شعرت ببعض الأسى وأنا أكتشف بأن المغرب لم يعد البلد الأول في تصدير الحمير. هو أسى، لأنني اعتقدت أن الكيف والحمير والزمزمي وزيان خصوصية وطنية، مثل قرود الأطلس والنعناع والجلباب الوطني والطربوش.. ومثل أي شيء يرتبط بالخصوصية، مازال الحمير جزءا من ذكريات كل المغاربة، الأذكياء منهم وغير الأذكياء. لا أعرف لماذا تنازلنا عن الرتبة الأولى في الحمير؟ ولا أعرف لماذا لا يمكن أن نبقى، حتى نؤسس جالية مغربية بالفعل في كل حدائق الحيوانات في العالم، وفي كل الحقول، وفي كل الرانشات والضيعات من شرق العالم إلى غربه، ومن صحرائه إلى قطبه المتجمد. ربما هو الاستعمال الداخلي ارتفع، استعمالنا الداخلي من الحمير صار ضروريا، وزاد عن النسبة المطلوبة، وربما أن حميرنا فقدت شيئا ما من طبيعتها، ولم يعد لها ذلك التميز الطبيعي، والتلقائي، السياقي من مردودية في العالم. أتساءل، بغير قليل من الحسرة، أفي الحمير أيضا نرتب ثانيا، في الصف الثاني بعد أن كنا الحميرين الأولين في العالم؟ ألم يشفع لنا، السي محمد بلمو بمهرجان الحمير الذي نكرم فيه السلالة الأليفة للبشر؟ القضية جدية فعلا، ولا تقبل الهزل، ومازلت أنتظر سؤالا يوجه إلى الحكومة: كيف تقبلون أن نرتب في الصف الثاني، فهذا النوع من الثديات، مثل الإنسان على كل حال، صاحب القوائم الأربعة، استطاع أن يصبح فعلا مرجعا في العلاقة بين الثقافة والطبيعة. انظروا إلى مميزاته: أذان طويلة، تفوق كل أجهزة التنصت الدولية بما فيها برنامج ايشلون الذي فجر فضيحة أمريكا. عينان تتجهان قدما دوما، عكس الحصان الأليف الذي يعيش، وهو بذلك يعطي معنى للأمام على الرجوع إلى الخلف. نهيقه متميز للغاية، ولا يمكن أن تخلط بينه وبين أي حيوان آخر، مثل الكثير من الناهقين باسم العلم أو السياسة أو المال.. والحمار لا يتطلب منا أكثر من أربعين سنة، في الغالب، حيث يعرف متى يرحل، ولا يبقى على صدور الأنام. الحمار من الكائنات القليلة التي تعرف متى ترحل، ومتى تترك المكان لغيرها. (أنا لا أفكر في البشر طبعا) والحمار مطية ووسيلة نقل، وهي الوحيدة التي أعتقد بأنها لا تمنح لصاحبها أي ريع. الحمير لا تعيش بالريع، لا تريد من الآخرين أن يكونوا ريعيين.. تفكروا في هذه الحكمة: لا يمكن غدا أن يدعي عبد العزيز رباح أنه حقق سبقا سياسيا وإعلاميا، ويعلن لنا مثلا عن الريع في استعمال الحمير كوسيلة تنقل. يقول كتاب التاريخ إن الحمار ظهر مع الحضارة الفرعونية، نعم، وبعد ذلك انتقل إلى حضارة الهلال الخصيب. أي نعم، مثل الحروف تماما. فهل هي صدفة أن الحمير والكتابة بدآ معا في نفس اللحظة المهمة من تطور البشرية؟ الحمار، أيضا، له حضور حقيقي في الثقافة.. طبعا، فهو لا يعرف القراءة والكتابة، ومع ذلك يدخل الأدب، على عكس الكثيرين الذين يجيدون القراءة والكتابة ولا يعرفون الأدب والثقافة.. ولا أعرف لماذا ينعت الحمار، بالحمار، والبليد. ( في الفرنسية بدأت عبارة بليد مثل الحمار منذ القرن الخامس عشر، وأخمن أنها بدأت في حضارتنا قبل ذلك بغير قليل من السنين)! فهو في الرسوم التي تصاحب «حلم ليلة صيف» للشيخ شكسبير الكبير، وهو في الأسطورة يمنح أذنيه للإله ميداس، الذي تصنع يده... والذين يحبون السينما يحبون بالفعل صدفة الحمار بالتزار. ويحبون ماكس الحمار الغيور، لماكس ليندير.. والحمار هو، أيضا، رمز الحزب الديموقراطي في الولاياتالمتحدة.. هيلاري كلينتون، أيها السادة، من مواطني الحمار في أقوى دولة في العالم. فهل يعرف الدكتاتوريون العرب، مثلا أن الذي يرفسهم دحش كبير يسمى القوي الأول في العالم؟ طبعا، هم ليسوا حميرا لكي يصبحوا رموزا في بلدانهم، أبدا حاشا، هم أسد أو فيل أو غير ذلك من حيوانات الغابة؟ في الأدب العالمي يحتل الحمار مرتبة مهمة، كما في حكايات لافونتين، وفي حكايات الإخوة كريم ( وليس الإخوة گريما، ..رجاء) وأغيول في الرسوم المتحركة الفرنسية ( طبعا أغيول هو الحمار بلغتنا الأمازيغية)، وحكاية جاك بريفير، بالنسبة للشعراء .. ومن القصائد التي قرأتها بفتنة غير منقوصة، هي قصيدة لسليم بركات عن الحمار، وعن قوته وشاعريته.. أي نعم شاعرية حقيقية تفوح منه كلما سمع إيقاع النص. ولكل الذين لم يشعروا بأسيا وأسفي وحزني قبل فقدان المرتبة الثانية في تحيماريت، فليقرأوا سقراط الذي يقول إذا ركلك حمار فلا ترد له الضربة. سقراط أيها الناس لا يخجل أن يضرب لنا مثلا بحمار.. والحقيقة هو أن الأفضل لنا أن نحسب ونعول على حميرنا عوض أحصنة الجيران. وعلينا بالفعل، ذلك لأن من الأفضل لنا أن نركب حميرنا على خيول ترمينا من فوق ظهورها.