سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الدكتور منصف اليازغي مختص في السياسات العمومية والقوانين في المجال الرياضي .. البرلمانيون لم ينجحوا منذ 1963 في التقدم ولو بمقترح قانون واحد في المجال الرياضي
لم تسجل الأحزاب المغربية حضورها في الرياضة من خلال برامجها المجتمعية المقدمة في الانتخابات التشريعية إلا انطلاقا من استحقاقات 2002 وبعدها 2007، في حين أن الانتخابات التشريعية السابقة كانت تعرف حضورا مختزلا جدا للرياضة، إذ أنها لن تتعد أحيانا الفقرة الوحيدة حتى بالنسبة للأحزاب التي سبق لها تولي مسؤولية حقيبة وزارة الشبيبة والرياضة. لكن حتى بالنسبة لسنتي 2002 و2007، فإن حضور الرياضة أمكن تقسيمه إلى ثلاثة مستويات، المستوى الأول يتضمن أحزابا لم تشر إلى الرياضة بأي شكل من الأشكال، ومستوى ثان يتضمن أحزابا أشارت إلى الرياضة بشكل عرضي، ومستوى ثالث يحوي أحزابا ضمنت برنامجها مخططا موجها للرياضة، فبالنسبة لانتخابات 2002، فإن 7 منها فقط تضمنت إشارة إلى الرياضة بنسبة 37 في المائة، أما خلال انتخابات 2007 فقد تم التطرق إلى الرياضة في 22 برنامجا مجتمعيا بنسبة 69 في المائة مقابل 10 برامج لم تأت على ذكر الرياضة. لكن السؤال الذي يطرح بعد الأرقام المستعرضة أعلاه، هو الكيفية التي استحضرت بها الرياضة في برامج الأحزاب السياسية خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2011، ذلك أنه لا يكفي الإتيان على ذكر الرياضة في برنامج مجتمعي للجزم بأن الحزب يضع ضمن استراتيجيته تطوير القطاع الرياضي أو يتوفر على برنامج مؤهل للتطبيق في حالة بلوغه سدة الحكومة، بدليل أن استحضار الرياضة في بعض برامج الأحزاب جاء مقتضبا جدا وفي نصف سطر «تنظيم قطاع الرياضة على اساس تأهيله لامتصاص البطالة». وبالتالي فإن حتى الأحزاب التي استحضرت الرياضة بشكل معمق لا يمكن أن تكون برامجها في المجال الرياضي صالحة للتطبيق بالنظر إلى غياب أرقام ومعطيات دقيقة بالإمكان أن نطلق عليها استراتيجية أو مخطط ممتد على سنوات محددة، كما أن سياسة التحالفات الحكومية بين عدة أحزاب تسهم في تذويب البرامج المجتمعية للأحزاب برمتها. ما سبق يفيد أن حتى الأحزاب التي تبادر إلى إدراج الرياضة ضمن برامجها المجتمعية هي فقط تسعى إلى استحضارها ضمن القطاعات المجتمعية المتعارف عليها، وليس بقصد تقديم برنامج متكامل. ويتكرس هذا الأمر إذا ما قارنا برامج الأحزاب ما بين سنوات 2002 و2007 و2011، إذ لا يفرز تصفحها اختلافا كبيرا باستثناء بعض المتغيرات جراء بعض المستجدات التي طفت على السطح. ورغم الصعوبات التي يطرحها إجراء مقارنة مع دولة أوربية، فإن أهمية طرح نموذج متطور يمكن من فهم المساحة الشاسعة بين «وعود انتخابية» وبرامج تتماشى مع اهتمامات الجماهير الرياضية وتتميز بالآنية، فقد أعلن حزب العمال البريطاني بتاريخ 12 ابريل 2010 في مستهل حملته الانتخابية بتاريخ 6 ماي من نفس السنة عن عزمه تمكين اتحادات المشجعين المسجلة من شراء حصص في الاندية التي يشجعونها بنسبة 25 بالمائة كحد أعلى، وذلك ردا على الاستياء الواسع المنتشر بين المشجعين بشأن الأساليب التي تتبعها الاندية الكبيرة في إدارة أموالها، وايضا استجابة لاستطلاع للرأي أكد أن 56 في المائة من المستجوبين ترغب في تحويل الأندية إلى ملكية جماعية للمشجعين. وكان حزب العمال يأمل من خلال ذلك استمالة مشجعين كثيرين للتصويت لصالح الحزب في يوم الاقتراع، وقال دنكان دراسدو، المدير التنفيذي لاتحاد مشجعي مانشستر يونايتد في هذا الصددر«هناك امكانية للحصول على شعبية واسعة من وجهة نظر انتخابية»، مضيفا أن عددا كبيرا من مشجعي يونايتد البالغين، الذين يصل عددهم إلى 3.8 مليون شخص في بريطانيا، يقيمون في دوائر انتخابية