قال الخبير الحقوقي والسياسي الأمازيغي أحمد عصيد في حوار مع» الاتحاد الاشتراكي» إن الأمر لم يعد يتعلق بمخزن يعارض الحرية والتحديث، بل المعضلة الكبرى أن لدينا مجتمعا تم تأطيره خلال ثلاثين سنة مضت في إطار إيديولوجيا معارضة للديمقراطية، لتلبية حاجيات السلطة آنذاك.وفي هذا المنحى، فحتى عندما تغير السلطة رأيها ولو بشكل نسبي، فإنها تجد أمامها مجتمعا ثم تعليبه في إطار إيديولوجيا سابقة. وتطرق ضيفنا إلى الإشكالية الكبرى التي يعانيها المغرب في إطار دستور متقدم ومجتمع مثقل بالتقليدانية التي تجره إلى الفضاءات الماضوية ،مقدما في هذا اللقاء بدائل هامة تحتاج إلى مزيد من تعميق النقاش فيها من أجل إنشاء جبهة في المغرب للدفاع عن المكتسبات الديمقراطية. { نريد أن نحاورك أستاذ عصيد من منطلق كونك، قارئا متفحصا للمشهد السياسي والاجتماعي و الثقافي، وخبيرا أمازيغيا. فالمغرب بلد التعدد الفكري واللغوي والسياسي وكذلك الإديولوجي .والدستور المغربي يقر بذلك، إلا أنه في المسألة الاجتماعية نجد هذا التعدد يعرف تصدعا، في اتجاه هيمنة التيار التقليداني المحافظ، ما هي قراءتكم، وهل هناك أفق في المستقبل يقر بالديمقراطية والانضباط لقوانين البلد ودستوره، من أجل التعايش، والمواطنة وتغليب المصالح العليا على المصالح الفئوية الضيقة؟ الإشكالية التي يطرحها سؤالك، هي إشكالية جوهرية تتعلق بالهوة التي تفصل بين النخب وبين الشعب أو الجماهير في بلادنا وهي معضلة كبيرة، سببها السياسات العمومية التي اتبعت في العقود السابقة، حيث قامت السلطة بوضع مخطط لتأطير الجماهير وفق إيديولوجيا تقليدانية ،في الوقت الذي ذهبت فيه النخب إلى الأمام بعيداً في المناداة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والتحديث، وأدى الأمر إلى وجود شرخ يفصل بين النخب الطليعة التي تنادي بالديمقراطية، وبين الجماهير التي تم تأطيرها في سياق آخر. وأذكرك هنا بسياسة الحسن الثاني التي أصبحت واضحة منذ 1972، والتي كانت ترمي إلى نشر السلفية الدينية في المجتمع لمواجهة اليسار المعارض، أو اليسار الماركسي الراديكالي، أو اليسار الإصلاحي. وفي تلك المرحلة استعملت السلطة الدين بشكل يهدف إلى إعادة المجتمع إلى التقليد المحض، بعد أن خطا خطوات كبيرة نحو التحديث خلال العقد ونصف الأول بعد الاستقلال. فخلال الستينات وبداية السبعينات كان الوعي متقدما لدى الجماهير، وكان هذا شيئا يخيف السلطة، وعوض أن تتطور السلطة لكي تصل إلى مستوى مواكبة تحولات المجتمع المتطور، اختارت اختياراً آخر وهو إعادة تأطير المجتمع في إطار السلفية والتقليد، لكي يبقى المجتمع على مقاس حاجات السلطة، وهكذا تعمقت المعضلة الكبرى، وبما أن السلطة لم تستطع تأطير النخب وتدجينها، فإنها توجهت إلى الشعب عموما الذي أصبح ضحية تعليم متخلف، وإعلام متخلف، ونوع من الترويض الإيديولوجي السلطوي، وهذا هو أصل معضلة أن الدستور وعدد من القوانين متقدمة، بينما المجتمع في واد آخر. { إذن ما المطلوب الآن؟ المطلوب الآن ردم هذه الهوة التي تفصل بين النخب الحداثية وبين الجمهور، عبر إعادة النظر في المنظومة التربوية بشكل جذري، وإصلاح الإعلام وتحريره من قبضة السلطة، ثم استعادة الأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية لحيويتها من أجل تأطير المجتمع في إطار الوعي الديمقراطي. { طيب أستاذ عصيد، أنت طرحت إشكالية كبرى، ويتعلق الأمر بثنائية «تحديث الدولة وتحديث المجتمع». من يدفع من إلى التحديث, هل الدولة أم المجتمع. وأشرت إلى أن الدولة هي التي صنعت «التقليدانية» من خلال منهجية فصّلتها في مسار حديثك تتعلق بالتربية والتعليم. إلا أننا نرى اليوم أن الدولة هي التي وضعت بإرادتها دستوراً متقدماً حداثيا ديمقراطيا، فما هي العوائق الموضوعة أمامها لتمرير ذلك إلى مجتمع دجّن بالفعل والقوة ليكون تقليدانيا بامتياز ويبوئ اليوم التقليدانية على رأس السلطة؟ السلطة لم تضع دستورا متقدما بإرادتها بل بضغوط كبيرة من المجتمع والسياق العام، وهي اليوم تحصد الغلة التي زرعتها من قبل، بمعنى أنه عندما تولى الملك محمد السادس الحكم، بدأ يتحدث عن «المجتمع الحداثي الديمقراطي»، وكل الخطب التي ألقاها بين (1999 2004)، كانت تتحدث عن هذا المفهوم. ثم تبين فيما بعد مع أحداث الدارالبيضاء (16 ماي 2003) وما بعد، أن المعضلة في المغرب، لم تعد هي أن هناك مخزنا يعارض الحرية والتحديث، بل المعضلة الكبرى أن لدينا مجتمعا ثم تأطيره خلال ثلاثين سنة مضت في إطار إديولوجية ممانعة للديمقراطية، لتلبية حاجيات السلطة آنذاك. في هذا المنحى، فحتى عندما تغير السلطة رأيها ولو بشكل نسبي، فإنها تجد أمامها مجتمعا ثم تعليبه في إطار إديولويجية سابقة. { هل هذا يعني أن الأحلام ردمت في حفرة التقليدانية الممنهجة، أقصد أحلام قيام المجتمع الديمقراطي الحداثي...؟ بل معنى هذا أنه أمامنا ورش كبير، ووقت كبير، تم تضييعه، بمعنى أنه تمت إضاعة 25 سنة من تاريخ المجتمع المغربي الحديث، وكان يمكن استغلال هذا الربع قرن من أجل وضع أسس التقدم، والمضي إلى الأمام. الآن سوف نضطر إلى استعادة الوقت الضائع... { لماذا... وكيف؟ لأن الذهنية السائدة في المجتمع، والتي هي ذهنية محافظة مضادة لحقوق الإنسان وللتقدم وللعلم، ولهذا سنضطر لإعادة النظر في المنظومة التربوية والبدء من البداية من أجل تغيير البنيات، وهذا هو الرهان الكبير للمرحلة الحالية، أي تغيير العقليات، لأنه لا يمكن للنصوص وحدها أن تنفع في هذه الحالة، ولا يمكن للخطب أن تنفع وحدها، كما لا يمكن لإعلان النوايا الحسنة والشعارات البراقة أن تنفع كذلك... { إذن ما العمل اليوم؟ علينا اليوم أن نراهن على الأجيال القادمة التي ينبغي تهيئتها بشكل مخالف لما تربت عليه الأجيال السابقة، ونحن اليوم في حاجة إلى إرادة سياسية من السلطة. وإذا لم تتوفر هذه الإرادة، فإن المخزن التقليدي سينجح في الاستمرار في نفس السياسة السابقة، سياسة الحسن الثاني، وهي الحفاظ على الذهنية التقليدية للمجتمع من أجل أن تبقى السلطة هي هي ولا تتغير، بمعنى أنه لكي لا تضطر السلطة إلى التغيير، علينا أن نترك المجتمع في وضعية الجمود، وهذا شيء خطير جداً. ولهذا إذا توفرت الإرادة السياسية اليوم وانتصرنا على المخزن التقليدي، وقمنا بتفكيكه، حين ذلك سنتحدث عن الإصلاح، وإذا لم نقم بتفكيك المخزن، فمن المستحيل أن نمضي إلى الأمام، وكل من يتوهم المضي في ذلك مع البنيات المخزنية القائمة فهو واهم، ولهذا يجب هدم بنيات المخزن بالتدريج، بتوفير الإرادة السياسية لدى الطبقة السياسية المغربية، من أجل تغيير الذهنيات، سواء داخل المؤسسات أو في المجتمع، وإذا توفرت هذه الإرادة يمكن أن نقول آنذاك إننا في بداية التغيير الذي يحتاج إلى وقت، أما الخسائر فهي فادحة في العقول والأذهان. { إذا سلمنا من خلال حديثكم، أن للدولة نوايا حسنة بتحديث المجتمع، ونقله من الخسائر الفادحة التي تسببت فيها، إلى مجتمع يساير ركب النصوص التشريعية ومضامين الدستور، فهل هذه الدولة قادرة على ذلك، وهل تتوفر على مخطط استراتيجي بإمكانه أن ينقذ أولا ما يمكن إنقاذه؟ بالطبع لا، فالدولة في حاجة إلى حلفاء، وهؤلاء الحلفاء بحاجة إلى الدولة، ونقصد بالدولة السلطة، فلابد أن تتوفر إرادة سياسية لدى السلطة مع وجود حلفاء في المجتمع، أعني المجتمع المدني والأحزاب السياسية. فجميع تجارب التحديث الناجحة في العالم، منها اليابان وغيرها، كانت فيها إرادة سياسية واضحة لدى القمة، وكان هناك تحالف لدى أطراف في المجتمع. لماذا؟ لكي نحول الوعي بضرورة التغيير إلى تيار مجتمعي، وإذا لم يصبح تيارا في المجتمع، فإن ذلك سيبقى مجرد أوهام لدى النخب، وهذه النخب معزولة. وتلك هي وضعيتنا الآن. فلدينا أحلام في الديمقراطية، وحقوق الإنسان، والمساواة، والعدل، والحرية، ولكنها أحلام نخبوية. ولكي نحولها إلى تيار اجتماعي، فنحن في حاجة إلى الوسائل التي تحتكرها السلطة. وإذا أغلقت هذه الأخيرة علينا الأبواب، وتحالفت مع المحافظين، فتلك الوسائل، في التأطير والاتصال الرسمية، سيحتكرها المحافظون، وسيزداد المجتمع تزمتا وتخلفا وجموداً. وإذا كانت الإرادة السياسية متوفرة لدى السلطة، وكان هناك تحالف واضح مع النخب السياسية، ففي هذه الحالة فوسائل الاتصال والتواصل وتمرير المعلومة وإشاعة المعرفة، تصبح بيد الذين يريدون التغيير، وهكذا يتم التحديث. فالأمر يتوقف كله على رهانات السلطة، وعلى السياق العام والشروط المحيطة كذلك. السلطة المخزنية في المغرب، تراهن على اللعب على الحبلين، فهي لا تريد أن تحسم، بل لا تريد أي نوع من الحسم، لأنها تراهن على إرضاء الجميع، لكي تبقى هي في الأعلى، كبديل مطلق، ولكن المشكل هو أنه لا يمكن إرضاء الجميع، لأن هناك التقدمي الحداثي، وهناك الرجعي السلفي، ولا يمكن إرضاؤهما معا. لأن ذلك يؤدي إلى حداثة عرجاء وسلفية بواجهة حداثية، وهذا لا يرضي لا السلفيين ولا الحداثيين ويستمر الصراع. ولهذا لابد من الحسم، ماذا نريد؟ هل نريد مغربا متقدما حداثيا وحديثا في هذه الحالة ينبغي أن نحسم لصالح الحداثة وحقوق الإنسان والديمقراطية هل نريد العودة إلى الماضي، فلنعد إلى دولة المخزن التقليدي المحض، وعلى الذين لا يريدون ذلك أن يقاوموا العودة إلى الوراء. إذا معضلتنا في المغرب أنه لا يوجد شيء واضح، الآفاق غامضة، وخيارات السلطة متذبذبة، ونوع من السكيزوفرينيا يهيمن على قرارات الدولة وسلوكياتها المرتبكة، كذلك الأحزاب، لأن هذه الأخيرة تم تدجينها من طرف الإيديولوجيا الرسمية، فانتقلت إليها عدوى المخزن، لهذا نجد أنفسنا في وضعية هشة، سلطة لا تريد أن تحسم، وتريد اللعب على كل الحبال، والأحزاب السياسية ثم إنهاكها بالصراع السابق، مجتمع مدني ضعيف، وغلو المتطرفين والمحافظين الذين ازدادت هيمنتهم مع السياق الجديد الذي هو سياق الإنتفاضات الشعبية. وهذا كله قد لا يبشر بخير إلاّ في حالة واحدة، إذا عزم الصف الديمقراطي على لم شتات مكوناته ومنظماته ونخبه، وجماهيره لمواجهة هذا الوضع، لأن هذا الطرف الديمقراطي الحداثي هو الأغلبية الحقيقية، على مستوى القوى الحية الفاعلة والمؤثرة. بينما الإسلاميون يشكلون أقلية منظمة. وعلى هذا المستوى، أعتقد أن الديمقراطيين الحداثيين والعلمانيين مازالوا أغلبية، لكنها أغلبية مشتتة، وعندما تكون كذلك، لن يكون لها أي تأثير. { طيب أستاذ عصيد، إذا افترضنا حسن نية الدولة التواقة إلى التحديث اليوم من خلال دستور متطور ومتقدم، وإشارات قوية في بناء المغرب الجديد.. فهل تعتقد أن القوى الحية تملك آليات لجمع الشتات للتحالف مع الدولة ،من أجل مغرب منسجم مع تطلعاته المستقبلية، لا مغربا يعود بنا إلى القرون الغابرة؟ هناك ضعف وإنهاك كبير في جسم القوى الحية، ناتج عن صراعات سابقة. { (مقاطعة) الحزبية والمدنية..؟ نعم الحزبية والمدنية، وهي صراعات سابقة ضد سلطة الاستبداد وهيمنة المخزن، أدت في النهاية إلى إضعاف القوى السياسية بالدرجة الأولى، وجعلها تضطر إلى التوافقات، وهذه التوافقات لم تتوقف بل استمرت، إلى أن وصلت إلى نوع من الإستسلام يثير الإحباط لدى التيارات الكثيرة التي أصبحت غير مبالية بموضوع الانتخابات والحياة السياسية. لقد فقد الناس الثقة بشكل كبير في المؤسسات وفي العملية الإنتخابية التي لم يعد لها معنى عند الناس، وأصبحت لنا أزمة كبيرة في النخب، وفي الأحزاب، وفي السلطة والدولة، وكيان الدولة ذاته، ولهذا أصبحنا نجد الأغلبية خارج اللعبة، لأن فقدان الثقة