وهبي مدرب "أشبال الأطلس": الهدف هو العودة من الشيلي بكأس العالم إلى أرض الوطن    القدرة المستقبلية على الادخار.. تشاؤم مستمر للأسر خلال الفصل الثالث من 2025 (مندوبية التخطيط)    عبد الله البقالي يكتب حديث اليوم    هلال أمام الأمم المتحدة: بعد 50 عاما على استرجاعها، الصحراء المغربية أضحت واحة سلام وقطبا للاندماج الإفريقي والتنمية المشتركة    بورصة الدار البيضاء تستهل تداولاتها على وقع الأخضر    الأمم المتحدة.. المغرب يجدد تأكيد دعمه "الثابت والدائم" لسيادة الإمارات العربية المتحدة على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى    نتانياهو يقول إن المعركة في قطاع غزة والمنطقة "لم تنته"    موسكو تؤكد أن المغرب "شريك مهم" لروسيا في إفريقيا    إنجاز غير مسبوق للمغرب بعد تجاوزه فرنسا في نصف النهائي    فرحة عارمة بمدن المملكة بعد تأهل المنتخب الوطني لنهائي مونديال الشيلي    زلزال بقوة 6,6 درجات يضرب إندونيسيا    المنتخب المغربي لأقل من 20 سنة يصنع التاريخ ويتأهل إلى نهائي كأس العالم    ولد الرشيد ونغامانا يوقعان إعلانا يؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي الحل الوحيد لتسوية النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية    في ‬تقرير ‬رسمي ‬للمندوبية ‬السامية ‬للتخطيط    كيوسك الخميس | أزيد من 36 ألف شاب مستفيد من دعم السكن    اتفاق بين النقابة الوطنية للصناعة التقليدية وكاتب الدولة حول مأسسة الحوار الاجتماعي وتحسين أوضاع موظفي القطاع    طقس حار نسبيا بأقاليم الجنوب مع سحب غير مستقرة وأمطار متفرقة اليوم الخميس    عمال شركة أوزون بالفقيه بن صالح يعلنون عن وقفة احتجاجية بسبب تأخر الأجور    هلال: الصحراء المغربية قطب للتنمية .. وركيزة للأمن والاستقرار في إفريقيا    "إيزي جيت" تراهن على المغرب بإفتتاح أول قاعدة لها في إفريقيا بمطار مراكش عام 2026    "الأشبال" أمام الأرجنتين بنهائي المونديال    كنز منسي للأدب المغربي.. المريني تكشف ديوانا مجهولا للمؤرخ الناصري    إنجاز تاريخي.. أشبال المغرب يبلغون نهائي كأس العالم للشباب لأول مرة    ريتشارد ديوك بوكان.. رجل ترامب في الرباط بين مكافأة الولاء وتحديات الدبلوماسية    تركي آل الشيخ يهنئ الملك محمد السادس والشعب المغربي بتأهل أشبال الأطلس إلى نهائي كأس العالم    فعاليات مغربية تحتفل وسط العاصمة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة    قصص عالمية في مهرجان الدوحة    عشية زيارة بوريطة، موسكو تعتبر المغرب "شريكا مهما" لروسيا في القارة الإفريقية    ريتشارد ديوك بوكان الثالث يحل بالمغرب سفيرا جديدا لواشنطن... ذو خلفية اقتصادية ومقرب من ترامب (بروفايل)    طقس الخميس ..امطار متفرقة مرتقبة بالريف    أحكام ثقيلة ضد مثيري الشغب بسوس    تحذير أممي من زيادة ثاني أكسيد الكربون في الجو    نشرة إنذارية: زخات رعدية محليا قوية مصحوبة بهبات رياح مرتقبة غدا الخميس بعدد من مناطق المملكة    محكمة الإستئناف بتونس تصدر أحكاما في قضية اغتيال شكري بلعيد منها حكمان بالإعدام    الذكاء الاصطناعي الدامج يفتح آفاقاً جديدة للشركات في الاقتصادات الناشئة    تجدد المطالب لأخنوش بالحد من خسائر تعطيل التكرير بمصفاة "سامير" والحفاظ على حقوق الأجراء    «تمغرابيت».. عمل فني جديد يجسد روح الوطنية والانتماء في الذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء    عبد الله ساعف يحاضر حول «العلوم الاجتماعية في المغرب» بتطوان    «مغربيات ملهمات» لبنحمو بالمقهى الثقافي بالرباط    طنجة تتربع على عرش السياحة بالمغرب سنة 2025..    