هامشية «وفرصة إبداء رأي في طريقة إدارة النادي قد تجعل أناسا لم . يكترثوا بالتصويت يغيرون رأيهم هذه المرة». إن الأحزاب السياسية المغربية الواحدة والثلاثين خلال انتخابات 2011 وهي تحرر برامجها لم تكن على وعي بالمرحلة التي تمر منها الرياضة المغربية، ومارست نمطية عتيقة وتقليدية في التعامل محور الرياضة إن تم استحضاره فعليا، فما بين أحزاب غيبت الرياضة وأخرى استحضرتها بشكل متباين، فإن الحقيقة الأولى والأخيرة هي أن عمر تلك البرامج قصير جدا ويبدأ من بداية الحملة الانتخابية إلى نهايتها، ولا يمدد أجلها إلى ما بعد تشكيل الائتلاف الحكومي، بدليل أن برامج الوزيرين نوال المتوكل ومنصف بلخياط لا علاقة لهما ببرنامج حزب الأحرار اللذين ينتميان إليه أو إلى أحد أحزاب الإئتلافي الحكومي ما بين 2007 و2011، بل لا علاقة لهما بالتصريح الحكومي الذي أدلى بها الوزير الأول السابق عباس الفاسي في بداية ولايته الحكومية. على صعيد العمل البرلماني، ونحن نتحدث هنا عن الحصيلة في ظل الدساتير السابقة بما أنه ليس أمامنا مجال للحكم على حصيلة التشريع في ظل الدستور الجديد، ظل البرلمان المغربي محافظا على الخصوصية التي ميزته في تعامله مع القطاع الرياضي، إذ لم يتقدم ولو بمقترح قانون واحد منذ أول برلمان سنة 1963، مقابل احتكار السلطة التنفيذية للمبادرة التشريعية. وإذا كان الأمر يتعلق في شموليته بالسلوك السياسي المفرط الذي تتعامل به الحكومة تجاه مبادرة البرلمانيين نتيجة توفرها على الإمكانيات المادية والتقنية والبشرية الكفيلة بإعداد دراسات علمية مضبوطة، وبالتالي القدرة على صياغة مشاريع قوانين تستجيب لمختلف التحولات الاقتصادية والاجتماعية، مقابل مبادرات برلمانية لا تكون في عمومها مؤسساتية، وتفتقد إلى الخبرة والكفاءة، فإن واقع الحال يقدم قراءة أخرى، ذلك أن امتياز التشريع الذي كان ممنوحا دستوريا للجهاز التنفيذي في إطار الدستور السابق من خلال لجوئه المكثف لمساطر إعطاء الأولوية لمشاريع الحكومة في مجالات المبادرة التشريعية وحق التعديل والتحكم في جدول أعمال المجلس، لا يحول دون تقدم البرلمانيين على الأقل بمقترحات تعديل قوانين الرياضة الموجودة حاليا والتي ظلت محل انتقاد من طرف المتدخلين في المجال الرياضي. وعلى سبيل المثال، قانون التربية البدنية الذي صدر قبل 20 سنة، فقد كان المجال متاحا للبرلمانيين من أجل التقدم بمقترحات تهدف إلى إجراء تعديلات طفيفة ومتوالية للنص القانوني، وهي التعديلات التي لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تصطدم باعتراض حكومي بما أنها لا تحدث تكليفا عموميا أو تزيد في تكليف موجود أو تخفض الموارد العمومية، لكن رغم ذلك لم يخضع هذا القانون لأي تعديل ولم يقدم في شأنه ولو مقترح قانون واحد، وكان من اللازم على القطاع الرياضي انتظار مبادرة الجهاز التنفيذي سنة 2009 من خلال مشروع قانون 30.09 من أجل تعديل فصول قانون التربية البدنية. مقابل ذلك، نجد أن البرلماني قد لا يجد حرجا في عرقلة مشاريع قوانين الرياضة، ليس انطلاقا من قناعة بعدم جدواها أو ضرورة تعديلها، وإنما بناء على حسابات سياسية، فعلى سبيل المثال، وبمناسبة تقديم مشروع قانون 09 - 30، تم تأجيل المناقشات مرتين بتاريخ 5 و26 يناير 2010 بسبب تعنت بعض البرلمانيين، مع العلم أن التسريع بالمصادقة على القانونيين يمهد لتطبيق الاحتراف المعلن عنه موسم 2010 - 2011 . ويمتد الأمر إلى غاية النقاشات التي تدور داخل اللجان البرلمانية الدائمة، فخلال مناقشة مشروع قانون التربية البدنية في إطار لجنة القطاعات الاجتماعية بحضور وزير الشبيبة والرياضة منصف بلخياط، لم يتجاوز الحضور في جلسة 24 فبراير 2010 على سبيل المثال 16 برلمانيا رغم أن اللجنة تضم في عضويتها 55 