يؤدي إلى نوع من العدمية، وإلى نوع من اليأس من الحياة السياسية، والسبب الرئيسي في ذلك هو جوهر الاستبداد الذي مازال قائما. والكثير من الناس الواعين والذين هم عارفون بأسرار الأمور وخباياها لا يذهبون للتصويت في الانتخابات، وعندما نسأله عن سبب ذلك يقول:»لماذا أصوت على أحزاب لن تحكم، وبما أن الملك يمسك بيده جميع الخيوط، فالأمر مفوض إلى الملك»، ففقدت العملية الانتخابية قيمتها، وطعمها بالمغرب، والسبب في ذلك هيمنة الفاعل السياسي الوحيد والذي هو الفاعل الملكي، وينبغي أن نقول ذلك بوضوح. لقد كانت الملكية مخطئة، عندما اعتقدت بأن إضعاف الأحزاب السياسية سيزيد من شرعية الملكية ومصداقيتها وقوتها. هذه الاستراتيجية اتبعها الملك الحسن الثاني لحين وفاته، وللأسف الشديد، اتبعها المخزن حتى في مرحلة محمد السادس، حيث تمّ الإعتقاد بأنه كلما ضعفت كلما ازدادت قوة الملكية في الواجهة. وهذا خطأ فادح، لأنه في النهاية، عندما تضعف القوى السياسية الحية في البلاد، لصالح الفاعل الوحيد، فإن الحياة السياسية هي التي تصبح فاقدة للمصداقية، تصبح نوعا من المسرح السطحي الذي لا يغري أحداً بالمشاركة فيه، وهذا السبب الحقيقي لضعف المشاركة في الانتخابات، والواقع أن الأقلية هي التي مازالت تكترث بالانتخابات، وهي في نسبة كبيرة منها تذهب من أجل المال، فهناك مائة درهم ومئتي درهم تعطى للصوت خاصة في العالم القروي وفي عدد من الحواضر، والسلطة تسكت عن ذلك، فنجد في النهاية بأن المصوتين الذين هم منخرطون عن وعي في الحياة السياسية ولهم مشروع، هم قلة والباقي منساقون أو يشترون بالمال ومغريات أخرى. هذه الوضعية المزرية سببها الرئيسي هو اعتقاد الملكية أنها لا يمكن أن تسود أو توجد إلا بالهيمنة المطلقة، وهذا لا يتمّ إلا بإهانة الأطراف الأخرى، مما أفقد الحياة السياسية قيمتها للأسف. اليوم إذا أردنا أن نستعيد هذه الحيوية، على السلطة أن تتخلى على استراتيجيتها هذه، وأن تؤمن بأن الحياة السياسية ذات المصداقية، إنما تتم بأحزاب ذات مصداقية، قوية، موجودة في الساحة، وحتى الصوت الإسلامي الذي ظهر له بعض الوجود في الانتخابات الأخيرة، (ولا أقول أنه اكتساح، لأن الفارق في عدد الأصوات التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية ليس كبيرا جداً مع عدد الأصوات التي حصل عليها الاتحاد الاشتراكي سنة 1997 و 2002. عندما كان حزبا أغلبيا ). ولهذا أقول إن هذه القوة النسبية للتيار الإسلامي، سببها أصلا نوع من الحس المعارض للسلطة، بالإضافة إلى الاعتقاد بأن الفاعل الإسلامي عذري، أو يتمتع بعذرية سياسية، لأنه لم يمارس المسؤولية من قبل، ولهذا ينبغي أن يجرب.أي أن تلك الأقلية التي تزيد بعض الشيء عن المليون صوت التي ذهبت إلى العدالة والتنمية، إنما ذهبت في معظمها أساسا للاعتبار الذي أشرت إليه، وليس لسبب الدين، أو أية إيديولوجيا محافظة... معنى هذا أن السلطة أفقدت الأحزاب الأخرى مصداقيتها، وهي الآن بصدد أن تفقد الفاعل الإسلامي نفسه مصداقيته، في حال إذا ما استمرت اللعبة بنفس الشكل. فحزب العدالة والتنمية إذا حصل على المليون وبعض آلاف صوت اليوم، فهو ليس مؤكداً أن يحصل على ذلك مستقبلا، في حالة إذا ما استمرت آليات السلطة نفسها. وهذا يدل على صعوبة التخلص من عوائق الماضي والمضي إلى الأمام. ومن أبرز الأدلة على ما أقول هو المناورات التي قامت بها السلطة لكي تلتف على مشروع الدستور المعدل. فلقد اطلعت على نسخة المانوني الأصلية. وكانت نسخة متقدمة، ثم جاء ما يسمى ب»الآلية السياسية»، يرأسها المستشار الملكي محمد معتصم، واستدعى تيارين من المجتمع محافظين، استعملهما في حملات إعلامية، وهما حزب الاستقلال والعدالة والتنمية، والهدف هو الالتفاف على التغيير، وعلى الوثيقة الدستورية، فتم تقليص طموح هذه الوثيقة، وتم زرع عدد من المضامين المتناقضة داخلها، من أجل جعلها قابلة لكل التأويلات. فأصبحنا أمام دستور يقول شيئا ونقيضه، وخسرنا فرصتنا لأن ننتقل إلى التغيير بوثيقة دستورية متقدمة، لأن ما سنعيشه الآن هو حرب التأويلات التي لا مخرج منها، لأن لها جميعها سند في نص الدستور المتناقض. { هناك من يرى غير ذلك، يعتبر الدستور متقدما، ويرى أن هناك خللا في الإعمال والتفعيل..؟ أنا لا أرى أن الدستور وثيقة متقدمة، فالدستور الحالي المعدل لا يسمح بالانتقال الذي نريد. { هل تقصد أسلمة الدولة من خلال الدستور؟ عبارة «الدولة الإسلامية» كانت لها تبعات في كل الفقرات، حيث أضيفت جمل دينية تتحدث عن «ثوابت المملكة»، ويقصد بها الثوابت التقليدية، والتي دخلت في كل الفقرات، بما فيها الفقرة المتعلقة بالحريات وبالمساواة بين الجنسين، و بسمو المعاهدات الدولية على القوانين والتشريعات الوطنية كلها تمّ التحفظ عليها بشكل مكشوف... إلخ. أنا لدي النصان، الأصلي والذي تم تعديله فيما بعد في اللحظات الأخيرة، وتبين أنه استعمل الدين مرة أخرى من أجل فرملة مسلسل التغيير. { أنت من هذا المنطلق تتحدث عن مأزق الدولة، التي أدخلت في حسابات ومراوغات كشفت عن ممراتها. وكذلك نحن أمام ضعف النخب، ومجتمع أنهكته السياسة التربوية والتعليمية، وجعلته مجتمعا يتوجه إلى القرون الغابرة. إذن الإشكالية تحتاج إرادة تشاركية أشرت إليها . وإذا سمحت أستاذ عصيد، أنا أريد أن أدقق معك في هذا الجانب. إذا كانت لنا هذه الإرادة التشاركية، وبآليات متقدمة لدى النخب ومؤسساتها، مع إرادة الدولة في التغيير، هل في اعتقادكم أننا نستطيع أن نحقق التغيير في حدودنا الوطنية، ونحن نعرف أن رياح التقليدانية آتية من جوانب عديدة في محيطنا الإقليمي؟ في هذه الحالة علينا أن نعتمد استراتيجية تعتمد مرتكزين اثنين، لابد من التفكير فيهما بدقة. المرتكز الأول هو ضرورة التمسك بالخصوصية المغربية لمواجهة رياح السلفية القادمة من مجتمعات قد تغرق في نزاعات وتجارب خطيرة. والخصوصية المغربية أقصد بها الخصوصية الثقافية، والخصوصية في فهم الدين وقراءته وهذا رأسمال ينبغي بعثه، والاشتغال عليه. وبالنسبة لي كمثقف علماني، أنا أرفض رفضا تاما استعمال الدين في السياسة أو في الدولة. أو اعتباره مرجعية شمولية وحيدة للدولة، لأن هذا لن يسمح أبدا بأي تقدم، ولكنني أعتقد بأن هناك مهمة كبيرة علينا إنجازها لكي نفلت من هذا الخطر القادم، وهذه المهمة هي نوع من الإصلاح الديني على الطريقة المغربية. وهدف ذلك هو التأسيس لقراءة تجديدية للدين تفلت من النزعة السلفية والظلامية، وتعطي للدين قراءة تجعله يطابق حساسية مجتمع عصري، وفي طريق التحديث والتنمية. { وأين تموضع القضية الأمازيغية في هذا الطرح؟ الأمازيغية بالنسبة لي، ليست لغة بل هي قيم ثقافية علمانية، وهذا يمكن أن يساعد في الدفاع عن هذا المنظور، من منطلق «أصيل» فعندما نقول فصل الدين عن الدولة، والتحديث يقال «أنت تابع للغرب» أو تغريبي.طيب، لنقم بهذا كله انطلاقا من ثقافتنا الأصلية.والمغاربة لهم ثقافة من الشمال إلى الجنوب، وهم شعب واحد، له خصوصيته المنفصلة عن العراق وسوريا ومصر، وهذه الخصوصية هي الدين الوسطي السمح، الذي هو أصلا قراءة أمازيغية، تشكلت عبر التاريخ. فالأمازيغ حافظوا دائما على ذلك التوازن بين الديني والدنيوي. وأعطيك مثالا في التنظيم القبلي المحلي. فقبل 1912، كان هناك بلاد المخزن، وبلاد السيبة.