يبدو أن التأقلم والتكيف مع الموقع الجديد في التدبير الحكومي لحزب العدالة والتنمية، بدأ يدب و يتدرج في تغيير ثقافة مناضلي ومناصري هذا الحزب، فليس شكليا ولا عفويا أن يؤثث الحزب قاعة المؤتمر الوطني السابع خلال الجلسة الافتتاحية يوم السبت الماضي، إلا بشعارين اثنين، «القدس عاصمة لفلسطين»، «التشبث بالوحدة الترابية»، وليس كذلك تلقائيا أن تغيب الأغاني الدينية والإسلامية كما كانت حاضرة بقوة في المهرجانات السابقة لهذا الحزب، لتحضر بقوة أغاني مغربية جميلة ذات الإيقاعات الحماسية من قبيل «بلادي يازين البلدان» للفنان المغربي نعمان لحلو، والأغنية الشهيرة «صوت الحسن ينادي من أجلك يا صحراء» التي تم إبداعها بمناسبة المسيرة الخضراء، وأغاني فلسطينية لمارسيل خليفة «منتصب القامة أمشي»، «مناضلون بلا عنوان مناضلون في أي مكان»... وليس طرفا أو عشقا في الغنى أن يصفق عبد الاله بنكيران ويتمايل مع أغاني مرسيل خليفة فوق المنصة، وهو الرئيس السابق لحركة التوحيد والإصلاح، الدراع الدعوي لحزب العدالة والتنمية، إنها روح التأقلم مع الموقع الجديد، والتكيف مع الواقعية السياسية لمسايرة الواقع من أجل ربح النقاط لكي لا يخسر حزب العدالة والتنمية في الامتحان كما يحلو لأمينه العام ترديد ذلك في عدة مناسبات، على أن الحزب ووزراءه وبرلمانييه في امتحان. أن يختار الحزب إطلاق أغاني لها إيقاعات حماسية وتستعمل فيها آلات موسيقية وضبط الإيقاع ويسايرها عموم المؤتمرين والمؤتمرات دون اعتراض ، فهذا «تحول كبير» في الثقافة الدينية والمرجعية الإسلامية التي يحلو لهم ترديدها على أنها هي التي تميزهم عن الآخرين. هل نأمل في المستقبل ألا يحارب أعضاء العدالة والتنمية مستقبلا المهرجانات المغربية؟ فلا يمكن للمرء إلا أن يسجل هذا التحول في الثقافة السياسية لحزب العدالة والتنمية، خاصة ما إذا كانت تنهل من الثقافة السياسية لأحد الأحزاب الوطنية، وتسير على خطى تجربة التناوب وتمتح من تجربتها وقاموسها اللغوي شكلا ومضمونا، «إنجاح التجربة، الانتقال الديمقراطي، الإرث الثقيل، جيوب المقاومة، النضال الديمقراطي، التدرج في الإصلاح، البناء الديمقراطي، تخليق الحياة العامة...» كلها مصطلحات ذات حمولة سياسية تم إنتاجها خلال تجربة حكومة التناوب التوافقي بقيادة ذ . عبد الرحمان اليوسفي، لذلك إذا كنا نضع النقط على الحروف فيما يتعلق بهذا التحول، فنتمنى صادقين أن يطال العديد من القيم والمبادئ التي تشبع بها الديمقراطيون المغاربة منذ عقود خلت. التأكيد على هذه الملاحظات بمناسبة المؤتمر الوطني السابع الذي اختار له شعار «شراكة فعالة من أجل البناء الديمقراطي» نابع من الصدر الرحب لأنه أظهر وسيظهر مستقبلا على أن حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حركة فكرية وفلسفية، وتتمتع بثقافة سياسية زرعها في تربة مغربية، وها هي البدرة تينع وتعطي ثمارها ويستفيد أبناء هذا الوطن من غلاتها وعطاءاتها وتأطيراتها. جميل أن يتخذ حزب العدالة والتنمية في مؤتمره السادس «إستراتيجية النضال الديمقراطي»، التي اتخذها الاتحاد الاشتراكي في السبعينات خلال مؤتمره الاستثنائي التاريخي 1975، وجميل كذلك أن يتبنى العدالة والتنمية في أطروحة المؤتمر السابع «مسألة الانتقال الديمقراطي وشعار البناء الديمقراطي» التي نظر وبشر بها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية حين كان يقود حكومة التناوب، مع ذلك يدرك عبد الاله بنكيران الذي طلب من المعارضة في كلمة الافتتاح أن « تلطف أداءها»، أن السياقات والظروف الداخلية والخارجية التي جاءت بها حكومة التناوب، ليس هي السياقات الحالية إقليميا وجهويا ودوليا، لذلك وجب الاجتهاد وبدل المجهود المضاعف، أما المعارضة الاتحادية فهي لازالت مستمرة في عملها كحركة فكرية وسياسية في الإنتاج الفكري والإبداع السياسي، لتجنيب بلادنا خطر النكسات والنكوص و التراجع إلى الخلف ولتكريس المكتسبات وكسب الرهانات الديمقراطية، وتعزيز دولة المؤسسات وحقوق الإنسان ، وإقرار العدالة الاجتماعية، وتنزيل الدستور تنزيلا ديمقراطيا.