يبدو أن السنتين من غليان الشارع المغربي، حيث ناقش ورافع عن مفاهيم كبيرة، من قبيل «الديمقراطية» و»الكرامة» و»المساواة»، لم تستطع جر التلفزة الوطنية، للانخراط في النقاش وتنشيطه وتوجيهه بالشكل الأمثل، كما يبدوا أن جنون القتل المستعر في دول مشابهة، وإمارات السوء التي بدأت تطلع علينا تباعا في بلادنا، من تهديدات بالقتل والتكفير، وممارسة أشكال عدة للاعتداء على حرية الآخرين، كل مرة بمبرر مختلف، لم تستفز قناتينا، و وزراتنا الوصية على قطاع الثقافة للتحرك، خصوصا في مناسبة يُفترض في الإعلام أن يعطي فيها أعز ما يملك، ويستغل فسحة الصوم، لزراعة قيم التسامح، ويحض على الشعر والفكر والإبداع، ويؤذن في الناس بالصوم عن الأذية. القناتان ليستا لوحدهما في ذلك، ويبدو ولكأن الأمر وكأنه سياسة اتفق عليها الجميع، إذ يجد الزائر للموقع الالكتروني لوزارة الثقافة، أن الوزارة لم تُدرك بعد أن «رمضان هل هلاله»، و لا تحتوي على أية علامة مميزة لهذا الشهر المميز عند المغاربة، وبدل أن ينشط موقع الوزارة بشكل مستمر، مشكلا موضعا لتشبيك الأنشطة الثقافية في البلد، والنقاش في مرحلة أخرى، تجد مثلا، أن الخانة التي تنقل تغطيات عن الأنشطة الخاصة ب»الفكر والابداع»، لا تحتوي أي نشاط سيأتي في الأيام المقبلة، أو حتى تلك التي عرفتها بلادنا منذ أيام، بل وتتحدث عن آخر نشاط، وفيه عبارة عجيبة، توصف النشاط بأنه «في شهر أبريل الجاري»، ما يعني أن الصفحة لم تتجد، و لم يتهيأ لها أن تتنبه أن أبريل جرى قبل أكثر من أربعة أشهر، وأن ما يجري الآن يوم آخر وشهر آخر، هي أشياء أخرى، ظهرت طيلة الأربع أشهر، مضمونها معارك أخرى، وتحديات أخرى. ولولا أشكال المقاومة التي يخوضها الفاعلون الميدانيون، لكان الوضع أكثر سوءا، إذ تنشط في رمضان، مجموعة من الأسمار الشعرية، والنوادي الأدبية، (أعطي مثالا بالنشاط الذي تعرفه مكتبة الكرامة، أو مبنى الباطوار بالدار البيضاء، ونوادي لكتاب ظهرت هنا أو هناك)، مستغلة الأنترنت -ليس موقع وزارة الثقافة على أية حال-، كفضاء للانطلاق والتعارف، بما توفره الشبكات الاجتماعية خصوصا، من إمكانيات لتقريب المهتمين بعضهم من بعضهم، الشيء الذي يكون له عظيم الأثر في مجموعات صغيرة أو متوسطة العدد، على الدولة أن تتحمل مسؤوليتها حتى تصير حالة مُجتمعية، وليس فقط جزر معزولة هنا وهناك. ويُشرع صمت الوزارة والقناة والمؤسسات في هذا الشهر، عن زراعة قيم التسامح والعطاء والتمدن، واكتفاء قناتينا وإذاعاتنا بالضحك «الباسل»، الباب إلى أقصاه، أمام المتطرفات لتُعبر عن ذاتها هنا عبر كهل أقرب للجنون منه للعقل يكسر منبرا، وهناك عبر شاب يكسر رأس آخر مختلف عنه، لوجهة نظر مختلفة، أو يكسر حوض شابة لم يعجبه شكلها أو لباسها، أو اختلفت مع تمثله عن المرأة، وهو يحسب أنه يحسن صنعا، ويجاهد في سبيل الجنة. لقد انتشر في وقت سابق، اتهام «المسؤولية المعنوية»، ساعة الأحداث الإرهابية الأثيمة، التي كانت قد عرفتها بلدنا قبل سنوات، وإن كان يُفترض في المؤمن ألا يلدغ من الجحر مرتين، فعلينا أن ننتبه الآن، إلى أن صمتنا المطبق عن استئناف النقاش الثقافي والقيمي، عبر وسائط الإبداع والشعر والرواية والتداول، وأن برمجة تلفزية بئيسة هي أقرب للهذيانات منها للفكاهة، والهروب عن فرض جرعات كافية من ثقافة التسامح وثقافة التداول، لن يؤدي بنا إلا لاحتداد موقف كل في جهته، بنا قد يأخدنا لا قدر الله إلا إلى أسوأ من الشيخ الذي يهدد بقتل هنا، والشاب الذي يطارد الشابات بالضرب هناك.. في إرهاب لعله أسوأ من سابقه في سرعة الانتشار، وفِي كُلٍ سُوءْ.