قليلون هم الذين حين تجالسهم لا تشعر بمرور الوقت ، ولا يتسرب الملل إليك وهو يحكي ويتذكر ويربط الماضي بالحاضر في سيرورة حكواتية ذات نكهة شعبية خالصة . عبد الإله عاجل أحد هؤلاء ، ابن درب الأحباس الذي عايش تقلبات المسرح من صعود وهبوط ، وتواثر المغامرة الفنية في زمن النهوض والتقهقر ، وربط بفرادة بين القول والتأمل ، بين الضحك وهموم الواقع ، عرف كيف يكتسح الساحة رفقة مسرح الحي في مسرحيات شهدت إقبالا جماهيريا كبيرا ، ويثري المسرح المغربي بتجارب هامة سواء في رائعة الزهرة بنت البرنوصي أو في مسرح الكاف لكن قبل هذا وذاك ، يبقى عاجل الإنسان ، صاحب الذاكرة الثرية والعين الثاقبة هو المستهدف من خلال هذه السلسلة ، التي تسعى إلى إعادة رسم مرحلة من تاريخ جيل عانى وكابد فنجح هنا وأخفق هناك ، غنى ورثى وضحك وحزن ، في مسرح الحياة وحياة المسرح في سنة 2004 توجه عاجل ، رفقة زوجته نجوم الزوهرة ، إلى مدينة مراكش لإعداد حلقة نموذجية من سلسلة كان قد كتبها واتفق مع شركة «ناسكم» لعبد الله فركوس أن تنتجها . كانت السلسلة تحمل عنوان « المعلم دندون « وهي باللغة العربية الفصحى ، أما الحلقة النموذجية التي تم تصويرها وقدمت إلى القناة الأولى فكانت بعنوان « من زبال إلى طبال « وقد شارك فيها إلى جانب عبد الإله عاجل ونجوم الزوهرة كلا من المرحوم عبد الرحيم بركاش ، محمد مفتاح ، مصطفى تاه تاه وعبد الله فركوس كانت السلسلة ذات طابع كوميدي لكن إدارة القناة لم توافق عليها ولم تقدم أي تبرير لذلك ، وكان رأي فركوس أن الأمر قد يكون عائدا إلى أن السلسلة كانت ناطقة بالغربية الفصحى وليس العامية ، وهكذا أقبر المشروع كانت الرحلة إلى مراكش فرصة بالنسبة إلى عاجل للقاء الزجال محمد شهرمان الذي أتحف الأغنية الشعبية المغربية بأغاني خالدة متل «الكلام المرصع « ، « العيون عيني « ... وخلال الحديث الذي دار بين الاثنين سأل شهرمان عاجل حول إمكانية القيام بعمل مسرحي مشترك على أن يتولى شهرمان تأليفها ، أعجب عاجل بالاقتراح الذي نقله إلى عبد الله فركوس على أساس أن يكون عمل مشترك بين فرقة عاجل « مسرح الكاف « وفرقة فركوس « المسرح الشعبي» فركوس ، الذي كانت هناك فكرة تراوده منذ مدة ، تحمس للمشروع ، وكانت الفكرة تتمحورحول بائع للمناديل الورقية يتجول في الشوارع والمقاهي عارضا بضاعته قائلا : نظف قلبك ، نظف مخك ، نظف عينيك لترى جيدا .. هكذا سيقضي عاجل أكثر من شهر في مراكش ، يعقد جلسات يومية مع محمد شهرمان الذي التقط الفكرة وانطلق في تأليف المسرحية بعد ذلك عاد عاجل إلى برشيد حيث كان يقطن آنذاك ، وبعد أيام أرسل له شهرمان نص المسرحية ، وجد عاجل نفسه مضطرا لإعادة ترتيب مشاهد المسرحيات وقلص من عدد الشخصيات من 14 إلى 5 ، وكانت مسرحية تنتمي إلى صنف المسرح العبثي لكن بنكهة مغربية خالصة ، وقد اقترح عاجل في البداية أن تحمل عنوان « المقامة الشهرمانية « قبل أن يتم تحويله إلى « سي مشوار « أو» السيد منديل» تتحدث المسرحية عن عائلة استثنائية بكل المقاييس ، تتكون من الأب ، بائع المناديل الأصم ، وزوجته العرجاء ، ولديهما ابنين ، الأول أعمى والثانية بكماء ، وكان الأب يبيع المناديل في الشارع مناديا « منديل أبيض شفاف ، رمز الأمن والأمان والسلم والسلام في هذا العالم « فتلاحقه دورية للشرطة اعتبرت أنه يوجه إلى الناس خطابا سياسيا ، ففر منها ليجد نفسه داخل قاعة للمسرح مملوءة عن آخرها في انتظار بداية العرض ، وهكذا بين مشهد وآخر، وفي قالب عبثي ساخر، نكتشف مآسي هذه العائلة الخارجة عن المألوف حصلت المسرحية على دعم من وزارة الثقافة ، كما احتضنتها الوزارة المكلفة بالمعاقين آنذاك ، وقدمت في المغرب حوالي ثلاثين عرضا ، بالإضافة إلى عرض بهولاندا ، وذلك في مدينة روتردام ، وقد كان عرضا ناجحا حضره العديد من أبناء الجالية المغربية والمغاربية بهولاندا ، وعند نهاية العرض طلب المنظم ، وهوهولاندي ، من عاجل أن يمكث في هولاندا حوالي 4 أشهر ، في انتظار أن تتم ترجمة المسرحية إلى اللغة الفلامانية وتقدم بالمسارح الهولاندية بمشاركة ممثلين هولانديين ومغاربة ، لكن عاجل ، الذي أعجب بالفكرة ، اضطر للاعتذار لأنه كان ملتزما مع « مسرح الحي « الذي كان بصدد القيام بعدة جولات في المغرب في أحد العروض بمدينة شيشاوة ، توجه عاجل رفقة باقي أعضاء المجموعة إلىهناك ، ومن حسن حظه أنه سيحل باكرا ، لأن أن القاعة التي كانت ستعرض بها المسرحية فسيحة لكنها لا تتوفر على خشبة ، طلب الكاتب العام للعمالة من عاجل تأجيل العرض إلى اليوم التالي لحل المشكل ، لكنه رفض معبرا عن استعداده لتجهيز خشبة صالحة للعرض ، شريطة أن تمكنه سلطات المدينة من الخشبات الموجودة في الشارع ، والتي تستعمل خلال الانتخابات والأعياد الوطنية ، وهكذا سيتم تقديم العرض في شرووط مقبولة ، بحضور جمهور غفير من أبناء المدينة لم تشارك المسرحية في المهرجان الوطني للمسرح بمكناس ، لأنها تخلفت عن الإقصائيات ، بسبب انقطاع عبد الله فركوس عن المجموعة لمدة شهرين ، كان خلالها يصور شريطا تلفزيونيا ، وهو ما حز في نفس عاجل ، الذي يؤكد أن المسرحية كانت ستحظى بالتكريم خلال هذا المهرجان ولكن رغم ذلك يؤكد عاجل أن مسرحية « سي مشوار « من الأعمال التي تحظى بمكانة خاصة لديه ، فقد تمكن خلالها من تجريب أسلوب جديد في المسرح ، وزاده ذلك ثقة في النفس وعزم على مواصلة مغامرته المسرحية.