لقاء بنيويورك يعزز التعاون اللامركزي بين جماعتي الداخلة وغريت نيك الأمريكي    وهبي: سنلعب أمام فرنسا بأسلوبنا وقوتنا المعتادة    "ذاكرة السلام" شعار الدورة 14 لمهرجان سينما الذاكرة المشتركة بالناظور    بركة: الموسم الفلاحي المنصرم سجل تحسنا نسبيا    الدين بين دوغمائية الأولين وتحريفات التابعين ..    هل يمكن للآلة أن تصبح مؤرخا بديلا عن الإنسان ؟    أزيد من 36 ألف شاب دون 40 سنة استفادوا من برنامج دعم السكن منهم 44.5 في المائة من النساء الشابات    أمني إسرائيلي يعلن التوصل بجثة رهينة "خاطئة"    414 مليار درهم قيمة 250 مشروعا صادقت عليها اللجنة الوطنية للاستثمار    ممارسة التمارين الرياضية الخفيفة بشكل يومي مفيدة لصحة القلب (دراسة)    "الصحة العالمية": الاضطرابات العصبية تتسبب في 11 مليون وفاة سنويا حول العالم    دراسة يابانية: الشاي الأخضر يقي من مرض الكبد الدهني    المغاربة متوجسون من تداعيات انتشار الأنفلونزا الموسمية خلال فصل الخريف    العِبرة من مِحن خير أمة..    حفظ الله غزة وأهلها    الأوقاف تعلن موضوع خطبة الجمعة    رواد مسجد أنس ابن مالك يستقبلون الامام الجديد، غير متناسين الامام السابق عبد الله المجريسي    الجالية المسلمة بمليلية تكرم الإمام عبد السلام أردوم تقديرا لمسيرته الدعوية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حين بنى العرب العاصمة الإسبانية مدريد
نشر في الاتحاد الاشتراكي يوم 23 - 06 - 2012

قليل من الناس هم الذين يعلمون أن العاصمة الإسبانية ، مدريد، هي الوحيدة من نوعها في إسبانيا، التي بناها العرب. كان اسمها الأصلي هو «موريد» بالعربية، فيما أصولها بقيت لسنوات موضع نقاش. فحتى سنة 1930، كنا نفتقر إلى معلومات دقيقة حول أصولها.. لأنه علينا الإقرار، أنه منذ القرن 15 على الأقل، كان المدونون القشتاليون والإسبان يرفضون الإعتراف أن هذه المدينة يعود الفضل في وجودها للمسلمين (الكفرة). لقد استعانوا بمختلف الأدلة لتأكيد أصلها الروماني والمسيحي.
فيرناندو فالديز فيرنانديز (*)
الرومان / المسلمون..
علينا التأكيد، أن هذا البحث عن الجذور الرومانية المسيحية لم يكن خاصا بمدريد وحدها. بل إن النهضة وإغراء الجذور الكلاسيكية للثقافة الغربية قد طال حتى باقي المدن بإسبانيا وتسبب في محاولة تعميم الجذور الكلاسيكية للعديد من المدن الإسبانية. لقد كانت الغاية السياسية موجهة للأمر. وكل الغنى المتضمن في التأريخ الإسباني يعود في هذا الباب إلى ما دونه رجال الدين في هذا الباب. ولم تشذ مدريد عن القاعدة تلك، خاصة منذ رفعها الملك فلليب الثاني (1527 1598)، من مدينة في الدرجة الثانية، إلى العاصمة السياسية لمملكة قشتالة، التي كان نفوذها يمتد على القارات الخمس. لكن، كل هذه المحاولات لم تفلح في شئ. فكتاب المؤرخ الحموي، الذي يستعرض شهادات كتاب أندلسيين قدامى، يؤكد أن الفضل في بناء المدينة يعود إلى الأمير الأموي بقرطبة محمد الأول ابن عبد الرحمان (852 886)، وأن ذلك تم في الربع الثالث من القرن التاسع الميلادي. دون أن يحدد التاريخ بالضبط. لقد كانت سياسة أمويي الغرب، حينها تعتمد على بناء حصون قوية في مواقع استراتيجية عند نقط تلاقي أنهر. وفي حالة مدريد، فالأمر يتعلق بنهر مانزانار، الذي كان حينها أقوى من الجدول الصغير الذي أصبحه اليوم.
