لم تجرؤْ عائشة على النظر إلى محمّد وجها لوجه، ولا حتّى على التحرّك. بقيتْ جامدة في مكانها لا تلوي على شيء. كانتْ تجهل مظاهر الحركة والمشي في مثل هذه الأجواء. إنّ حضور هذه الشخصيات الكبرى التي تأكلها بعيونها الفاحصة، أمْر يخجلها كثيرا. لمْ تدْر ما ستفعل ولا ما ستقول، بل لقد ماتتْ من خشْية أنْ ترتكب خطأ، أو أنْ تكون مثيرة للسخرية، أو أنْ تتسبّب في أيّ حرج لأَبَويها. قدّمت والدتها أمّ رومانْ قدحا كبيرا مملوءا بحليب الناقة، الذي لا يزال يحتفظ بدفء ثدْييْ الناقة، وقدّمته إلى النبيّ المبتسم. شرب منه جرعة واحدة ثمّ قدّمه بدوره إلى عائشة التي رفضتْه، لكوْن معدتها مضطربة من شدّة الخوف. أصرّ عليْها محمد، فوضعتْ شفتيْها داخل القدحَ الذي شربتْ منه نزْرا قليلا قبل أن تمرّره إلى أختها أسماء التي مرّرته هي أيضا من يد لأخرى. وكان كلّما شرب أحد المدعوّينَ مرّره إلى جاره، بعد أنْ يعبّر للزوْجيْن عن آيات الامتنان والدعاء بالتهاني والسعادة: - مبروك عليْك، متمنياتي بالسعادة? قُضيَ الأمر إذن، وكان ما كان مقدّرا، وتزوّج محمد بعائشة، وانتهتْ مراسيم حفل الزواج: لا موسيقى ولا وليمة. انفضّ الجمْع ، وأخذ محمد بيد زوجته الشابة. في غَبَش المساء، قادها إلى بيْتها الذي أعدّه لها على مبعدة خطوات قليلة من بيتهم. التفتتْ عائشة بقلب منقبض لكيْ تلقي نظرة أخيرة على البيت الأبوي الذي تحتفظ فيه بذكرياتها وبدُماها اللامبالية. في باحة المسجد، اكتشفت بيتها الجديد: جدران من الآجُر الطينيّ، تحت سقف من القشّ. ينفتح الباب على فضاء مخصّص للزّوّار، يحجبه فراش من الصوف ممتدّ على طول الغرفة، ويحجب بالأساس الجزء الحميميّ من البيت. وهو عبارة عن غرفة كبيرة يقتصر أثاثها على الحدّ الأدنى منه: سجّادة تغطي الأرضية المتربة، صندوق كبير لحفظ الملابس، وسائد للجلوس. في زاوية من الغرفة، يوجد السرير المكوّن من أغطية مخيطة في شكل أكياس. وفي الزاوية المقابلة أواني الحياة اليومية: جفنة ماء وإبريقها، ثلاث جرّات طينية: واحدة للماء، والثانية للزيْت، والثالثة لتخزين الحبوب. بادرها محمّد قائلا: - كلّ هذا لك يا عائشة، تصرّفي فيه كما يحلو لك. حرّكتْ رأسها معلنة عن موافقتها بدون أنْ تنبس ببنْت شفة. وبدأتْ تتثاءب وهي تفرك عينيْها لكيْ تغالب الحاجة إلى النوْم. لم تحتفل بعدُ بسنتها العاشرة. لذلك فإن ما عاشته من أحاسيس وانفعالات خلال النهار أنْهكها وأتعب جسدها الطريّ. حلّتْ حزام فستانها الذي سقط عند قدمْها. وبحركة رشيقة قامتْ بتخطّيه وارتمتْ بقميص نومها فوق السرير بدون غطاء، واستسلمتْ للنوم على الفور متناسية زوجها محمّدا. ظلّ محمد، الذي