فبلاد المخزن تطبق الشريعة، تقطع الرؤوس، وتقطع الأيدي، وترجم بالحجارة، لأنه كان هناك ظلم واستبداد. أما بلاد السيبة فقد كان هناك تنظيم جماعي. أي أن هناك مجلسا جماعيا للتسيير، يتولى شأن إدارة القبيلة وفق قوانين عرفية، يضعها الناس بعقولهم ويجتهدون فيها، أما الدين فيقومون بمطابقته مع ثقافتهم الأصلية وليس العكس، أي أنهم يخضعون النصوص لأولوية مصلحة الجماعة، بينما السلفية الوهابية التي جاء بها الإسلاميون، تقول، عليك أن تجعل حياتك كلها مطابقة للنص الديني كما فهمه القدماء، أي أن علينا في النهاية أن نُخضع حياتنا للموتى، والأمازيغ يفعلون العكس، يفهمون الإسلام حسب ثقافتهم، ولا يفهمون ثقافتهم حسب النص الديني، أو تأويلات الفقهاء، أو قراءاتهم السابقة، بل يفهمونه حسب حاجاتهم، ولهذا لم يكونوا يقطعون يد السارق، بل يحكمون عليه بالغرابة، ولم يكونوا يحكمون بالإعدام لأن هذا الحكم لم يكن موجودا في العرف الأمازيغي نهائيا. بل كان هناك الحكم بالنفي كأقسى عقوبة. وكانوا يغرمون الرجل الذي يضرب زوجته... هذه ثقافة أخرى. فلماذا لا نقوم بتوعية المغاربة، بأن لهم ثقافة أصلية منفتحة على القيم الكونية، وأن نجعل الدين يفهم حسب هذه القيم التي هي في نفس الوقت كونية، تتم المناداة بها في الأممالمتحدة، وفي المنتديات الدولية لحقوق الإنسان. نحن دافعنا على ذلك، باعتبار أنها ثقافتنا ولم نجد أي تعارض بين حقوق الإنسان الدولية وبين ثقافتنا الأصلية. بينما السلفيون يرون أن هناك تعارضا. ويعترضون على حقوق الإنسان باعتبار أن هناك خصوصية دينية. نحن نرفض هذا المفهوم المنغلق للخصوصية. إذن الحل لمواجهة التطورات الخطيرة التي تعرفها المنطقة، ولكي لا يقع المغرب، فيما وقعت فيه بلدان مثل ليبيا ومصر واليمن، علينا أن نقوم بهذا التأسيس لتحديث الإسلام، أي من أجل قراءة حديثة للإسلام. لأنه لا يمكن أن ننكر وجود الدين أو نتجاوزه، لأنه حقيقة سوسيوثقافية. { ولكن شريطة أن تضع إلى جانبه حرية المعتقد؟ هذه هي الطريق نحو حرية المعتقد ونحو العلمانية الهادئة،التي يجب أن تأتي من داخل المنظومة الدينية نفسها، وإلا سنفشل. لأنه إذا كانت لدينا نخب، تقول أن لديها شيئا يسمى القيم الكونية والعالمية وحقوق الإنسان،فهناك كوكبة أخرى تقول هذه أمور غريبة عن ثقافتنا، ونحن لدينا تراثنا وديننا فيه شيء آخر،إذن لن نخرج من الأزمة، علينا أن نؤسس لهذا التغيير في العقليات من داخل المنظومة الدينية نفسها. وينبغي أن نعمل على المستويين النظري والعملي، في الفكر والتعليم والإعلام وكل المرافق الحيوية. أنا مثلا كمثقف، أشتغل في مسألة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها في العالم، ولكن في نفس الوقت أحاول التأصيل لهذه القيم في التربية الوطنية. وبدون ذلك لن نوفق في مواجهة الغلو السلفي ، والدليل على ذلك أننا فشلنا على مدى قرن كامل، منذ عبد الرحمن الكواكبي، ومحمد عبده، ورشيد رضا، والأفغاني إلى اليوم، على مدى قرن من الزمن، فشل المسلمون في أن يتخطوا عتبة التخلف نحو الديمقراطية والحداثة، لأنهم أجهضوا عملية التأسيس لذلك من الداخل بسبب ظهور الإخوان المسلمين في مصر، واكتشاف البترول في المجال الوهابي. { طيب أستاذ عصيد، إذا سرنا في هذه المنظومة التي تنادي بها, فهذا نوع من التنازل من أجل التعايش... عصيد (مقاطعا)... لا ليس تنازلا، لأننا لا نتنازل عن المبادئ، أعني مبدأ المساواة، والحرية، العدل... ولكن علينا أن نقدم قراءة للنصّ الديني تطابق هذه الحاجات. أن نجر التراث نحو أهدافنا الحداثية، وليس العكس. { هل هذا يعني نوعا من التوفيقية..؟ هناك فرق بين هذا المنظور والتوفيقية. فالتوفيقية هي أن تقول أن هذه القيمة في الدين هي نفسها هذه، بدون أن تجر الإنسان لكي ينخرط في عصره، والنتيجة النهائية أن التوفيقية هي السقوط في النزعة التراثية. ولكن نحن ننادي بالتغيير نحو الأفضل،عبر جعل الإسلام بناء عصرياً، وهذا بحاجة إلى إعادة قراءة شجاعة. فأوروبا لم يكن ممكنا أن تتقدم لولا الإصلاح الديني الذي خاضه «مارتن لوثر» مع كثير من المصلحين. ولو ظلت الكنيسة الكاثوليكية هي التي تسير أوروبا، لما عرفت هذه الأخيرة أزمنة حديثة، والتي انبثقت من ظاهرة الإصلاح الديني، لأنه كان لا بد من تحرير العقول. ومن أجل ذلك، لا بد أن نعود إلى الأصول، ونطرحها بشكل مختلف، وهذا ما فعلته أوروبا عندما عادت إلى التراث اليوناني، وظهرت نزعات مختلفة كالإنسية والسكولائية، بل وحتى النزعة الإلحادية كانت مبررة لأنها تعكس رفض الظلم القائم على استعمال الدين... { أريد أن أنطلق معك أستاذ عصيد من المفاهيم التي جاءت في مسار ردك على أسئلتنا، والمتعلقة، بتحديث المجتمع، وتحديث الدين، وتحديث السياسة، لإعطاء بدائل من أجل الإصلاح والانفتاح على المستقبل، بخصوص المغرب. اليوم المغرب احترم شروط الديمقراطية وصناديق الاقتراع، ليتبلور عن ذلك حكومة برئاسة إسلامية. لكن الملاحظ أن هذه الحكومة في حصيلتها بعد المائة يوم من عمرها، تحاول المزج بين الدين الإيديولوجي وبين السياسي. فما هي قراءتك لهذا التوجه التدبيري لدى الطرف الآخر ؟ المعضلة اليوم أننا لسنا أمام حكومة إسلامية، هذه حكومة ائتلافية يوجد فيها حزب إسلامي يترأسها.ونحن كنا ننتظر من الأحزاب الأخرى غير الإسلامية أن يكون لها حضور في العمل الحكومي، وأن تضغط من أجل الحفاظ على المكاسب الديمقراطية. ومن أجل أن يبقى الفعل الإسلامي داخل الحكومة، في حدود الخيار الديمقراطي. لكن ما حدث الآن هو أننا أصبحنا أمام حكومة جزر معزولة، فالإسلاميون جزيرة، والتقدم والاشتراكية جزيرة، والحركة الشعبية جزيرة، وهناك جزيرة أخرى لحزب الاستقلال. وهذه ليست حكومة. نحن لا نرى الآن منظوراً حكوميا شاملا في أية قضية من القضايا. فوزير الاتصال يقرر إلغاء عملية اليانصيب في التلفزة، فيحتج عليه وزير الشبيبة والرياضة الذي هو مشارك في الحكومة، ويصرح وزير بأنه يريد وضع خطوط حمراء للسياحة، على أساس أن السياح يأتون من أجل ارتكاب «المنكر»، فيحتج عليه وزير السياحة. ولهذا فنحن لأول مرة أمام حكومة غير منسجمة. { إذن ما هو المطلوب؟ المطلوب أولا من التيار الحداثي في المجتمع أن يدعم الأحزاب السياسية، سواء التي في المعارضة أو في الحكومة، ذات الخيار الحداثي الديمقراطي. والسبب في أنني أركز على هذا المعطى هو أن التيار المحافظ الآن داخل الحكومة يسلط أتباعه في المجتمع لمواجهة قيم الديمقراطية والحرية، لكي يوهمنا بأن الشعب المغربي هو الذي يطالب بمنع كل مظاهر الحريات والإبداع. فتيار التوحيد والإصلاح عندما ينزل ليتظاهر ببضع عشرات من الناس أمام مطعم، ويطالب بإغلاقه، يقال بأن الشعب المغربي يطالب بذلك، في حين أن من يفعل ذلك ليس الشعب، هذا تنظيم تابع لحزب العدالة والتنمية، ولأن الحزب لا يستطيع منع الخمور، لكي لا يظهر بمظهر الحزب الديني، لأن ذلك يهدد مستقبله في السياسة، ويهدد تحالفه المرحلي مع النظام، فهو يستعمل أتباعه في المجتمع. { من هذا المنطلق، أتساءل: أين هم الآخرون؟ التيار الآخر في المجتمع ينبغي أن يبرز بقوة الآن، لكي يحول دون أي انزلاق نحو تهديد المكتسبات الديمقراطية في المغرب.وأعتقد أنه عندما تلاحظ الأحزاب الموجودة في الحكومة سواء اليسارية أو الليبرالية، بأن تيارا في المجتمع يتحرك لصالحها، تصبح أكثر قوة،لأنها تتصرف الآن من موقع ضعف، فهي تعتقد بأنها حصلت على نسبة قليلة من الأصوات، وأن الحزب الأغلبي هو الذي له نوع من النفوذ في الحكومة، فتضعف مردوديتها. فلنفرض الآن أن جميع المثقفين والفنانين شعروا بالخطر وخرجوا إلى الشارع، ضد منع السينما، ضد الوصاية الدينية على الفنون، فإن لا أحد يستطيع أن يواجههم، لأنهم زبدة المجتمع، وضميره، وهم نبضه وروحه. وهذا هو المطلوب الآن، لكن تستطيع الأحزاب اليسارية والليبرالية أن تضغط من داخل الحكومة أو في المعارضة. لكن ما نشاهده اليوم هو حزب إسلامي يتظاهر أنه ليس دينيا، ويتحرك بخجل وفي حدود، لكي يزرع إيديولوجيته السلفية بالتدريج، في