لقد سمحت كثافة أعمال البناء ، في السنوات الأخيرة، بالوقوف عند عدد من المآثر الأركيولوجية، التي يحميها القانون الإسباني. ورغم أن الأبحاث لم تتم كما يجب، فإنها سمحت رغم ذلك بالوقوف عند أدلة هامة حول الماضي الإسلامي للمدينة. وأصبح بإمكاننا اليوم، رسم المعالم الكبرى للحصن الأندلسي البكر وأن نحدد مساره وحدوده، وهذا أمر لم يفاجئ أحدا اليوم، لأن شكل «مورث» لا يختلف عن باقي المدن الأندلسية.
الأصول الهجينة..
إن النظرية الوطنية القوية للتاريخ الإسباني، التي رغم تقبلها لحقيقة الجذور العربية للمدينة، فإنها حرصت على ترسيخ فكرة ازدواجية أصول المدينة. أي أن العرب قد بنوا حصنا جنب بنايات سابقة. وأن الفصل بين الأصلين هو النهر الذي يجري بزنقة سيغوفي، وهو ممر طبيعي بين هضبتين، تلك التي بها القصر الملكي وتلك التي تعرف ب «النظرات المسروقة» . فساكنة هذه الأخيرة كانت مسيحية ولغتها لاتينية. والدليل القاطع على هذا التقابل، بين الأقوام غير العربية والعرب، هو اسم «مورث»، المتكون من جذرين مختلفين «مورد» و «إث» . فالأولى عربية وهي تحيل على وجود نظام واضح لتجميع المياه. فيما الثانية فهي تكملة لاتينية تعني ما معناه «المكان الغني في الأدغال لتجميع الماء» . وأن تلاقي وتجميع هذين الجذرين هو السبب في الأصل الهجين لهذه البلدة في الأول. فبهذا الشكل تم التقليل من البعد الإيديولوجي للأصل العربي لمدريد. لم يكن مستساغا تقبل أن تكون جذور عاصمة الإمبراطورية الإسبانية متساوقة مع عناصر أهلية، أو غير إسبانية.
لقد جاء الفلاسفة المعاصرون ليعيدوا الأمور إلى إطارها الطبيعي السليم. فكلمة «موريث» هي ترجمان للمعنى العربي «المنشأ» و «الرحم»، أي مكان ولادة الشئ : الطريق، النهر.. إلخ. وتحول كلمة من معنى إلى معنى يأخذ طريقا واضحة، يدركها جيدا المتخصصون في الفونيتيكا العربية، الذي يحول بنفس الطريقة المجموعة الصواتية اللاتينية «تر» إلى «ير» . ومعنى الإسم لا يمكنه لوحده تبرير التطور المدعى للمدينة. وحين نضع الفلسفة جانبا، فإن الكلمة تعطى للبحث الأركيولوجي.
إن مدريد، تحتل مكانة جغرافية بارزة، خاصة إذا ما نظر إليها بمنطق المفاهيم الإستراتيجية للقرون الوسطى الأولى. إنها توجد تقريبا في وسط شبه الجزيرة الإيبيرية، بمحاذاة نهر مانزانار، مشكلة حاجزا حاميا لضفافه ولعبور السلسلة الوسطى. وفي نفس الزمن بنيت مع مدريد مدينة تالامنكا ديل يامارا، على بعد كلمترات قليلة، لتحد من تدفق نهر ياراما وتحمي في الآن نفسه قلعة ييناريس (القلعة). وكانت هذه المدن وأخرى غير معروفة كثيرا، تشكل إطارا حاميا للتواصل مع طليطلة.
رحلة الماء..
