السائد غالبا في تفسيرمسؤولية تدني النتائج المدرسية لدى التلاميذ في المدرسة المغربية(والتي يشتكي منه الجميع) هو التركيز على الأسباب والمتغيرات المرتبطة بالمنهاج الدراسي(الاختيارات البيداغوجية والمناهج والبرامج والكتب المدرسية ونظام التقويم والامتحانات...)،وهشاشة البنيات والتجهيزات والوسائل والخدمات التربوية،وضعف التكوين والكفايات التربوية والإدارية،وانعدام الشروط والظروف المهنية السليمة والمساعدة...غير أنه لا يتطرق إلى مسؤولية التلاميذ أنفسهم في تدني هذه النتائج المدرسية.وهذا ماسنحاول توضيحه ومقاربته خلال هذه الورقة. يمكن تحديد مسؤولية التلاميذ في تدني النتائج المدرسية من خلال معطيين أساسيين:معطى موضوعي غير مباشر،ومعطى ذاتي مباشر:بالنسبة للمعطى الموضوعي،والذي يتحمل فيه التلميذ/ة المسؤولية بطريقة غير مباشرة(وبالنيابة)،يتجلى في طبيعة الذهنيات و القيم والتمثلات والاتجاهات والسلوكيات المكونة لشخصية التلميذ/ة من خلال عمليات التنشئة الاجتماعية،والتي يتحمل مسؤولياتها مؤسسات التنشئة الاجتماعية غير المدرسية،خاصة الأسرة والإعلام والوسط الاجتماعي والثقافي عامة.حيث يأتي التلميذ/ للمدرسة وهو مُحمل بعدة اتجاهات ومواقف وتمثلات وقيم مسبقة، قد تلعب دورا سلبيا في فعالية تعلمه واندماجه الإيجابي في عالم المدرسة؛كالصور/التمثلات النمطية السلبية السائدة حول لاجدوى المدرسة والدراسة والعلم،احتقار وعدم احترام المدرسة والمدرس،عدم التربية على قيم المسؤولية والجد والعمل والكفاءة واحترام الآخر... وبالنسبة للمعطى الذاتي المرتبط بالتلميذ/ة،والذي له علاقة سببية بطبيعة التنشئة الاجتماعية السلبية التي تلقاها هذا التلميذ/ة عبر مؤسسات التنشئة التي أشرنا إليها سابقا،فإنه يجعلنا نحمل التلميذ/ة(خصوصا في المستويات الدراسية والنمائية العليا) بعض المسؤولية في تدني نتائجه المدرسية،وذلك نتيجة عدم تحمل مسؤوليته الدراسية،من خلال سلوكياته السلبية داخل الفصل الدراسي،كاللامبالاة وعدم الانتباه والتركيز أثناء العمليات التعليمية-التعلمية،الشغب،التهاون وعدم التحلي بالجدية والمسؤولية تجاه واجباته الدراسية، الغش والاعتماد على الآخر عوض الاعتماد على النفس والكفاءة الذاتية...وغالبا مايشتكي المدرسون والمدرسات،وخاصة في التعليم الثانوي،من تفشي هذه السلوكيات المدرسية السلبية،ويقولون بأن كل مجهوداتهم تذهب سدى،ولا تلقى أي تجواب من طرف أغلب التلاميذ. لكن السؤال الجوهري والأساسي الذي يُطرح على المدرسة و المسؤولين والمجتمع عامة:هل بالفعل يحق لنا أن نُحمل التلاميذ مسؤولية سلوكياتهم ومواصفاتهم الذاتية السلبية في المدرسة المغربية؟ من المعروف،وحسب الأدبيات النفسية والسوسيولوجية خاصة،أن تكوين شخصية الطفل في أبعادها المعرفية والنفسية والاجتماعية والقيمية هو نتاج مؤسسات التنشئة والتربية.