تأثّر كثيرا بهذه البراءة الطفولية، يتابعها لمدة طويلة قبل أنْ يلتحق بها على السرير، مكتفيا بمداعبتها برقّة متناهية، ومستمتعا بجمال هذه العذراء الخادرة ذات الاستدارات المتناسقة. قلبه ينفعل عاطفيا، ويمتلئ حنانا. لم يجرؤ على التحرّك وهو بجانبها، خشية أن يوقف هذه النظرات التي تستمتع بها عيناه. سوف يأخذ وقته الكافي، كما خمّنَ، من أجل امتلاك غزالته الصغيرة دون أنْ يفزعها. سيصبر حتى يتعوّد على لعبها الطفولي. وحين استيقظتْ من نومها في الصباح، ووجدتْ رسول الله ممدّدا بجانبها، لمْ تفهم عائشة أنّ الوضعية ليستْ لائقة ولا عادية بما أنها زوجته. نظر إليها متبسّما، وطبع قبلة خفيفة على كتفها. ارتعشتْ وتراجعتْ إلى الوراء. تذكّرت ما كانوا يقولون لها عن ليلة الزفاف. لكنها لمْ تشعر بأيّ أَلَم، ولمْ تحتفظْ بأيّة ذكرى عنه. لم يحدث أيّ شيء مادامتْ قد نامتْ. غير أنّ الوقت كان ساعتها قد حان، ولا محالة أنها سوف تتألّم. قال لها محمّد: - عسلَ روحي، لنْ أسبّبَ لك أيّ ألم. تعاليْ عندي، أنت الآن زوجتي التي اختارها لي الله. وأنت كذلك فتاة جميلة ينبغي أنْ أحافظَ عليْها. لمْ تَخَفْ عائشة من صديق والدها، الذي تعرفه منذ سنوات، والذي أصبح الآن زوجها. ثمّ إنه ليس عنيفا مثل أحد صحابته، هو عمر بن الخطّاب الذي يتكلّم بصوْت مرتفع، ويمتشق سيفه لأبسط مخالفة وأتفه الأسباب. ما يقلقها هو كونها لا تعرف شيئا، فكيْف سيكون الألمُ؟ إن أنامل محمد الرقيقة تبدّد المخاوف. لذلك استسلمتْ للأمر، وتركتْ نفسها لأيدي محمّد. وشيئا فشيئا اعتادتْ على جسد زوجها وعلى مداعباته. وفي الوقت ذاته، أعطى لنفسه الوقت الكافي من أجل تعويدها على مُتَع الجسد وفنونه. لقد أوحى له الله بالقاعدة التالية التي ينبغي اتّباعها: ثلاثة أيام وثلاث ليالٍ كافية للزوجة التّيّب سودة، بينما الزوجة البكْر تحتاج إلى وقت أطول وصبْر أكبر. ولهذا فإنّ سبعة أيّام وسبعَ ليالٍ ستكون ضرورية لكيْ تتعلّم عائشة أسرار العلاقة العاطفية والزوجية، فضْلا عن باقي الأمور العملية التي تفيدها في الحياة. كان يفكّر في أنْ لا تكون أمّ ولده الآن، بقدر ما تكون محبوبته إلى الأبد. بعد الأسبوع الأول من زواجهما، وانقضاء ما يشبه شهر العسل، سوف يعود محمد إلى اهتماماته وانشغالاته الأخرى كرجُل دين ودولة. الزّواج جميل، لا ألَم ولا معاناة، هذا ما اكتشفته عائشة. لكنْ عندما علمتْ بخروجه إلى الحياة العامة، انتفضتْ وغضبتْ. غير أنه طمأنها قائلا: - لا تخافي، لنْ أكون بعيدا عنْك. سأكون على مبْعدة خطوات منك فقط، في الجانب الآخر من الباحة، داخل المسجد. غدا: الرسول يغضبُ من اهتمام عائشة بجمال البيْت