عضوا، أي أن أقل من الثلث هم من حضروا النقاش بخصوص التعديلات التي تهم قانونا يعد محددا أساسيا لمستقبل الرياضة المغربية، مع العلم أن من بين 16 برلمانيا حضروا هناك 7 برلمانيين ينتمون لفريق العدالة والتنمية من أصل 9 نائبا يمثلون الحزب في لجنة القطاعات الاجتماعية. وتجدر الإشارة في السياق ذاته إلى أن فريقين برلمانيين فقط هما العدالة والتنمية والاشتراكي بادرا إلى تنظيم يوم دراسي في البرلمان بحضور باحثين ومهتمين في المجال الرياضي من أجل تلقي ملاحظات حول القانون في أفق الاستعانة بها خلال مناقشة التعديلات مع وزير الشبيبة والرياضة في إطار لجنة القطاعات الاجتماعية. إن القصور على مستوى التقدم بمقترحات القوانين لا يرتبط بغياب برلمانيين ذوي مرجعية رياضية، فقد شهد البرلمان مرور عدة شخصيات رياضية دون أن تعمل على فرض قناعات بضرورة سن أو تعديل قوانين رغم إدراكها ومعايشتها عن قرب للاختلالات التي تعيشها الرياضة بالمغرب، بل خضعت للأجواء السائدة داخل البرلمان ولم يتعد تدخلها حدود الأسئلة التي تغيب عنها الفعالية المرجوة، فقانون التربية البدنية لم يخضع لأي تعديل عبر مسطرة مقترحات القوانين طيلة 21 سنة رغم تضمنه لعيوب فضحتها التطورات المتلاحقة للرياضة المغربية، ومقابل ذلك، نجد أن البرلمان الفرنسي واكب التطورات اللاحقة بالرياضة، فقانون التربية البدنية والرياضة الفرنسي المؤرخ في 16 يوليوز 1984، والذي استلهمت منه أغلب فصول قانون التربية البدنية المغربي، خضع للتعديل 19 مرة ما بين 1984 و2003 . وإذا كان البرلمان ظل عاجزا عن تحريك ملتمس الرقابة بالنظر إلى القيود الواردة في الفصل 76 من الدستور السابق، إضافة إلى عجزه عن الربط بين تقديم الوزير الأول لبرنامجه ومسألة التصويت وطرح الثقة، فماذا تبقى للبرلمان في مجال مراقبته لنشاط الحكومة؟ بقيت الأسئلة لكن في حدود، إذ يتعذر على السؤال التحول إلى استجواب من شأنه أن يفضي إلى تحقيق أو ملتمس رقابة. الأكثر من ذلك، فعلى الرغم من محدودية مكانته في المنظومة الدستورية والسياسية لم يمارس بالشكل المطلوب دوره في مجال مراقبة الحكومة بواسطة الأسئلة، وذلك لاعتبارات خاصة بنوعية الأغلبية داخل البرلمان وطبيعة التصورات التي حكمت سلوك الأغلبية والمعارضة على حد سواء ودرجة الحوار بين الجهازين التنفيذي والتشريعي. هذا الضعف المسجل على مستوى المراقبة المتاحة دستوريا عبر الأسئلة الشفوية والكتابية، يطرح عدة علامات استفهام حول دور الأحزاب السياسية بما أنها مكون أساسي ضمن مكونات البرلمان، ذلك أن استجلاء حدود الأدوار التي تلعبها الأحزاب من قلب البرلمان في توجيه السياسات العمومية يظل أمرا مثيرا للاهتمام. فبغض النظر عن طبيعتها، فهي تقوم بعدد من الوظائف من أهمها تجميع المصالح والتعبير عنها، كما تقوم بوظيفة اتصالية بين الحاكم والمحكوم، وبالتالي يطرح التساؤل حول مدى تمثيلها لمطالب المتدخلين في القطاع الرياضي في حالة بلوغها كرسي الحكومة أو اختيارها ممارسة المعارضة، ومدى تأثيرها على عملية صنع السياسات باعتبارها منظمات للرقابة، من قلب البرلمان على الخصوص، على تنفيذ السياسات العمومية. إذا كان السؤال هو السمة المميزة للنظام البرلماني والحقوق التي يعترف بها للمعارضة، فإن السؤال في السياق البرلماني المغربي له منحى آخر، وكأن لسان حال البرلماني يقول «أنا أضع السؤال، إذن أنا موجود»، موجود من خلال الظهور الإعلامي بصرف النظر عن أهمية السؤال وآنيته واستعجاليته وتقديم البدائل، ولسان حال الوزير يقول «أنا موجود، أجبت أو لم أجب»، بغض النظر عن صواب الجواب ومتابعته وتنفيذه، وكأننا أمام لعبة سخيفة ظاهرها الحوار الديموقراطي، وباطنها تأكيد الوجود على مسرح التمثيل بمعناه المسرحي الذي لم يعد يسلي أحدا.