في سؤال وجواب جديد، يحلّل ناثان ج. براون الخطوات التي أقدم عليها مرسي. ويقول براون إنه يبدو أن اثنتين من أقوى المؤسّسات في البلاد - رئاسة الجمهورية والمؤسّسة العسكرية لا زالتا مسيطرتين بشكل قوي جداً، كما يبدو أنهما تعملان معاً أيضاً. بيد أن قرار مرسي يعزّز سلطة مؤسّسة الرئاسة، التي كانت تعدّ الشريك الأصغر في السابق، كثيراً، ويقايض دورها بالدور الذي لعبته المؤسّسة العسكرية مؤخّراً. ما طبيعة التغييرات التي قام بها مرسي؟ في سلسلة من المراسيم الرئاسية، عيّن الرئيس مرسي القاضي البارز محمود مكّي نائباً للرئيس، وأجرى سلسلة من التغييرات في المناصب العسكرية العليا، وأصدر إضافة إلى دستور مارس 2011 المؤقّت الذي يحكم مصر. تُلغي هذه الإضافة الجديدة. إضافة سابقة أصدرها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في يونيو، والتي وضعت الجيش خارج إطار الرقابة المدنية، ومنحت المجلس العسكري دوراً تشريعياً، وسمحت له بتعيين جمعية تأسيسية جديدة إذا لم تتمكّن الجمعية الحالية من إتمام مهمّتها. ينقل هذا الإجراء السلطات التي تولاها المجلس العسكري على مدى السنة ونصف السنة الماضية إلى الرئيس - وبالتالي يمنح الرئيس سلطة تشريعية مطلقة طيلة الفترة الانتقالية. فهو ( الإجراء)، يسمح له، على سبيل المثال، بتعيين جمعية تأسيسية جديدة إذا لم تتمكّن الجمعية الحالية من صياغة دستور جديد. ومع ذلك، فقد أبقت هذه الإضافة على التسلسل الجديد للمرحلة الانتقالية الذي قرّره المجلس العسكري في يونيو، والتي ستتم فيها كتابة دستور جديد والتصديق عليه وبعد ذلك تعقد الانتخابات البرلمانية. (بعبارة أخرى لا يوجد أي تغيير كبير في التسلسل، الذي تغيّر هو أن التسلسل يقوم على سلطة الرئيس بدلاً من سلطة المجلس العسكري). هل يمكن لمرسي القيام بذلك؟ الجواب القصير هو: نعم، لقد فعل ذلك. لكن الجواب الطويل أكثر تعقيداً بعض الشيء. سلطة مرسي في تعيين نائب جديد للرئيس لم تكن موضع منازعة، حيث كان الشرط الوحيد هو أن يجد فرداً أو مجموعة من الأفراد الذين يمتلكون المؤهّلات القانونية لخلافة الرئيس. كانت سلطة الرئيس على التعيينات العسكرية أقل وضوحاً بكثير، لكن من المرجّح أن تبقى التغييرات ثابتة. إذ يبدو أن الإعلان الدستوري المكمّل الذي أقرّه المجلس العسكري في يونيو 2012 قد قلّص الكثير من سلطة مرسي على مثل هذه الأمور. لكن خلال الأسبوع الماضي، اتّخذ مرسي سلسلة من الخطوات التي أكّدت بعض سلطاته بصورة رمزية، بموافقة المجلس العسكري على ما يبدو (وهذه تشمل بعض التغييرات الأقل دراماتيكية في صفوف الموظفين العسكريين وعقد اجتماع للمجلس العسكري برئاسة مرسي نفسه، في تناقض واضح مع الإعلان الدستوري المكمل في يونيو 2012). تداول المراقبون انطباعاتهم حول ما إذا كانت هذه الخطوات رمزية فقط، أو أنها تبشّر بانتقال السلطة إلى مؤسّسة الرئاسة. ويبدو أن قرارات الأمس أوجدت حلاً لهذا النقاش. وتشير الطريقة التي تقبّل بها الأفراد المعنيّون التغيرات بسرعة إلى أنه بغضّ النظر عن الطبيعة الغامضة للسلطة الرئاسية، لن تكون هناك مقاومة لهذه