عرفت الساحة النقابية المغربية حركية كبيرة منذ تعيين حكومة بنكيران، وتوقف العمل بعدة قطاعات عمومية وجماعات محلية، وضرب الرقم القياسي في الاحتجاج والاعتصام، وعوض تفهم الأسباب الكامنة.. فإن لغة العصا الغليظة هي التي كانت حاضرة في مراجعة تلك الاحتجاجات، تم التسويف والمناورة في تنفيذ الالتزامات والوعود السابقة، مما يطرح أكثر من تساؤل حول مصداقية الحكومة والشعارات الرنانة التي رفعتها واللغة الشعوبية التي اعتمدتها لاستمالة المواطنين، وهي «سياسة « جديدة لتغليط الرأي العام، للتحضير للاستحقاقات المقبلة. إن المتتبع للحركات الاجتماعية بالمغرب، بدءا من حركة 20 فبراير والتي رفعت شعارات وطنية مطلبية وشعبية لتخليق الحياة السياسية والنقابية والمالية والإدارية ومحاربة الفساد ومحاكمة المفسدين، لم تجد إجابات حقيقية ولا إرادة سياسية لمواجهة تلك المطالب المشروعة... وهي مطالب القوى الوطنية والديمقراطية. ومرورا بسياسة شد الحبل لوزارة العدل والحريات والتي تراجعت بشكل درامي عن الاتفاق مع النقابة الديمقراطية للعدل ( ف.د.ش) وعلى المكتسبات التي حققتها سابقا، وضربها عرض الحائط كل الالتزامات والوعود... بالإضافة إلى الصمت المطبق لوزارة الداخلية عن المطالب المشروعة للشغيلة الجماعية وما رافقها من تراجعات حول مجموعة من المكتسبات وتهميشها لمختلف النداءات والمواقف للنقابات الأكثر تمثيلية، وعلى رأسها النقابة الديمقراطية للجماعات المحلية (ف.د.ش) مما زاد في الاحتقان الاجتماعي داخل المجالس المحلية والإقليمية والجهوية وتأثيرها على مصالح المواطنين وعلى نفسية العاملين.. كما أن الشغيلة الصحية هي الأخرى دخلت في سلسلة من الإضرابات بقيادة النقابة الوطنية للصحة (ف.د.ش) من أجل تنفيذ الاتفاق السابق والتي توجت بمصادقة المجلس الوزاري على مجموعة من المراسيم ( الموقعة في عهد حكومة عباس الفاسي). أما قطاع التعليم ، فإن الإضرابات تجاوزت كل الأرقام والذي تزعمته مجموعة من التنسيقيات، وأثرت بشكل سلبي على المردودية وعلى العملية التعليمية. والوزارة لم تحرك ساكنا للرد على كل تلك الاحتجاجات، حيث أصبحت النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية تحاور الوزارة في مختلف نقط الملف المطلبي في الورشات العشر ، الحركة الانتقالية، الأطر المشتركة، الامتحانات المهنية، التكوين المستمر، الكتاب المدرسي، المبرزون، النظام الأساسي، المجلس الأعلى للتعليم، التقويم وملف الخصاص وإعادة الانتشار... وفي نفس الوقت المؤسسات التعليمية مغلقة.. مما يطرح أكثر من علامة استفهام في الموضوع!!! إن المتتبع النقابي يتفهم بشكل كبير مطالب مجموعة من الفئات التي ما زالت مغبونة ومهمشة وطالها الحيف في قطاع التعليم ونخص بالذكر: تغيير الإطار للمجازيين، الترقية الداخلية للسلم التاسع، الملحقون التربيون، الاقتصاد والإدارة، المساعدون التقنيون والمساعدون الإداريون والتقنيون والمتصرفون، الأطر المشتركة، العاملون بالعالم القروي، معادلة الدبلومات بمراكز التكوين، الدكاترة، الشواهد العليا، الماستر والحراس العامين والنظار إحداث درجة جديدة، التسقيف... لكن الوزارة الحالية لها اهتمامات أخرى، وبالتالي غضت الطرف عن جانب تدبير الموارد البشرية وركزت على خرجات الوزير غير المحسوبة العواقب وبدون أفق تربوي ولا إداري. وبالتالي استعملت العصا الغليظة لكبح تلك الاحتجاجات عوض التعاطي الايجابي. إن النقابة الوطنية للتعليم (ف.د.ش) وقفت على هذا الوضع في مجلسها الوطني يومي 23 و24 دجنبر 2011 وحذرت من استفحال هذا الموقف المزدوج في القطاع. وعلى الوزارة ان تتحمل مسؤولياتها في التعجيل بتنفيذ الاتفاقات السابقة، والبحث عن الحلول للمشاكل العالقة لمختلف الفئات المتضررة. إن الحكومة الحالية التي تراجعت بشكل كبير عن مجموعة من المكتسبات المرتبطة بالحريات النقابية وبتنفيذ الاتفاقات، عليها أن تولي مزيدا من الاهتمام للملف الاجتماعي، وأن تسهر على مأسسة العمل النقابي بسن قوانين موضوعية لمحاربة الاسترزاق النقابي، ودعم العمل النقابي الجاد ومحاربة الفساد النقابي وذلك من خلال إخراج قانون النقابات وقانون الإضراب و إنصاف المتضررين والحفاظ على كرامة الشغيلة المغربية عوض استعمال سياسة العصا والجزرة. كما أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وتكوين الأطر يجهل وزيرها تماما ملفا اسمه ملف الموظفين والأعوان في الكليات والجامعات والأحياء الجامعية والمعاهد. ويعتقد أنه يدبر الأساتذة الجامعيين فقط، مما ينم عن غياب أية استراتيجية واضحة المعالم في تدبير القطاع. وعلى الوزارة أن تراجع أرشيفها لحل المشاكل العالقة.