحرية والديمقراطي والعدالة الاجتماعية والحداثة، لا ريب في أن سؤال وحدة اليسار من الأسئلة الجوهرية المطروحة اليوم وأكثر من أي وقت مضى على طاولة اهتمامات قوى اليسار خاصة مع هبوب رياح التغيير/العاصفة التي تجتاح العديدمن البلدان العربية والتي أدت إلى سقوط أنظمة ديكتاتورية واستبدادية، إلا أن هذا السؤال يقابله سؤال آخر يحيرنا ويستفزنا جميعا ويتعلق الأمر من جهة بغياب اليسار عن قيادة وتوجيه انتفاضات وثورات الشعوب العربية ضد أنظمتها الفاسدة، من جهة ثانية قدرة الحركات الإسلامية على انتزاع مشعل الريادة من اليسار رغم ما يتمتع به هذا الأخير من تجربة نضالية طويلة وتاريخ حافل بالتضحيات.. في هذا الملف نقدم مداخلات كل من الاساتذة: محمد الساسي عضو المجلس الوطني لليسار الموحد، محمد عياد عضو المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، اليزيد البركة عضو الكتابة الوطنية لحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي ومصطفى الرجالي عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية وعبد اللطيف عادل الباحث والفاعل السياسي إضافة إلى أرضية الندوة التي قدمها سعيد بوبيل عضو مكتب فرع الحي المحمدي جليز.. اليزيد البركة الحد الأدنى لجبهة اليسار يجب أن يكون منبثقا من الجماهير ومن طموحاتها لا أريد أن اتحدث عن دواعي الوحدة فهي معروفة لكنني سأتحدث عن الدواعي القادمة، ومن ضمنها الازمة الاقتصادية العالمية وخاصة في أروبا التي تربطها بالمغرب علاقات واسعة، وبالتالي فانعكاسات هذه الأزمة تدق أبواب المغرب بقوة، مما يجعل اليسار أمام تحديات مواجهة تداعياتها، و أن نهب الثروات من طرف المفسدين في بلادنا هو سبب من الأسباب الرئيسية في ما يعيشه المغرب من أوضاع تتميز بعدم تمتع أوسع الطبقات الشعبية لحقوقها الكاملة في التعليم والشغل والصحة والسكن وغيرها من الحقوق، وبأن من أوليوات اليسار محاربة الفساد والمفسدين والمطالبة بإرجاع الثروات المنهوبة إلى الشعب. أن التخوف الذي تثيره بعض التنظيمات اليسارية من الوحدة هو إمكانية هيمنة حزب عليها ، رغم أن الأمر في بلادنا لا يدعو إلى التخوف مادامت كل أحزاب اليسار غير متجدرة في وسط الجماهير، وبالتالي فإن التخوف من الهيمنة غير وارد، عكس ما كان عليه الامر خلال سنوات الرصاص حيث كانت قوى اليسار ملتحمة بالجماهير بشكل عضوي غير أن تلك العلاقة العضوية بين أحزاب اليسار والطبقات الشعبية قد تراجعت اليوم ونحن في حزب الطليعة نتبنى منذ مدة مسالة الجبهة الوطنية الواسعة المكونة من أحزاب اليسار والمركزيات التقاربية والجمعيات الوطنية الجادة، وكل تغييرات الطبقات الوسطى الحليفة للطبقة العاملة، وفرصة تحقيق هذه الجبهة قد أتيحت منذ مطلع التسعينات للقرن الماضي، لكن التصويت على دستور 96 قد ضيع على اليسار هذه الفرصة. إن الدينامية التي تشهدها بلادنا اليوم تبعت الأمل في مسالة توحيد صفوف اليسار حيث تتميز هذه الدينامية بانتقال الاحتجاجات الشعبية في العديد من المدن والقرى المغربية إلى مستوى مطالب سياسية رفعتها حركة 20 فبراير ، وهي الحركة التي فرضت على كل القوى السياسية النقاش حول مصير البلاد وفرضت على الدولة إحداث بعض الإصلاحات الدستورية. هناك طرحان وفي مسالة الوحدة بين مكونات اليسار: الأول يميل على إأسيس الجبهة الوطنية الواسعة، وهو موقف حزب الطليعة الديمقراطية الاشتراكي.. الثاني هو ما تعبر عنه بعض مكونات اليسار ويتجلى في بناء الوحدة من القاعدة. وأعتقد بأن انتظار وحدة اليسار من القاعدة مسألة طوبوية لأن الوحدة لا يمكنها أن تتحقق إلا بإرادة من طرف القيادة والقاعدة، ومن جهة ثانية ، على اليسار أن يفكر في أشكال متعددة من التنسيق والتكتل وخلق آليات تقريرية لهذا التنسيق قادرة على تصريف موضوع الوحدة في اتجاه خلق الجبهة الوطنية الواسعة، هذه الجبهة التي بإمكانها