- اتهمتم مؤخرا إسلاميي حزب النهضة، بالعودة إلى أساليب عهد بنعلي. هل الأمر فيه انحراف سلطوي؟ - أعتقد أن الأمر متعلق بمحاولة لوضع اليد على جملة من مفاصل الدولة. هذه المحاولة أقول لها توقفي، ولقد نبهت أصحابها أن العملية لن تتم. وكلما نبهناهم يتراجعون. ثمة ربما اتجاه، وليس نية مسبقة، عند جزء من النهضة، التي هي تركيب معقد، لإعادة إنتاج الأساليب القديمة بشكل لا واع. فأردت أن أنبه أنه إذا كنا هنا، فلأجل أن لا نكرر ما سبق، بل لنقوم بشئ جديد مخالف، وهذا يستلزم الحرص على المحافظة على حيادية الدولة. سأقترح، أن لا يعين كبار مسؤولي الدولة من قبل لا رئيس الجمهورية ولا الوزير الأول، بل وأن يضمن ذلك في الدستور الجديد، بل وأن يتم التعيين من قبل لجنة تضم ممثلا عن رئيس الجمهورية والوزير الأول والبرلمان. وذلك حتى تكون الدولة ما لم تكنه قط، ملكية للشعب وليس لحزب سياسي. - تتهم النهضة أنها استحوذت على الإدارة وأن ثلثي الولاة من صفوفها؟ - نعم، هذا صحيح. وهذا مصدر معاناة حقيقية لي. فأنا أرفض أن أكون في وضعية تقاسم قطعة حلوى. فكل ما يرتبط بمفاصل الدولة لا يجب أن يرتبط بالتعيينات الحزبية. - التوترات داخل التحالف الحاكم تتصاعد. البعض يقول إن ثمة فراغا. - هذا غير صحيح. فأطراف السلطة الثلاثة تشتغل. وكثير من الأمور تحققت ضمن هذه الترويكا. وما يجهله الناس هو أن أمورا كثيرة تجاوزناها. الأمر أشبه بالطب نرى الأمراض التي عولجت لا تلك التي تمت الوقاية منها. بطبيعة الحال هناك تشنجات، لكن هذا طبيعي. فنحن من إيديولوجيات مختلفة ومن حساسيات متباينة. فالتعايش بين يساريين لائكيين وإسلاميين محافظين غير يسير دوما. هذا يتطلب كثيرا من التعاون والصبر والتضحية. هذا التحالف يقاوم والأمر معجزة. - هل لا يزال الإسلاميون يتقاسمون معكم نفس المشروع المجتمعي؟ - مشروع مجتمع متعدد، متسامح، حيث المرأة مساوية للرجل. مجتمع منفتح على العالم مع الحفاظ على جذوره، لم تطعن فيه النهضة قط. بل المشكل آت من التيار الصغير للسلفيين. نفس المشروع المجتمعي يطعن من قلة من الراديكاليين اليساريين، الذين يريدون إعادتنا إلى زمن الثورة الثقافية (الماوية). إن المشروع المجتمعي التونسي القائم، المدعوم من الغالبية العظمى للتونسيين، هو موجود منذ 60 سنة، وتوهم أنه سيكون موضع خطر فقط بعد خطبة إمام أو تظاهرة كمشة من الظلاميين، فإن الأمر أشبه بمن يحاول تغيير موقع الغابة، لأن جزءا من شجرة يتحرك. إنه لم يحدث أن حميت الحريات في هذا البلد مثل اليوم. إنني أحب فرنسا، لكنني مصدوم ومجروح ومتألم للصورة التي تعطى فيها عن تونس، التي تدعي أنها بلد ينزلق نحو الأسلمة، وأنها على شفا أن تقع في السلفية. وكل حادث عرضي عادي لا أثر له على المجتمع التونسي، يتم تضخيمه، مثل ذلك الهجوم المؤسف لنائب فرنسي الذي أثار زوبعة إعلامية. إنني لا أدافع عن الخطأ في القضية تلك، لكن هناك ملايين السياح في تونس ولا أحد اعتدى عليهم. لقد أدرك السلفيون أهمية ذلك إعلاميا وسوف يمارسون ضغطا علينا. إن أحداثا مماثلة لا يقاس عليها كمقياس للحكم على تحقق تحول في موقف المجتمع التونسي، لكنها للأسف جد مؤثرة في الإساءة لصورة تونس. - هذا لا يلغي أن جزءا هاما من المجتمع المدني الذي تأمل خيرا في النهضة، أنه اليوم محبط منها؟ - الوضعية صعبة، معقدة، وأنا أتقاسم هذه التخوفات، لكن تونس لا تنزلق نحو زحف إسلامي. فادعاء ذلك فيه تطرف خيال. النقاش السياسي ساخن، لأن هناك قوى منغلقة لم تتعود على العمل الجماعي بعد. وتونس يعاد بناؤها. فنحن ملزمون بإعادة بناء نظام سياسي جديد، نظام تداول للمعلومات جديد، نظام قيم جديد، وكل طرف يحاول أن يعطي لهذه التحديات ما يراه مناسبا من وجهة نظره، سواء بهدوء أو بعنف. إنه مرجل الشيطان. ودوري أنا أن أهدئ الأمور. إنني أقول ذلك لحزب النهضة وكذا لحزبي، حيث البعض يحاول استفزاز الإسلاميين للتأكد إن كانوا سيقعون في المحظور. إن كل واحد من الجهتين يحاول الإيقاع بصاحبه في الخطأ. وإذا ما انفلت الزمام سيقود ذلك نحو العنف. وأنا أقول لهم: هدوءا، فقدرنا أن نتعايش. - ما رأيكم حول مشروع الفصل 28 من الدستور المنتظر الذي يتحدث عن تكامل لا مساواة الجنسين؟ - لنقل إنه خطأ. لقد قلت ذلك لناس النهضة وأعتقد أنهم متفهمون. - وهجوم السلفيين على المعرض الفني بالمرسى؟. - إنه تجاوز آخر. ولقد قلت إنني أفضل تبعات حرية التعبير على المنع. لقد ورثنا ثقافة للاتسامح، ولا يمكن أن تطلبوا من مجتمع عاش 50 سنة تحت حكم شمولي ، أن يتقبل الأمور بين عشية وضحاها. - ما رأيكم حول القانون الخاص بالمس بالمقدس؟ - أنا ضده. الأمر متجاوز. لا مجال لوجود هذا المشروع، خاصة مع وجود قانون يعاقب أفعالا مماثلة. - وسائل الإعلام تدين مسا بحريات التعبير... - إن الحكومة تحاول الدفاع عن نفسها (بشكل فيه أخطاء) عن حملة تستهدفها بعنف. ومثل كل الدول تحاول تأطير الإعلام. لكن الأمر ليس هينا. والذئب السيئ الذي يريد تقويم الإعلام بالعنف مجرد أوهام. لأن ذلك الذئب الذي هو الدولة، يسمح لكلام كثير جارح أن يقال في حقه، وأن يتعرض للهجوم الإعلامي صباح مساء، من قبل أقلام كانت تتعاون مع النظام القديم. ثمة مهنيون يستحقون الإحترام وثمة عصابة لا تعرفون عنها شيئا. لأنهم يتموقعون كثوريين مثاليين بعد أن كتبوا رسائل مخجلة إلى بنعلي وتلقوا مالا عن ذلك. وسوف نقدم ملفاتهم أمام القضاء. - هل ستقولون دوما أن النهضة هي المقابل للديمقراطية المسيحية؟ - نعم، لم أغير رأيي. كانت استراتيجيتي خلال سنوات الرصاص، أن أؤكد أن ثمة تيارا إسلاميا واسعا ، ان الإسلام في أجزاء كبيرة منه متعايش مع الديمقراطية. ولهذا السبب أنا مواصل التنسيق والتعامل مع النهضة. مع يقيني أن جماعة السلفيين لا يرجى شفاؤهم. - مشروع الدستور لن يكون موضوع توافق. فالنهضة تريد نظاما برلمانيا، وباقي الأحزاب ترغب في نظام نصف رئاسي. - إذا لم يصادق على الدستور بأغلبية الثلثين، فإننا سنستشير الشعب من خلال استفتاء. وليس بمقدور الإسلاميين وحدهم الحصول على هذه الأغلبية، بالتالي ليس بمقدورهم فرض رأيهم. نحن أحفاد الفينيقيين، فنحن أهل تجارة منذ 3 آلاف سنة. فلنا حس المقايضة والتوافق. سيكون هناك تراضٍ ، لا خيار لنا آخر.