الخطوة. أخيراً، بشأن هذه الإضافة الجديدة إلى الإعلان الدستوري، سيحصل مرسي مرة أخرى على الأرجح على النتيجة التي يريدها، على رغم أن احتمال تعرّضه إلى تحدٍّ قوي على أسس قانونية لا يزال ممكناً تماماً. في الشهر الماضي، قضت محكمة في القاهرة بأنه لامجال للطعن قضائياً في جميع الإجراءات الدستورية التي اتّخذها المجلس الأعلى للقوات المسلحة في الفترة بين إطاحة الرئيس مبارك وانتخاب مرسي، ورأت المحكمة أنه كانت هناك حالة ثورية، وأن الإجراءات التي اتّخذها المجلس العسكري غير قابلة للمراجعة من قبل المحاكم. لكن ضمنياً، لاوجود لمثل هذه الحالة الثورية في الوقت الحالي. منذ أن تولّى مرسي السلطة، طالب كلٌ من الرئيس والمجلس العسكري، وبطرق مختلفة، بأن تكون العملية التشريعية من اختصاصه. لذلك يمكن لأي محكمة أن تحكم بسهولة بأن مرسوم مرسي الدستوري لايحمل الشرعية الثورية ولا التصديق اللازم من المجلس العسكري بوصفه سلطة تشريعية. من شأن هذا أن يكون حجّة لها أساس قوي في نصّ الدستور والقانون العام، لكنها ضعيفة في مجال السياسة. إذ ربما ترفض المحاكم الإدارية أو المحكمة الدستورية العليا في الواقع احترام إضافة مرسي. لكن ما لم تكن هناك معارضة قوية من قوة سياسية مؤثّرة (ويبدو أن الخصم الأرجح، المجلس العسكري نفسه، يتوافق مع الرئيس بدلاً من ذلك)، فإن المحكمة التي تتخّذ مثل هذه الخطوة ستكون جريئة في الواقع. هل نسّق مرسي خطواته مع المؤسّسة العسكرية؟ نعم، إلى حد ما. لكن قد لايتّضح مدى هذا التنسيق تماما. وبشأن التعيينات، يوحي قبولها بشكل سريع من جانب المتضرّرين بحصول بعض المشاورات المسبقة على الأقل مع الجهات الفاعلة الرئيسة. بيد أن شروط التفاهمات التي تم التوصل إليها تبدو أقلّ وضوحاً. جرت أيضاً بعض المشاورات بشأن الإضافة الدستورية التي أعلنت في 12 غشت (على رغم أنه قيل إنها مؤرّخة في يوم سابق). في بداية هذا الشهر، قال لي مسؤول كبير في الرئاسة إنه تجري صياغة مثل هذه الوثيقة. في تلك المرحلة المعنيّة، كان النقاش يتعلّق بإضافة أقلّ شمولاً في نطاقها، لكنها، مع ذلك، يمكن أن تعتبر محاولة قوية لتسلّم السلطة. وقيل لي أيضاً إنه جرت اتصالات ومفاوضات متواصلة مع القوات المسلحة كجزء من عملية الصياغة. وتولّد لدي انطباع قوي بأن هناك قدراً أقلّ من المشاورات السياسية تجري مع الجهات المدنية الفاعلة، على الأقل في ذلك الوقت. وأين يبقي هذا مصر الآن؟ بعد تنصيب مرسي، حكم البلاد نظام استلزم حصول زواج قسري بين رئيس من جماعة الإخوان المسلمين ولجنة من الجنرالات. وعلى رغم طبيعة هذا الزواج، كان ثمّة دلائل قوية على أن الجانبين كانا يعملان على وضع مجموعة من الترتيبات - تستند إلى تفاهمات هادئة أكثر منها إلى قواعد دستورية مكتوبة - لحكم البلاد بصورة مشتركة. في البداية بدت مؤسّسة الرئاسة، إلى حدّ ما، شريكاً صغيراً مقيّداً في هذه الترتيبات. الآن تبدّلت الأحوال. الحكم المشترك نفسه لازال قائماً، ولكن أصبح الرئيس فيه طرفاً فاعلاً أكثر قوة. في الواقع، من خلال إلغاء الإعلان الدستوري المكمل الصادر في يونيو 2012 أعاد مرسي طرح نفسه الآن