أن تتوسع أكثر لتضم كل الحداتثيين والديمقراطيين ... إن صيغة وأطروحات الاندماج، لاتلائم خصوصيات وطبيعة المرحلة السياسية والتاريخية التي يمر فيها اليسار المغربي، فهناك إشكالات حقيقية تتمثل في غياب حزب قوي يمثل الطبقات الشعبية والعاملة والذي بإمكانه قيادة مكونات اليسار وأن الطبقة العاملة موزعة على عدة نقابات وتخترقها أهواء ومصالح شخصية لبعض قادة هذه النقابات. إن وضعية اليسار المغربي تأثرت بشكل كبير بما حدث في أوربا الشرقية والمتمثل في سقوط جدار برلين ، لكن هذه الوضعية مرتبطة أيضا بأحزاب اليسار نفسها والتي تتحمل مسؤوليات كبرى بأخطائها وانزلاقاتها. إن ميولات الشعوب العربية في المرحلة التاريخية الراهنة وفي هذا الحراك إلى القوى اليمينية والمحافظة، ناتج على أن قوى اليسار أصبحت عاجزة عن قيادة هذه الشعوب بسبب ما تعانيه من أوضاع وبسبب تخليها في أداء مهامها التاريخية، فالشعوب تطمح إلى الحرية والديمقراطية وتحقيق طموحاتها وحقوقها الأساسية في التعليم والصحة والسكن والشغل وغيرها من الحقوق المعروفة.. إن مقولة الشعوب تتجه في الظرفية التاريخية يمينا هي مقولة خاطئة لأن هذه الشعوب لازالت تناضل من اجل الحرية والديمقراطية والعيش الكريم وهي نفس الأهداف التي تبناها اليسار، وبأن صعود القوى المحافظة في العالم العربي في سياق ما يسمى بالربيع العربي يؤكد أخطاء اليسار لأن هذا الأخير قد انفصل عن الجماهير. ومن بين أخطاء أحزاب اليسار، طغيان الفردانية في ممارسة بعض القيادات طبعا لايمكن تجاهل طموحات الأشخاص في العمل السياسي، لكن يجب أن تكون هذه الطموحات مؤطرة بالعمل على تحقيق المصالح العامة وهو ما انتبه إليه الشهيد المهدي بن بركة الذي أرسل العديد من الطلبة المغاربة إلى الخارج لاستعمال دراساتهم العليا دون أن يشترط في هؤلاء الانتماء إلى الحزب لأن تحقيق طموحات هؤلاء الطلبة هو في العمق يخدم مصالح الحزب والوطن.. هناك نوعان من التعامل مع النزعة الفردانية من طرف الأحزاب اليسارية المغاربية، فهناك أحزاب ومن بينها حزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي الذي قتل أي طموح شخصي في المناضلين وهو سلوك في العمق انتهازي حسب المتدخل، وهناك أحزاب طغى فيها الطموح الشخصي على المصلحة العليا للحزب، حيث أصبح أشخاص يملكون جزرا شاسعة داخل أحزابهم ويتحكمون في قرارات الحزب وبالتالي فتحت الأبواب على مصراعيها لسلوكات وممارسات لاعلاقة لها بفكر وثقافة اليسار. إن الظرفية التاريخية والسياسية الراهنة مناسبة لتأسيس الجبهة الوطنية الواسعة، وإن حزب الطليعة الديمقراطية الاشتراكي مستعد للنقاش من أجل تحقيق هذه الغاية ، لكن من خلال إعطاء بعد جماهيري يساري لهذه الجبهة، وبأن البرنامج الحد الأدنى لهذه الجبهة يجب أن يكون منبثقا من الجماهير ومن طموحاتها، ولابد من استمرار أحزاب اليسار في المطالبة بدستور ديمقراطي، لكن في نفس الوقت العمل على تأويل الدستور الحالي تاويلا ديمقراطيا وهي مهمة لايمكن تركها للقوى المحافظة بل هي مهمة يجب على اليسار أن يتبناها. مصطفى الرجالي لابد من تشكيل جبهة يسارية عوض إنشاء حزب واحد إن هذا اللقاء يذكر بلقاء مشترك تم في سينما الكواكب بالدار البيضاء بين حزب التقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حيث كان يترأس الطرفين كل من الشهيد عمر بن جلون والمرحوم بشعيب الريفي، و تنظيم مثل هذه اللقاءات يثبت أن الحركة التقدمية اليسارية في بلادنا تستشعر الخطر الذي يتهدد وجودها، وبأن هناك أزمة يجب الوقوف عليها. وترجع أسباب هذه الأزمة من جهة إلى مخلفات سنوات الرصاص ومن جهة ثانية إلى انهيار المعسكر الاشتراكي في أوربا الشرقية ومن جهة ثالثة إلى تداعيات حكومة التناوب ومن جهة رابعة إلى الانعكاسات السلبية لما عاناه المغرب جراء تطبيق سياسة التقويم الهيكلي. وتبرز تجليات هذه الأزمة في