بعد الحكم الذي صدر بالسجن ضد الفنان المصري، الكوميدي عادل إمام، ب 3 أشهر نافذة وغرامة ألف جنيه، يحق للمرء التساؤل فعليا بقلق إلى أين تسير مصر؟. وهل الربيع العربي، هناك، ربيع؟. ذلك، أن خطورة الحكم ذاك، ليست فقط في حيثياته، بل في اختيار من يصدر عليه الحكم، مما يجعل النية العمد لتوجيه الرسالة واضحة. فعادل إمام رمز فني عال في أرض الكنانة، وحين يحاكم، فإن صف الفن المصري الرفيع كله، الذي يحاكم هنا. وبالعودة إلى حيثيات الدعوى المرفوعة، نجد أنها محاكمة بأثر رجعي عن أعمال مر على عرضها سنوات، وأن موضوعها تهمة خطيرة جاهزة هي «الاستخفاف بالإسلام» من خلال الاستخفاف وتسفيه الجلباب واللحية. ما هذا أيها القضاء المصري، قلعة الحرية والحق، الوحيدة التي كانت عالية القيمة في مصر؟. هل عظمة الإسلام كدين وكمعاملات وكإنتاج للحضارة، هو «جلباب ولحية»؟. إن من رفع الدعوى هو المسئ الفعلي لعظمة الدين الإسلامي، من حيث كونه يرفع دعوى قضائية من أجل ثوب ولحية. والأخطر من ذلك هو أن الروح التي حركت السلفي عسران منصور، صاحب الدعوى المدنية ضد الفنان عادل إمام، هي روح انتقام م ما اعتبره «استخفافا» بصورة كل شبيه له في الشكل، في أعمال فنية من قبيل مسرحية «الزعيم» وفيلم «الإرهابي» وفيلم «مرجان أحمد مرجان». فالحاصل هنا، هو أن الرجل الذي استشعر إساءة نفسية لصورته في المجتمع، لم يتردد في لي عنق الدين الإسلامي السمح، لتوظيفه بما يحقق له حلمه في الرد والانتقام من الفنان. والأخطر أن تبع القاضي نفس النهج. والخطورة كامنة في أن نتيجته هي إسكات صوت الفن وحجب حرية الإبداع. بل إن الأمر أشبه بمحاكم تفتيش، حين تتم بأثر رجعي عن أعمال فنية عرضت وانتهت من السوق منذ سنوات. لقد أكدت صحيفة «الأهرام» أن الحكم صدر غيابيا عن محكمة الجنح بالقاهرة، مما فتح الباب أمام تأويل مقلق، يفيد أن تيارا معينا، ركب على المنهجية الديمقراطية الجديدة ببلاد الفراعنة، من أجل ممارسة تحكم في القضاء المصري وتوجيهه كي يتحول إلى نوع من محاكم التفتيش التي تسكت كل صوت للنقد أو التحليل أو الإبداع. ولعل الخطاب الذي بدأ يسري هناك، قد بدأ يتأسس على عبارة «الفن النظيف»، التي يمكن أن يدرج فيها كل شئ حسب الحاجة وحسب اللحظة وحسب الحساب الآني. بل إن ما يخشى منه أيضا، أن تكون مثل هذه المحاكمات نوعا من التلهية للمواطن المصري، أمام ضخامة المشاكل التي تهدد واقعه اليومي، ليس فقط على مستوى كرامة العيش، المفروض أن تحققها خدمات المدينة المتعددة (أجر منصف، صحة، تعليم، نظافة، أمن، ترفيه، بيئة، عدل...إلخ)، بل أساسا أمام خطر القتل الاقتصادي الذي يتهدد وجود مصر بالكامل، من خلال تجفيف وادي النيل، الذي يعتبر كارثة الكارثات التي تتهدد 82 مليون مصري، بعد أن قررت الدول الخمس التي ينبع منها النيل أو يعبر أراضيها، أن تعيد تقسيم حصص الماء بينها بشكل متساو، منذ 2009، مما يلغي اتفاقية 1929، التي حددتها بريطانيا، والأمر هذا يعتبر ضربة أشبه بضربة نووية لمصر. إن اللحظة المصرية، من خلال خطأ محاكمة عادل إمام (الذي على كل حال لم ينزل قط لمساندة الحراك الشعبي المصري وهو مغضوب عليه أيضا من شباب ميدان التحرير)، هي لحظة للتحدي من أجل الانتصار لمنطق الدولة وليس لمنطق الأهواء الفئوية أو الذاتية، والرهان على قضاة مصر لحماية بيضة الجماعة (بلغة الفقهاء الأجلاء) رهان تاريخي. ولربما أن معركة أهل الحريات قد ابتدأت باكرا في مصر، وهي المعركة التي كان ينتظر طبيعيا أن تظهر بعد فترة من الزمن يكون كافيا لتقييم نتائج حكم التيارات المحافظة هناك. لكن، واضح أن المعركة تلك ابتدأت باكرا بشكل لم يكن يتخيله أحد. الأمر في المحصلة يؤكد أن التجربة المجتمعية لأهل النيل في لحظة امتحان، وواضح أن المعركة من أجل القيم الكونية الخالدة للحريات ولتكريم بني آدم (التي سيرة النبي محمد نفسه قدمت الكثير من الأمثلة المتنورة عنها) سوف تبتدئ قريبا هناك، ومن يدري ربما حتى في سماوات أخرى مماثلة، مما قد يفرز جيلا جديدا من حماة الحريات في دنيا العرب.