وبصورة قانونية بوصفه رئيساً للمجلس العسكري نفسه (أسند هذا المنصب للرئيس بالقانون، وبالفعل فقد كان مبارك يتولّى رئاسة المجلس حتى اضطر إلى الاستقالة). هناك مجموعة من مؤسسات الدولة التي يمكن أن تقاوم الهيمنة الرئاسية والتي ستكون حريصة على تأكيد استقلاليتها. ومع ذلك، ربما تتّخذ مثل هذه المعارك شكل حرب عصابات طويلة الأمد بدل أن تكون مواجهة مفاجئة. اختيار مرسي لمحمود مكي، وهو قاضٍ بارز، لمنصب نائب الرئيس - بعد اختيار أحمد شقيق محمود وزيراً للعدل - قد يكون محاولة لتحقيق مكاسب على حساب المعارضة القضائية. فقد كان الأخوان مكي من الأعضاء البارزين في حركة الإصلاح القضائي في العام 2005، وبالتالي فإنهما يتمتّعان بشيء من المصداقية في الأوساط المعارضة للنظام السابق. وقد تردّدت شائعات أيضاً بأن لدى الشقيقين ميولاًت إسلامية معتدلة، على رغم أن من الصعب تقييم مثل هذه الشائعات، لأنه نادراً ما يكشف القضاة عن مشاعرهم الحزبية، حتى عندما تكون لهم مثل هذه المشاعر. لكن تعيين قضاة بارزين في مثل هذه المناصب , وانتشار تلميح لفترة وجيزة يشير إلى أن وزير العدل الجديد وضع مشروع قانون قضائياً جديداً سيصدر بموجب مرسوم رئاسي (لا ينتظر البرلمان الجديد) - ربّما يكون وسيلة لإرسال رسالة إلى السلطة القضائية مفادها أن تسوية الخلافات بدلاً من الهجوم المباشر الكامل قد تكون أفضل إستراتيجية بالنسبة لمن يشعرون بالقلق بشأن الرئاسة وصعود الإسلاميين. ليس من الواضح بعد ما إذا كانت مؤسّسة الرئاسة، المتحرّرة بصورة مؤقّتة من وجود عوائق قوية على سلطتها، ستركّز اهتمامها على إعادة هيكلة السلطة القضائية. لكن القضاة سينقّبون بالتأكيد في البيانات والقرارات الرئاسية بحثاً عن مؤشرات على نوايا مرسي. ما هي حال العملية الانتقالية في مصر؟ يبدو من المرجّح أن تستمر الجمعية التأسيسية الحالية في مصر في أداء مهمتها، فإجراءات مرسي ربما تعطيها، في الواقع، بوليصة تأمين غريبة. سيكون لزاماً على أي معارضين محتملين للجمعية التأسيسية أن يفكّروا مرتين بشأن التشكيك في شرعيتها أو عملها، لأن فشلها سيتبعه تشكيل جمعية تأسيسية يعيّن مرسي أعضاءها بالكامل. وبالمثل، فإن الأعضاء الحاليين غير الإسلاميين في الجمعية ربما يقدّرون أن العضوية القائمة - التي كانت تعمل إلى حدّ كبير من خلال النقاش والتوافق في الآراء - هي أفضل رهان على إنتاج وثيقة دستورية يمكنهم أن يرضوا بها. أما المحاكم الإدارية، التي تفكّر حالياً في تحدّي الشرعية الدستورية للجمعية التأسيسية، فقد أظهرت دلائل على السماح للهيئة بمواصلة عملها. ومن المرجّح أن يكون القضاة متنبّهين إلى أنه إذا صمدت الإضافة الدستورية التي قام بها مرسي، فسيكون الخيار بين جمعية تضم الكثير من الإسلاميين، وأخرى يعيّنها شخص إسلامي بالكامل. من المرجّح أن يسفر العمل السريع على تشكيل الجمعية التأسيسية عن وثيقة تشبه دستور العام 1971، لكن مع بعض التعديلات. ويتعيّن تقديم مسوّدة الدستور إلى الناخبين قبل نهاية السنة، وعلى افتراض أنه ستتم المصادقة عليه، فسيتبعه إجراء الانتخابات البرلمانية في غضون شهرين.