كانت مدريد تزود بالمياه عبر تقنية «التجفيف المتراكب»، المعروف ب «السفريات» . يتعلق الأمر بقنوات تحفر تحت الأرض تسمح بصعود المياه الباطنية. وحين تتجمع في منخفض أرضي تشكل قوة تدفعها للصعود عبر بئر أو نافورة. هذه الطريقة في استغلال المياه الجوفية تنبني على معطى الطبيعة المحددة سلفا، فهي أشبه بتقنية جبل مرتفع هو منبع الماء وعند قدمه تتكون حفر صلدة. وبهذه التقنية للحاضنة المحفورة، تتجمع المياه حتى لا تضيع في المنبسطات. هذا النظام أدخله إلى إسبانيا العرب ، وهو ينتمي إلى ثقافة الشرق الأوسط التي تنبني على تقنيات التعامل مع مشكل الندرة في المياه بسبب قلة التساقطات المطرية. وأول الكتابات التي تتحدث عن الماء المسافر، تعود إلى الآشوريين. وهذه المعابر المستعملة في العالم العربي تحمل العديد من الأسماء: القنوات بسوريا، الخطارات بالمغرب، والكناس (القناة) بإسبانيا. ولقد أجمع كل المؤرخين على أن أول رحلات الماء الخاصة بمدريد تعود إلى العرب. وإذا اعتمدنا كمرجع ذات التقنيات المستعملة في طهران ومراكش، فإن المؤكد أن صناعها بمدريد هم صناع مسلمون وليس بالضرورة في العهد الأندلسي. إذ محتمل أن تكون العملية تمت بعد إلحاق المنطقة بمملكة ليون في زمن لاحق بعد 1086، أي بعد أن فتح سكان طليطلة أبواب مدينتهم للملك ألفونسو السادس ( 1047 1109). مما يعني أن تلك الخطارات الخاصة بمدريد قد حفرت أكيد بأيادي «الموديخار»، أي المسلمين الذين يسكنون دولة مسيحية. لكن السؤال يبقى رغم ذلك مطروحا والأجوبة تتباين. واحد منها يقول ببناء تلك القنوات المائية في الفترة الأندلسية، ليس بالضرورة لتزويد القلعة ، بل الساكنة المحيطة بها، وأساسا لاستغلال الحوز الفلاحي المحيط بها (الفوز بالإسبانية). وليس هناك ما يدل على وجود بناية أخرى (قلعة) في العهد الأندلسي. وواضح أنه تم بناء واحدة أخرى أكبر في القرن الثاني عشر الميلادي. وفي كل المناطق الإسلامية التي استعملت تلك التقنيات في ممرات الماء والري، قد تمت بمبادرات خاصة وتحتكرها عائلات بعينها أو أشكال تعاونيات (فلاحية). لكن المعلومات تضن علينا لتأكيد شكل التعامل المتبع في العهد الأندلسي. بالتالي، علينا التمييز بين حاجة عمومية ( كما الحال بدون شك للماء المسافر) وبين إنجازها من خلال أموال خاصة مثل أموال الأحباس. ولم يحدث أن تجاوز أي منها محيط القلعة لأسباب أمنية واضحة. وهذا النظام من الري لم يكن يعرفه (يتقنه) سكان الدول الكائنة شمال الأندلس، الذين كانوا يكتفون بالفلاحة غير المسقية. ومن خصوصيات الثقافة الفلاحية للأندلس على طول سنوات حكم المسلمين والعرب، أنها كانت تتأسس على استغلال جيد للماء. لقد سمحت تلك التقنيات بزراعة أماكن قاحلة ممتدة على الشريط المتوسطي، من خلال تقنيات دقيقة لتجميع المياه واستخراجها من باطن الأرض. فيما ممالك الشمال القرطبي الأوسط كانت فلاحتهم مقتصرة على القمح كلما نزلوا من جبال الشمال لاستغلال سهول الهضبة الشمالية في بعض مناطق نهر «إيبرو».
في المجمل، فإن «موريد» مدريد، حتى وإن قيل إنها بنيت من قبل المسلمين، فإنه يصعب تحديد تاريخ ذلك كما اتبع حتى الآن (القرن التاسع)، والحقيقة أنها تعود إلى عهد الملك ليون (القرن الثاني عشر). بالتالي فهي لا تليق مادة حاسمة حتى الآن لتبرير جزء من قصة اسم المدينة. واكتشافات أركيولوجية جديدة تعزز هذا الأمر.
