مع انتشار الأمراض الحديثة، يتراجع الاهتمام العلمي عالميا ببعض الأمراض الغريبة النادرة، التي لم نسمع بها من قبل، والتي لا يتجاوز عدد المصابين بها بضعة آلاف، ومن بين أبرز هذه الأمراض نقف اليوم عند مرض الشيخوخة المبكرة عند الأطفال، الذي يستغله البعض في مسألة التسول. يحظى هذا المرض باهتمام خاص نظرا للملامح اللافتة للنظر، حيث يبدو المرضى وكأنهم كبار السن، ويعرف ب»الشيخوخة المبكرة»، حيث تكون رؤوس المصابين صغيرة وعيونهم جاحظة، ويفقدون شعرهم بسرعة، وغالبا ما يؤدي المرض إلى وفاة هؤلاء في أعمار مبكرة. ويشكو ضحايا هذا المرض الذي يطلق عليه كذلك بالفرنسية «بروجيريا»، غالبا من أعراض تصيب أناسا متقدمين بالسن، مثل أمراض القلب الوعائية الشديدة، هذا بالإضافة إلى تصلب المفاصل، ويكون الرأس ضخما بالنسبة للوجه والفك السفلي، كما أن مظهر الأطفال عموما يكون متشابها بالرغم من اختلاف نسب الأطفال إلى العائلات أو العروق المختلفة، وهو لا يعتبر وراثيا بالمعنى الصحيح إذ لا ينتقل إلى المريض من أحد الوالدين، بل ينتج عن طفرة جينية تجري في الجنين خلال الحمل. وقد ظلت الموروثة المسؤولة عن هذا المرض مجهولة لمدة طويلة نظرا لصعوبات تقنية عديدة أهمها أن عدد المرضى المستهدفين للدراسة قليل ويتوزع في مناطق متباعدة، إلا أن العلماء توصلوا مؤخرا لمعرفة السبب، فقد ألقى بعض الباحثين نظرة على المنظومة الجينية لعشرين مريضا بالبروجيريا وآبائهم، فوجدوا أن 18 مريضا من هؤلاء يحملون التغاير نفسه في جين LMNA الموجود على الكرموزوم رقم 1، وكان الخلل هو استبدال لقاعدة DNA واحدة، مما أدى إلى استبدال الحمض الأميني غوانين بالحمض الأميني أدينين وظهور المرض. ويرجع تاريخ اكتشاف هذا المرض إلى عام 1886م بواسطة العالم هتشنسون وقيلفورد في انكلترا، ويحدث بمعدل مريض لكل ثمانية ملايين طفل، وكنتيجة للفشل الشديد في النمو لا ينضج الأطفال المصابون جنسيا فهم عقيمون، لذا لم يذكر وجود حالات انتقال من الآباء الى الأبناء، ولم يلحظ وجود زيادة في حدوث ذلك المرض عند الأقارب أو في المظاهر المترافقة مع الطفرات والوراثة الجسمية، كما لم يعرف إلى الآن الأساس الجزيئي لمثل هذه الطفرات ويظهر الأطفال المصابون بالشيخوخة طبيعيين خلال فترة الرضاعة، لكن علامة زرقة منتصف الوجه والأنف مع تصلب الجلد قد تشير إلى وجود المتلازمة عند الولادة. أما من ناحية العلاج فلا توجد معالجة نوعية لمثل تلك الحالات يؤكد عدد من الأطباء المختصين، ولكن البحث جار لتوثيق مثل تلك المتلازمات النادرة للمساعدة على التشخيص والتي عادة يتم تشخيصها بشكل سريري من خلال العلامات المرضية الوجهية والجسمانية مع السعي قدما لتحديد أسباب حدوث تلك المتلازمة والأسس الجزيئية لذلك الداء بشكل دقيق. للإشارة، وفي نفس السياق، لقد قام باحثون إسبان وفرنسيون بتجربة ناجحة على فئران لعلاج مرض الشيخوخة المبكرة، الذي يؤدي إلى شيخوخة متسارعة ويصيب نحو مئة طفل في العالم كما أظهرت بعض الدراسات التي نشرت مؤخرا بإحدى المجلات الطبية. ويرتكز العلاج الذي قام به فريقا نيكولا ليفي وكارلوس لوبيز أوتين (كلية الطب في جامعة اوفيدو) من خلال تجربة على فئران، على مزيج بين جزئتين موجودتين تستخدم إحداها لخفض نسبة الكولسترول في الدم وللوقاية من مخاطر الإصابة بأمراض قلبية والأخرى لمعالجة ترقق العظام. وتنجم الشيخوخة المبكرة عن تراكم بروتينة مبتورة هي «البروجرين» في الخلايا، مما دفع بالباحثين إلى مزج هاتين الجزيئتين ساعد على محاربة سمية هذه البروتينة غير الطبيعية وأدى إلى تخفيف تطور المرض وإبطائه، مما خفف من أعراض المرض مثل تأخر النمو ونقص الوزن وتساقط الشعر وهشاشة العظام وزاد من معدل الحياة لدى الفئران (179 يوما مقابل 101 يوما) كمعدل وسطي.