موضوع شائك، ويحتاج إلى مهارة خاصة من أجل الخروج من المطبات التي يطرحها بأقل خسارة ممكنة. ودليلنا على ذلك أنه ليس أرضا غير مطروقة، إذ كلما أثاره باحث أو تطرق إليه طالب كلما أدرك أنه يمشي في حقل ألغام هائج تصنعه توترات الصراع بين «العقل» والتعلق الشامل بالمقدس الديني. ذلك أن أي «شبهة حياد ديني» عادة ما يترجمها الغلاة إلى مسّ وانتهاك للانتماء الديني، وهو ما يطرح إشكالات أخرى ترتبط ب»التكفير» و»الارتداد» و»إهدار الدم» و»المحاكمات».. سبق أن أوردنا في مستهل حلقاتنا حديثا نقله ابن سعد في «الطبقات الكبرى»، عن «محمد بن عمر حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال: قال رسول الله (ص) كنت من أقل الناس في الجماع حتى انزل الله علي الكفيت فما أريده من ساعة إلا وجدته وهو قدر فيها لحم». وفي حديث آخر، «أخبرنا محمد بن عمر قال وحدثنا بن أبي سبرة وعبد الله بن جعفر عن صالح بن كيسان مثله أخبرنا محمد بن عمر حدثني أسامة بن زيد الليثي عن صفوان بن سليم قال: قال رسول الله (ص) لقيني جبريل بقدر فأكلت منها وأعطيت الكفيت قوة أربعين رجلا في الجماع». وفي «الجامع الصغير» للسيوطي: «أنبانا ابن جريج قال?:? أخبرت عن أنس بن مالك قال?:? قال النبي (ص)?:? أعطيت الكفيت قيل?:? وما الكفيت؟ قال?:? قوة ثلاثين رجلا في البضاع، وكانت له تسع نسوة وكان يطوف عليهن جميعا في ليلة?». وجاء في «مجمع الزوائد ومنبع الفوائد» للهيثمي، «عن جابر قال: أعطي رسول الله الكفيت. قلت للحسن: وما الكفيت؟ قال: البضاع». ونقل ابن الأثير أن «الكفات: الجماع». وإذا كانت أحاديث «الكفيت» متنوعة، وأرودها الرواة والفقهاء بكثرة في مصنفاتهم، فإنها مع ذلك لم تسلم من «تجريح» بعض الفقهاء الآخرين الذين قالوا بعدم صحتها، وبذلوا مجهودات كبيرة في إظهار فسادها على وجه إسنادها، حيث اعتبروا «الكفيت» من جملة التدليس الذي أُدخل على النبي.. وبين هذا الفريق وذاك، ورغم اختلاف معنى «الكفيت» حسب تفاسير الفقهاء، تثبت أهمية الجنس في حياة الرسول، وهذا ما تشير إليه مجموعة من الأحاديث التي لا وقع عليها إجماع. فالنبي لا يخفي ولعه بالنساء، ولا إقباله الكثيف على الجماع، رغم أن هذا الولع خلف ردود أفعال مختلفة لدى المفسرين، فبينما يرى البعض (النسائي، الطبري، الحافظ) أنه ليس دليل شهوانية، بل دليل اكتمال رجولة، ذلك أن الله، حسب ما ينقله القرآن، لم يأمر بالرهبانية والتبتل والامتناع عما أحلَّ من الطيبات.. فإن آخرون يجتهدون، كل من موقعه ومرجعيته الدينية والفكرية، في اتهام نبي الإسلام بالتهافت الهائل على النساء، ويمعنون في «الفضح».. وكأن النبي ليس بشرا، وكأن الإسلام جاء لمحو الجنس من فراش المبعوث، وتثبيته في تلقي الوحي وتعليم المؤمنين أصول دينهم؟ ومن ذلك «استعمالهم» لمجموعة من الأحاديث التي تُروى في الصحاح. ففي صحيح مسلم، «يروى أن رسول الله ( ص ) رأى امرأة فأتى امرأته زينب وهي تمعس منيئة لها فقضى حاجته ثم خرج إلى أصحابه، فقال: «إن المرأة تقبل في صورة شيطان وتدب في صورة شيطان، فإذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فإن ذلك يردها في نفسها». وفي رواية أخرى : أن النبي (ص) رأى امرأة فدخل على زينب بنت جحش فقضى حاجته منها ثم خرج إلى أصحابه فقال لهم : « إن المرأة تقبل في صورة شيطان، فمن وجد من ذلك شيئا فليأت أهله، فإنه يضمر ما في نفسه».. ويستدلون على ذلك أيضا بما يرويه البخاري عن عائشة: «كنت أطيب رسول الله ( ص ) فيطوف على نسائه ثم يصبح محرما ينضح طيبا».