وبما أن الطفل(ة)/التلميذ(ة) لم يصل بعد إلى مرحلة النضج والاستقلالية النهائية،فإن هذه المؤسسات تبقى هي الوحيدة التي تتحمل مسؤولية كل ماهو سلبي في تنشئة وتربية أطفال المجتمع،وخاصة الأسرة،ووسائل الإعلام والاتصال المختلفة،والمجتمع المدني... وبالنسبة للمدرسة،ورغم أنها لا تتحمل المسؤولية كاملة في تدني النتائج المدرسية(كما يعتقد خطأ الكثير)،حيث،وكما رأينا سالفا،هناك عوامل لا مدرسية تتقاسم المسؤولية في ذلك(مؤسسات التنشئة،الاختلالات والاضطرابات الأسرية والمجتمعية...)،قلت رغم ذلك،فإن المدرسة مدعوة إلى تجاوز المقاربة البيداغوجية التقنوية والمهنية الصرفة(المتمركزة على المعارف/المعلومات)،واعتماد مقاربة إنسانية كذلك،تركز على تكوين شخصية المتعلم على المستوى العاطفي والقيمي(وهذا ما يُدرج في بعض مدارس الدول الغربية تحت اسم»التربية العاطفية»،التربية الشخصية»،التربية الاجتماعية»...)،لتربيته على الاتجاهات والقيم الإيجابية،سواء كانت فردية/ذاتية أو مدرسية أو اجتماعية أو إنسانية عامة،و التي تؤهله ليكون شخصا متوازنا و مسؤولا ومستقلا وفعالا...وصالحا لنفسه ولمجتمعه.وبالتالي يمكن للمدرسة أن تلعب دورا علاجيا ووقائيا لاختلالات الوسط الاجتماعي الخارجي للمدرسة ،خصوصا على مستوى القيم النفسية والمعرفية والاجتماعية،وبالتالي إنقاذ التلاميذ وتمنيعهم ضد سلبيات الوسط الاجتماعي والثقافي.وهذه هي الوظيفة الحيوية التي نريدها لمدرستنا المغربية:أن تغيرالمجتمع والأفراد(المتعلمين) عبر المعارف والقيم الإيجابية،لا أن تندمج وتنطبع كلية بهذا المجتمع(وخصوصا كمجتمعنا الحافل بمظاهر التخلف والجهل والقيم السلبية).إذ يجب على المدرسة أن تصنع لنا مواطنا جديدا يؤمن بقيم العلم والتغيير الإيجابي،وبفعاليته ومسؤوليته الذاتية في المجتمع و العالم،قادرا على القطيعة مع المخلفات والأعطاب السلبية للمجتمعات الماقبل حداثية التي تنخر الذات الفردية والجماعية على السواء. وفي الأخير تجدر الإشارة إلى أن مستوى النتائج المدرسية ليست مجرد معطيات رقمية وتقنية تهم التلاميذ في مرحلة دراسية ما،بل إنها مؤشر موضوعي على مدى نجاعة ونجاح المدرسة والمجتمع والدولة،و تقويم وامتحان يخضع له الجميع.نجاح التلميذ/ة من نجاحنا،وفشله من فشلنا.فليتحمل كل واحد مسؤوليته في تردي النتائج والمردودية الداخلية والخارجية المدرسية ،وفشل الاصلاحات التعليمية.وكفى من تحميل الأطر التربوية لوحدها(والمجتمع المدرسي) فشل الاصلاحات والنتائج المدرسية.وكفى من المقاربات التقنوية والمحاساباتية والتجزيئية والقطاعاتية والأمنية لمنظومة التربية والتعليم،وقد آن الأوان لاعتماد المقاربات الإنسانية(علوم إنسانية،الديمقراطية...)والشمولية في التعامل مع القضايا والاصطلاحات التعليمية والمدرسية. نتمنى أن تعطي الحكومة الجديدة نفسا جديدا وحقيقيا للمدرسة المغربية الغارقة في اختلالاتها» الأبدية» رغم الملايير الضخمة المخصصة للإصلاحات الأخيرة. باحث تربوي