تحولت شركة الطيران « جيت فور يو» من نسر يهدد بالقضاء النهائي على الناقلة الوطنية الخطوط الملكية المغربية، إلى طائر داجن لا يقوى على الطيران ، فبعد حوالي 100 يوم من تنصيب الحكومة الجديدة اضطرت الشركة التي بدأت نشاطها سنة 2006 إلى محو كافة مظاهر وجودها كناقلة مغربية ذات كلفة منخفضة «لوكوست» وإلى تغطية طائراتها بألوان زرقاء بعد انضمامها في النصف الثاني من أبريل المنصرم إلى أسطول الشركة البلجيكية الأم «جيت إير فلاي» ، وتجتمع كل من «جيت فور يو» و «جيت إير فلاي» في كونهما تابعتين للمجموعة الألمانية TUI المالكة ل 160 طائرة . التشطيب على «جيت فور يو» من لائحة شركات الطيران المغربية ومن لائحة شركات الطيران المعتمدة من طرف المنظمة العالمية للطيران المدني، جاء على إثر العجز عن تحقيق أرباح طيلة عمرها الذي لم يتجاوز ست سنوات، وهو العجز الذي قلص مهامها في المغرب إلى بيع تذاكر السفر علما بأن ارتباط ميلادها في فبراير 2006 بوضع إستراتيجية جلب 10 ملايين سائح في أفق 2010 جعل منها شركة مدللة حظيت بعناية كل من وزير السياحة السابق عادل الدويري ووزير التجهيز والنقل السابق كريم غلاب واستعملت كواجهة لتبرير مجموعة من الإجراءات التي ألحقت أضرارا بليغة بالنسيج الاقتصادي الوطني دون أن تنجح في بلوغ هدفها الرئيسي المتمثل في جلب 10 ملايين سائح في أفق سنة 2010 . على عكس الخطوط الملكية المغربية التي تلزمها الدولة بتغطية مجموعة من الرحلات الوطنية غير المربحة تجاريا، فإن «جيت فور يو» اكتفت بتغطية الخطوط المربحة وخاصة منها المتجهة نحو أهم المدن الأوربية فضلا عن تنظيم رحلات من صنف «شارتر» . يعود تاريخ إنشاء «جيت فور يو» ،من طرف كونسورسيوم مغربي، إلى سنة 2005 واستطاعت بفضل أسطولها المكون من 5 طائرات أن تستفيد من امتيازات اتفاقيات فتح الأجواء وأن تدخل سوق المنافسة ابتداء من فبراير 2006 وأن تغطي 28 وجهة ، نصفها في اتجاه فرنسا، بأكثر من 100 رحلة في الأسبوع ، وخلال سنة 2010 نقلت 1100000 مسافر ليرتفع مجموع ما نقلته حتى ذلك الحين إلى 4,5 مليون مسافر، أما عدد مستخدميها فكان قد بلغ 280 ، وقد تم الاستغناء عن الأغلبية الساحقة منهم. والملاحظ أن قرار امتصاص الشركة البلجيكية لأختها المغربية المتخذ منذ بداية السنة الجارية ، ما كان له لينفذ لولا أن الخطوط الملكية المغربية وقعت برنامجا تعاقديا مع الحكومة المغربية استطاعت بفضله أن تتوفر على التمويل اللازم لتجديد وتقوية أسطولها ولموازنة حساباتها المالية، فكونها حققت، في ظل تنافسية شرسة وغير متكافئة، نتائج مربحة في الأشهر الأولى من السنة الجارية، فإنها زادت من متاعب «جيت فور يو»، مما فرض عليها الالتحاق بباقي شركات النقل الجوي ذات التكلفة المنخفضة التي اضطرت إلى الكف عن مزاولة نشاطها في المغرب. والملاحظ كذلك أن الاتحاد الأوربي يسعى جاهدا إلى توقيع اتفاقيات تحرير الأجواء مع دول أخرى بحوض البحر الأبيض المتوسط، غير أن المعطيات المتوفرة تفيد بأن الكيان الإسرائيلي شبه رافض لدخول هذه المغامرة بينما تونس بصدد دراسة الملف وتتخذ من التجربة المغربية المثل الذي يجب تفادي الوقوع في نفس الأخطاء التي وقع فيها. والمثير للانتباه هو أن كل مكونات قطاع النقل عانت من انعكاسات خيارات التحرير وما تلاها من قرارات، فإذا كان دعم الدولة للخطوط الملكية المغربية قد أنقذها من الإفلاس، فإن شركتي «كوماريت» و كومناف» المالكتين ل 11 باخرة والمشغلتين لحوالي 3000 مستخدم لم يعد يفصل بينهما وبين الإعلان عن الإفلاس، إلا فترة وجيزة، بينما النقل الطرقي الذي فقد وجوده في النقل الدولي بشكل شبه تام ، عرض جل المقاولات الصغيرة والمتوسطة إلى الغرق في الديون والمتاعب. إن المغرب الذي يراهن على التقليص من تبعية معدلات النمو المحقق للتقلبات المناخية، لا يمكنه تحقيق مبتغاه في ظل حكامة تقوم على الزج بالاقتصاد الوطني في خيارات إستراتيجية تنطلق من تضييق الخناق على المقاولة الوطنية وعلى تمتيع الأجانب بكل الامتيازات، فالتحرير لم يعد مجرد مطلب وإنما تحول إلى أمر محتوم على الجميع أن يتعاون ، في إطار شراكة جادة، على مواجهة إكراهاته وعلى جني ثمار إيجابياته.