يدين الفيلسوف والسوسيولوجي الفرنسي إدغار موران بالفضل للسينما في توجيه اهتماماته نحو اكتشاف قارات فكرية وجمالية وشحذ القدرة على التأمل في الذات والعالم والانفتاح على ثقافات مختلفة. «أنتمى الى جيل علمته الكتب...والسينما أيضا، يقول إدغار موران محاضرا في طنجة التي حل بها رئيسا للجنة تحكيم مسابقة الأفلام الطويلة في المهرجان الوطني للفيلم»، موضحا أن السينما وطّدت مكانها كفن أصيل جدير بالدراسة والتفكير، وليس مجرد واجهة للترفيه، كما ساد الاعتقاد زمنا طويلا لدى أوسع شرائح المثقفين. ودون أن يبالغ في قدرة الفن السابع على تغيير الأفكار والقناعات، قال موران، في محاضرة نشطها رئيس المركز السينمائي المغربي نور الدين الصايل أمام جمع من النقاد والسينمائيين المغاربة والأجانب، إن السينما حفزته على الاهتمام بمواضيع جوهرية من قبيل: «ما يجمع الناس وما يفرقهم». بالنسبة لواحد من المفكرين القلائل الذين راهنوا على العمل السينمائي كمنتج للأفكار والقيم، «تجعلنا السينما أفضل مما نحن عليه في الواقع. تكشف البعد الانساني حتى لأكثر الشرائح نبذا وهامشية في المجتمع». ويمضي موران في تفكيك سحر السينما قائلا إن الفيلم نص متعدد الأصوات، مفتوح القراءة حسب الخلفيات الثقافية للمشاهد، يمتاز عن باقي الأدوات الابداعية بصنع تلك الرابطة العاطفية القوية بين المشاهد والشخصية التي تصبح مجال امتداد لرغبات وهواجس الناس. وأمام سيل الثورات التواصلية والتقنية، لا يبدو إدغار موران متخوفا على مستقبل الثقافة السينمائية. لقد تيسرت قنوات المشاهدة الفردية لكن جمالية العمل السينمائي لا تكتمل إلا حين «يختبر» الفيلم مصيره داخل قاعة تصنع لروادها لحظة مشاطرة وتوحد. وعن العلاقة بين السينما والفلسفة، لا يتردد موران في القول إن كل الروائع السينمائية انطوت على مخزون فلسفي متين هو حصيلة رؤية خاصة للذات والعالم، يعبر عنها بالحركة والصورة والصوت والإيماء. وعلى صعيد آخر، وضع المفكر الفرنسي حركات التغيير في العالم العربي في سياق دينامية استئناف لنزع الاستعمار الذهني كمحطة تالية لإنهاء الاستعمار المادي، معربا عن ثقته بأن «يترسخ الربيع العربي كمصدر إلهام وتخصيب للمستقبل مهما وقعت تراجعات والتفافات على مكاسب الحرية والديمقراطية». غير أنه نبّه إلى أن ما يعيب حركات الاحتجاج، عربيا ودوليا، هو غياب قوة فكرية خلاقة تفتح أفق تجاوز المآزق المطروحة على مختلف المستويات. ذلك لأن الهدم شيء والبناء شيء آخر.