المتتبع لجلسة أول أمس المخصصة لمساءلة رئيس الحكومة من قبل السلطة التشريعية، معارضة وأغلبية، طبقا للفصل 100 من الفقرة الثالثة من الدستور والمخصصة لمحورين اثنين، ويتعلق الأمر بالوضعية الاقتصادية والمالية بالمغرب من جهة ووضعية الاقتصاد الوطني في ظل الأزمة العالمية والتدابير الحكومية لتجاوز الظرفية الحالية وتقوية مناعة الاقتصاد الوطني من جهة أخرى، يعتقد أن الأمر لا يتعلق بهذين المحورين بل الأمر منخرط حتى النخاع في توجيه رسالة من تحت الماء الى من يعنيه الأمر بالنسبة لرئيس الحكومة، الذي حمل حصيلة الأسبوع من المشاداة الكلامية على صفحات الجرائد لينقلها الى قبة البرلمان، الشيء الذي أضاع على رئيس الحكومة شد الانتباه الى المقدمة التي حاول أن يجيب فيها عن اكراهات الوضع الاقتصادي في البلاد. وهي أرقام لا تختلف عن التي قدمها وزير حكومته في الاقتصاد والمالية، لكنها أرقام كانت تبحث عن أعذار في لغة رئيس الحكومة الذي أرجع أسباب الأزمة ،مرة للازمة العالمية ،ومرة أخرى للسياسات الحكومية السابقة. لكن يبدو أن بنكيران يضع المعارضة في كف ومحيط القصر الملكي في كفة اخرى، كما يبدو أن الرئيس جاء هذه المرة لتوجيه رسائل الى المحيط الملكي، قائلا: "إن عهد التحكم بالسياسة وتوجيه عمل الوزراء بالهاتف وشتم المسؤولين قد ولى ولم يعد ممكنا. " والتفت الرئيس مجيبا نائبة من فريق الأصالة والمعاصرة ناعتا إياها ب" سيدة" دون الاشارة الى صفتها النيابية: قائلا: "اللي كيحاربونا اليوم وبكل الوسائل، خائفون وحنا غاديين نجحو" وأضاف "اسلوب الاستفزاز والتحدي لا يزيدني إلا إصرارا" ، متهما جهات لم يحددها بتحريض الشارع ضد الحكومة وضد حزبه، مشيرا الى أنه بالفعل يخوض تجربة صعبة بتحالف يضم أحزابا مختلفة. وكان رد بنكيران قاسيا جدا ضد حزب الاصالة والمعاصرة وضد التجمع الوطني للأحرار الذي اتهم رئيس حزبهم صلاح الدين مزوار وزير المالية السابق بتزوير الارقام قائلا: " توقعت الميزانية التي أعدها وزير المالية مزوار نسبة العجز في3,5 في المائة واكتشفنا ان النسبة 6 بالمائة بعد مراجعة الارقام" مشيرا الى أن الأمر متعلق بتزوير ارتأت رئاسة الحكومة عدم الخوض فيه، وكأن لسان حالها يقول، مرة أخرى " عفا الله عما سلف ". ولم يفت بنكيران أن يذكر بربيعه العربي على أساس أنه أنقذ المغرب من وحل الثورة، قائلا: " إن المشكل في المغرب سياسي لا اقتصادي كما يحاول أن يوهمنا بعض السياسيين وأن "أبواب المجهول" كانت مفتوحة أمام المغرب قبل سنة. وأضاف بنكيران مهاجما أشخاصا فضل عدم ذكر أسمائهم بأنهم دخلوا الجحور أثناء الحراك بالمغرب وعادوا ليطلوا برؤوسهم الآن، وأنه وحزبه جاءت بهم الأزمة، ولم يأتوا بالأزمة كما جاء في تدخلات فرق من المعارضة. وذكر الرئيس الذي رأى رؤوسا قد أينعت وترك للنائب بوانو قطافها، والذي تجند بدوره بمزيد من الأدوات الحربية الكلامية التي اعتادها نصرة لأخيه ظالما أو مظلوما، بأن حزبه يحتل مكانة في نفوس المغاربة وأن هؤلاء رعاياه الذين رفضوا الخروج الى الشارع رغم قسوة الزيادة في الأسعار وإلهاب أسواق الفقراء غلاء واشتعالا في الجيوب والنفوس التي خابت انتظاراتها من حكومة بنكيران. ولأن بنكيران" مايسترو الشعب" الذي يهدئه متى يشاء ويحرضه ،ويدعوه للثورة إذا أراد، فإن صياحه الحماسي وثقته في نجاح الحكومة والتحام الرئاسة بالشعب فاقت كل التصورات رغم أن بنكيران لا يؤمن بالتوقعات الاقتصادية الظرفية، ويعتبر ذلك في علم الغيب كما جاء في رده على من انتقدوه كونه لا يسير البلاد على المدى البعيد شأن التسيير العقلاني في البلدان التي تحتكم الى قراءة المستقبل من أجل مخططات على المدى البعيد. ولفت الانتباه أن رئيس الحكومة جاء هذه المرة الى قبة البرلمان رافعا راية السلام مع الفريق الاشتراكي وحزبه وجريدته، وبلغة تناست كل الحروب الكلامية التي تقف صفا الى صف عمر الحكومة نصف الملتحية، على المستوى الزمني، أبدع فيها وزراء العدالة والتنمية شتى الاتهامات والهجوم على الفريق والحزب داخل اللجن النيابية والجلسات العمومية. وبلغة" ضربو وبكى سبقو واشتكى" وجه بنكيران اللوم لرئيس الفريق موجها الكلام الى أحمد الزيدي بأن يطلب من جريدة الحزب الكف عن التخصص في انتقاده. والحال أن الجريدة لا تنقل إلا وقائع شطحاته وشطحات وزراء حزبه الذين منذ أن استوزروا اشتغلوا على مخطط تلميع وجوههم بالقفز على نضالات الاتحاديين من داخل التدبير والمعارضة التي قدموا حياتهم فيها من أجل وطن يكون فيه رئيس الحكومة يتوفر على صلاحيات واسعة لتدبير البلد، وهو الأمر الذي يعتقده وزراء وبرلمانيو العدالة والتنمية أنه جاء من حراك لا يفكرون في مرجعيته المغربية الممتدة الى عقود خلت تأسست على أكثف مناضليها، خارطة طريق آمنة لوطن آمن بالاختيار الديمقراطي، لا بالربيع الملتحي .