زمن القلعة..
لم تكن «موريد» بلدة كبيرة. كانت بالكاد عبارة عن قلعة بخصوصيات شبيهة بالسائد حينها : حيطان حجرية مبنية بالتقابل بين شكلين متناسقين وقلب مملوء بالطين والقش، بعلو يصل إلى 10 حتى 12 مترا. ويكون أساس الحيطان على شكل مستطيل بارز، بشكل متناسق ودقيق. وتوضع الأحجار بشكل هندسي مضبوط حيث توضع الأولى طولا فيما توضع الثانية فوقها بالعرض. هذه التقنية أطلق عليها في اللغة الإسبانية اسم «المربعات والرؤوس» . علما بأنه لم تبن كل قلاع الأمويين بالحجر، بل منها من بني باللوح ( تقنية مغربية يتقنها جزء من أمازيغ الجنوب، خاصة بتافراوت وتزنيت وطاطا وكل آيت باعمران. وإذا علمنا أن الأعداد الأكبر من جنود الأندلس هم مغاربة أمازيغ ، أدركنا السبب في شيوع تلك التقنية في البناء م ).
ومثل كل قلاع الأمويين بالأندلس، فإن قاعدتها تكون رباعية الزوايا وتحتل جزءا هاما من الباحة الممتدة أمام القصر أو الكاتدرائية الكاثوليكية الحالية ل «الموداينة» (ألمودينا بالإسبانية). لم يحتفظ بغير القليل من الجزء الظاهر من هذه القلعة، حتى وإن كانت بعض الأجزاء قد اكتشفت وأصبح ممكنا الولوج إليها عبر بعض البنايات. والجزء الدال منها أكثر يمكن تأمله من الجهة التي يطلق عليها «كويستا دو لافيغا» قريبا من الحديقة المهداة إلى الأمير محمد الأول. لقد تمت المحافظة على الواجهة كاملة كما هي، بذات علوها الأصلي، مثلما يمكننا اكتشاف الإصلاحات التي لحقتها على عهد حكم الأمويين في قرطبة. يوجد المدخل الرئيسي، كما هو الحال في قلاع مشابهة، في زاوية من البناية، قريبا اليوم من شارع مايور. هناك يبتدئ الطريق صوب غوادالاخارا (وادي الحيارى). وكانت بنيته بسيطة، لأنه حتى القرن 10، لا يوجد دليل واحد على أن قلاع الأندلس كانت تقنيا تبنى بغاية الدفاع مثل زميلاتها في إفريقية وسوريا والعراق. كانت تتكون من برجين. وأكيد أن هذه القلعة (قلعة مدريد) قد طالتها تعديلات وتوسعة. وأول الأدلة على ذلك، بقايا الحائط المحتفظ به لحديقة الأمير محمد الأول في خلفية كاتدرائية ألمودينا.
لقد شاء التقليد التاريخي أن تكون القلعة العربية البكر تلك، في المكان الذي بني فيه اليوم القصر الملكي. وحتى لو قمنا بمقارنات بين الشكل الحالي بأشكاله الهندسية الأربع البارزة في الزوايا، وبين الشكل القديم، فإن ذلك غير مسنود بأي اكتشاف أركيولوجي. صحيح أن البنايات الأموية الأندلسية لذلك الزمن ذات شكل رباعي الزوايا، مع أبراج كبيرة في الأطراف، لكنها ليست جميعها متطابقة مثل ما نجده في قصبة الماردة التي بنيت سنة 835 ميلادية من قبل الأمير عبد الرحمان الثاني ابن الحكم. أما باقي الحائط المحافظ عليه حتى اليوم، فإنه بعيد جدا عن القصر، مما لا يسمح لنا باعتباره جزءا منه بأي شكل من الأشكال. وإذا كان هناك شكل دفاعي ما، فإنه يمكن اعتباره أول نواة دفاعية للمدينة، ولا نعتقد أنه كان قصرا أو خوانا سابقا على البناية التي نشاهدها اليوم. مهما كان، فإن الأصل العربي للعاصمة الإسبانية مدريد، لا يني يكشف عن أسراره.
عن مجلة «زمان» الشهرية.
(*) أستاذ محاضر وأركيولوجي من جامعة مدريد المستقلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.