غوانتانامو .. !!.. لم يكن أحد يعرف هاته الكلمة من قبل و لو على سبيل التهجي.. حتى سمع العالم بجزيرة تضم سجنا أمريكيا بهذا الإسم . حدث هذا مباشرة بعد الأحداث المفصلية و «التاريخية» التي ستحدد و ترسم خرائط العالم و الشرق بالخصوص في راهننا العربي الذي يميزه ما يسمى بالربيع و الحراك..حيث الثورات بلا قيادات و لا زعامات ..؟؟؟ تلك الاحداث التي ابتدأت بإسقاط أو نسف مركز التجارة العالمي بحي مانهاتن الأمريكي الشهير .. و لم تنته بعد .. فما يزال ذلك «العقل» يبدع .. و إبداعاته لا تتجاوز حدود المنطقة العربية.. ما علينا... مباشرة بعد الحرب على أفغانستان و دك «دولة طالبان».. و اعتقال العديد، بل المئات و الآلاف ممن يحملون سحنة عربية، بدأت تتسرب أحاديث جانبية و أخبار متناثرة هنا و هناك تقول بوجود معتقل أمريكي سري خارج الضوابط القانونية و غير خاضع للمراقبة. ذاك كان كله مجرد ثكنة عسكرية أمريكية أطلقت أوصالها على جزء من الأراضي الكوبية القديمة، كما يقول التاريخ.. الذي تضيف بعض وثائقه.. أن غوانتانامو يحوزها الأمريكيون بناء على عقد إيجار مفتوح بمبلغ لا يتجاوز الأربعة آلاف دولار سنويا .. و ترفض كوبا لحدود اليوم صرف تلك الشيكات المحولة من الخزينة الأمريكية .. هذا ما يقوله التاريخ .. لكن ماذا عن المعتقلين و المحتجزين الذين زاروا هذا السجن الكبير بعد أحداث 11 شتنبر .. ماذا كان يقع هناك..؟ .. كيف كانت الحياة عند عرب من جنسيات مختلفة.. كل تهمتهم، هي الإرهاب و الانتماء إلى تنظيم القاعدة.. المغاربة كان لهم «حظهم» أيضا من زيارة غوانتانامو .. ذات السياق اختارته «الاتحاد الاشتراكي» للنبش في حقيقة ما كان يقع هناك ، عبر مجالسة و محاورة رضوان الشقوري الذي قاده حظه العاثر إلى هذا المعتقل الأمريكي التي نعتته صحيفة نيويورك تايمز ذات كتابة ب «العار القومي» .. في هذا الحوار المطول الذي خص به الشقوري الجريدة .. سيجد و يطلع القراء على حقائق و معطيات و أحداث بعين مغربية لاقطة عاشت ذلك عن كثب..بعيدا عن وثائق ويكيلكس و صحافة «الخابيات» ... هنا يحكي الشقوري كل شيء .. هذا الرجل الهادئ الصموت الخلوق .. من آسفي إلى غوانتانامو .. مرورا بسوريا و تركيا و إيران .. وصولا إلى أفغانستان و باكستان ، و معها السجون و المعتقلات و التعذيب .. و نهاية عند أقوى جيش في العالم.. { حطت الطائرة في مطار بالعاصمة .. رائحة الوطن المميزة دوما و أبدا.. ماذا كان إحساسك و أنت تسلم إلى المخابرات المغربية..؟ المهم أنني أصبحت في وطني ، و ما دمت حصلت على براءتي من القضاء العسكري هناك ، فلن أجد صعوبة في مصارحة المغاربة ، عندما سمعنا الدارجة المغربية فرحنا أيما فرح ، رغم أن البانضا و الكيس الموضوعين على رؤوسنا كانا يمنعان التحقق و التدقيق . الأمريكيون قبل تسليمنا استعادوا سلاسلهم و تلقفتنا العناصر المغربية بالمينوط المغربي ..... { بعد مغادرتكم لمطار سلا .. شممتم رائحة «لبلاد «و مس خياشيمكم هواؤها .. إنه المغرب أليس كذلك ..؟ رغم كل العذاب ، فالعودة كانت استثنائية و لن أنسى ذلك اليوم . { إلى أين ذهبتم بعدها ..؟ وصلنا إلى كوميسارية المعاريف .. { حول ماذا تركزت الأسئلة، و هل تعرضتم لمعاملة غير مقبولة..؟ بالعكس كانت أسئلة المخابرات المغربية واضحة ، قصة الذهاب إلى افغانستان و ما قبل أفغانستان و ما بعدها .. هل قاتلت الأمريكان ؟ هل تدربت على السلاح؟ ، جوابي لا سلاح و لا جهاد و لا أعرف جماعة مغربية مقاتلة و لا غيرها ، وجدت نفسي في ملف لا علاقة لي بي ، و كانت على العموم معاملة المحققين المغاربة جيدة. { كم بقيتم في المعاريف ..؟ أسبوعا من التحقيقات المتتالية، لم تتعد مثل هذا الكلام . { والأكل المغربي .. الذي لم تتذوقوه منذ سنوات ..؟ لقد وصلنا في الواحدة ليلا إلى المعاريف .. في الحقيقة تعاطف معنا البوليس المغربي، و عرفنا أننا نوجد في الدارالبيضاء ، في كوميسارية المعاريف بالضبط .. مازوز و بنشقرون ولاد كازا .. قيل لنا إن أصحاب الأكلات و المتاجر أغلقت ..سيروا تنعسوا إلى الغد. زنزانة المعاريف فيها كل الاهتراء الممكن، سرير متقادم مكسور صدئ ، بطانية قديمة منسجمة مع أوساخها ، المرحاض يسمح ثقبه بانسلال بعض الجرذان ( الطوبات ) .. في الصباح الموالي أكلنا ألذ «كومير» و ألذ «كوفتير» (مربى ) ، و ألذ نصف لتر حليب .. إنه فطور المغرب و أكل المغرب .. ضحكنا طويلا و قلنا .. «قطران بلادي و كوفتير بلادي و لا حليب المريكان» . { الأمر إذن في المعاريف كان «استراحة» مطلوبة و أجاد المحققون المغاربة في منحها لكم بكل أريحية اولاد البلد.. ؟ فعلا .. بل غضوا الطرف عن بعض رجال الأمن الذين تعاطفوا معنا بعدما علموا أننا من أصحاب غوانتانامو ، و ذهبوا إلى درب غلف و القريعة لاقتناء بعض الملابس لنا ، و إدخال الشاي «أتاي ديالنا» .. و الكفتة ديال اللحم .. { إيوا ما بقاتش المعاريف هاذي .. ولات الريسطو ..؟ تعلم كما يعلمون أننا مررنا بعذاب كبير ، و ماذا بعد سجون آسيا و أمريكا و بعد عذابها ، هل سيكون هناك عذاب أكثر ، الحاج العلوي أحد ضباط التحقيق ، كان يقول لي غير صبر معانا دابا تهبط لآسفي .. شربت لأول مرة قهوة بالحليب و حلوى «ميلفوي» و حكينا لهم كل ما وقع لنا في غوانتانامو و قبل وصولنا إليه .. حقيقة تعاطفوا معنا بشكل عميق .