تراجع مستوى التنظير وتحديث فكر اليسار، حيث فقد اليسار منظرين من عيار الشهيد عمر بن جلون وعزيز بلال، وبالتالي فإن المناضلين اليساريين أصبحوا غير مسلحين بما يتطلبه الوضع من اجتهادات نظرية لمواجهة الواقع والقيام بالمهام الطلائعية المنوطة بهم في المجتمع. كما أن الانقسامات التي شهدها اليسار قد أثرت عليه سلبا حيث نتجت عنها تنظيمات لم تكن لها أية امتدادات في صفوف الجماهير، لابد أن نستحضر إيجابيات العمل المشترك البناء بين مكونات اليسار من خلال تجربة التسيير المشترك لجماعة عين الذئاب بالدار البيضاء بين الاتحاد الاشتراكي ممثلا في رئيس الجماعة المرحوم مصطفى القرشاوي وحزب التقدم والاشتراكية ممثلا في عزيز بلال وشمعون ليفي وغيرهم.وبأن تماسك الحزبين وعملهما المشترك في تدبير شؤون هذه الجماعة قد فوت الفرصة على المخزن الذي كان يتربص بها لإفشالها. ومن بين أسباب ما تعيشه أحزاب اليسار اليوم، غياب برامج إصلاحية للجامعة، وتراجع دور اليسار في قيادة الطبقة العاملة وهي الطبقة التي لعبت أدوار طلائعية في النضال الوطني ضد المستعمر وفي النضال من أجل إرساء دعائم الديمقراطية خلال مرحلة الاستقلال، و الطبقة العاملة اليوم تحت هيمنة الأصولية في العديد من القطاعات الحيوية.. من أخطاء اليسار أيضا ترك الحقل الديني فارغا حيث يحتله اليوم الأصوليون والوهابيون والتكفيريون والماضويون... ولإعادة ألق اليسار وأرجاع الثقة إليه في أفق وحدته لابد من تشكيل جبهة يسارية عوض إنشاء حزب واحد، لأن الوحدة الكاملة لا تتوفر شروط إنجازها. ومن أجل إعطاء المثال وهنا أشير إلى تجربة الجبهة الفرنسية إبان الحرب العالمية الثانية جبهة القوى اليسارية في الشيلي في سنة 1973 والتي أوصلت أيندي إلى الحكم. ومن أهداف التي تقتضيها ضرورة أي عمل مشترك لليسار المغربي تسليح المناضلين برؤى وبأدوات التحليل والدفع بهم لمجابهة الرجعية والظلامية محليا والعمل على استقلالية المغرب عن الأوليغاريشات الخليجية، حيث أصبح المغرب يكمل دور هذه الأوليغاريشات، وبالإضافة إلى محاربة الانتهازية داخل صفوف اليسار لأن المصلحة الشخصية لبعض الأشخاص أصبحت طاغية ومهيمنة عن مصلحة أحزاب اليسار والمصالح العليا للوطن، وأصبحت الهرولة إلى المقاعد لا تحكمها برامج واستراتيجيات في إطار برنامج واضح المعالم، بل طموحات وأطماع شخصية، لدى فمن اللازم محاربة الفساد أينما كان مصدر، ولو في صفوف اليسار، وبأن اليسار لا يمكنه أن يكون سوى في الجبهة التقدمية الحداثية وأن يكون في الطليعة والسكنى والشغل والحرية والديمقراطية ... ومن جهة أخرى لا يجب على اليسار في معاركه السياسية أن يتحول إلى مرادف للاحتجاج وإشعال الإضرابات، بل يجب عليه في إطار دفاعه عن مصالح الجماهير الدفاع عن العمل والحق في العمل وأن يغرس في نفوس مناضليه حب العمل وثقافة العمل، وبأن يكون العمل من أجل خلق الثروة له الأسبقية على المطالبة بتوزيع الثروة، ويجب على اليسار يجب أن يكون لديه نمط ونموذج للنمو واضح المعالم يمكن بلادنا من الارتقاء إلى مستويات أفضل من أجل الخروج من التخلف والأمية والجهل ويجعل الطبقة العاملة قادرة على تحقيق الازدهار والشباب قادر إيجاد الشغل والمرأة قادرة على تحقيق حقوقها الأساسية، واليسار قادر على خلق بيئته الحاضنة. لابد من الالتزام بقيم الشفافية والنزاهة ونكران الذات من طرف مناضلي اليسار وهي القيم التي تراجعت منذ مراحل الستينات والسبعينات. ولابد أيضا من خلق المزيد من فرص الحوار وخلق فضاءات جديدة لهذا الحوار كإنشاء إذاعة لليسار المغربي، و على ضرورة ترسيخ قيم التضامن بين مكونات اليسار ونتأسف حقا عن تخلي قوى اليسار عن المناضلين الذين يرجع لهم الفضل في بلورة بعض البرامج التقدمية مثل الخطة الوطنية لإدماج المرأة للرفيق سعيد السعدي الوزير السابق في عهد حكومة ا لأستاذ عبد الرحمان اليوسفي.