مقابل أحزاب أيضا خجولة ليست لها الشجاعة، أن تتخذ داخل العمل الحكومي قراراً، لكي تؤسس لمنظور حكومي منسجم، يحترم الديمقراطية وروح الدستور، وإن كان هذا الأخير متناقضا. لأن التيار المحافظ يأخذ جملة من هنا وجملة من هناك داخل الوثيقة الدستورية ويستعملها، لأن هذه الأخيرة تتيح له إمكانية ذلك. ولهذا وجهت نقداً لخطاب الملك محمد السادس، عندما قال:»لا يحق لأحد تأويل الدستور تأويلا غير ديمقراطي»، فكتبت مقالاً أقول فيه «إذا كانت السلطة لا تريد التأويل غير الديمقراطي للدستور، فقد كان عليها أن تحرص أن يكون الدستور ديمقراطيا وغير متناقض في مضمونه، وفي هذه الحالة لن يستطيع أحد قراءته قراءة غير ديمقراطية». { في هذا المسار, ما هو موقع التيار الأمازيغي، الذي يتموضع في الفضاء الحداثي بصفة عامة، والذي بدوره تعرض لانكسارات، ولتصدعات، نابعة من الاختلاف الكبير الذي يطرحه هذا التيار في التناول حتى داخل بعض الأحزاب الوطنية. فهل هذا التيار مستعد الآن بآليات جديدة لمواجهة «أسلمة الدولة» كما مواجهة خطة تعميق التقليدانية؟ بالطبع هذه هي أولويات الحركة الأمازيغية، وأقصد بالحركة الأمازيغية الجمعيات والمثقفين والفنانين والأطر والفعاليات والطلبة، وهؤلاء يؤمنون بأنه لا حل إلا بإقامة الديمقراطية بمعاييرها الكونية. وتوفير حقوق الإنسان للجميع، وهم بطبيعتهم في مواجهة الردة السياسية والثقافية التي يمثلها التيار السلفي بكل تلاوينه وتشكيلاته. وأعتقد بأن معارك الأمس وصراعاته ليست هي معارك اليوم، فعلا كانت هناك أحزاب فيما مضى تعارض بعض مطالب الحركة الأمازيغية وتتحفظ عليها بسبب الإيديولوجية التي تتبناها هذه الأحزاب، وخاصة اليسارية، وأعني بذلك الإيديولوجية القومية العربية. لكن هذا سياق مضى. وأستطيع أن أؤكد بأن 14 حزبا ساندت مطالب الحركة الأمازيغية. وخاصة مطلب ترسيم الأمازيغية في الدستور ما بين 20 فبراير وواحد يوليوز. أي في ستة أشهر من النقاش، إضافة إلى النقابات والحركة النسائية وما يقرب من 90 في المائة من المجتمع المدني، إذ أصبحت لنا أغلبية. فالعمل الفكري الهادئ الذي قمنا به على مدى 45 سنة، أعطى ثماره عكس ما كنا نعتقد، فحصد ثماره في حركة 20 فبراير التي رفعت في الشارع شعار ترسيم الأمازيغية، ثم الأحزاب والنقابات وكل الذين استجابوا في مذكراتهم التي اطلعنا عليها، والتي سلمت للجنة المانوني، ولهذا فالنضال السلمي والعقلاني يعطي دائما ثماره. الآن نحن في وضعية نحتاج فيها للتحالف القوي من أجل صيانة المكتسبات، في الأحزاب والمجتمع المدني وفي الحركة الأمازيغية نفسها لأن المكتسبات هي في نهاية المطاف واحدة، ألا وهي الديمقراطية. بالنسبة لنا الاعتراف بالتنوع والتعدد اللغوي والثقافي والهوياتي، مكسب ديمقراطي، وهو نفس الشيء بالنسبة للأحزاب الأخرى، والتنظيمات المدنية الحية، زد على ذلك الصلاحيات الهامة التي أصبحت للحكومة وعلى رأسها صلاحية رئيسها. وكل ما تحلم به الأحزاب الديمقراطية هو أيضا حلمنا، ونحن نتقاسم نفس الأهداف، لكن الخطر الذي يهددنا جميعا هو الأصولية الزاحفة والتطرف الديني، الذي هو نوع من الطاعون الناتج عن زواج بين البترو دولار والوهابية، وهي عقيدة صحراوية متشددة، وعلينا أن تكون لنا استراتيجية واضحة لمواجهة هذا الخطر، والمتمثلة في وعينا أولا بمكتسباتنا وأهدافنا وآليات اشتغالنا التي ينبغي تطويرها في هذه المرحلة بالذات. أما بالنسبة للأحزاب السياسية, ففي نظري ينبغي أن تستعيد ديناميتها وعلاقتها بجماهيرها، سواء في الأوساط الحضرية أو القروية، وذلك ضروري لاستعادة ما تم فقدانه في السابق، إضافة إلى ضرورة التنسيق الكامل بين كل هذه المكونات بهدف تشكيل جبهة ديمقراطية من أجل الحداثة، وهذا وحده هو الذي يمكن أن يردع التيار الماضوي الذي يهدد مستقبل المغرب.