هي حالات من بين مجموعة من الحالات التي لم يستطع الزمن المغربي الكشف عنها، حالات تتجسد فيها أبشع مشاهد الاستغلال حيث منطق السخرة هو المتداول عند «المخازنية من زمن مضى» إلا في أذهان ديناصورات لم تنقرض بعد. فلعل المتتبع لعلاقة بعض المنتخبين وبعض رجال السلطة والمسؤولين في المناطق النائية من المغرب يدرك بأن رياح التغيير والزمن المغربي المبشر به لم يمر من هناك لأن عقليات الماضي مازالت تطغى على المسؤولين هناك منتخبين كانوا أم موظفين ورجال سلطة. هي حالات وحكايات تتداولها الألسن هناك في المغرب العميق لمسؤولين ومنتخبين يتصرفون بمنطق «السادة والعبيد»، منطق «الزريبة والخدم» فاستباحوا كل شيء في غفلة من الجميع. أورد هنا على سبيل المثال وليس الحصر حكاية رئيس مجلس بلدي بالجنوب المغربي مع المواطنة رقية عندما زارته في مكتبه لطلب رخصة بناء «برزة» تتوفر على الجميع الوثائق القانونية اللازمة لتشييدها. فتعامل السيد الرئيس بلغة «السُخْرة الإجبارية» بحسب ما أوردته المشتكية في رسالة موجهة إلى وزير الداخلية في وقت سابق تطلب منه التدخل لإنصافها ورفع الحيف الذي لحقها . السيد الرئيس أراد وبكل بساطة مقايضة السيدة رقية! يتكلف زوجها برعي إبل وماعز وغنم «جنابه» مقابل تسليم الإذن بالبناء إليها! السيدة وزوجها وبعزة نفس رفضا الرضوخ للإبتزاز فما كان من السيد الرئيس إلا حرمانها من حق قانوني. إنه نموذج لمنطق ساد ويسود تسيير وتدبير أمور المواطنين في المغرب العميق منطق يجعل العمق المغربي على فوهة بركان قد تنفجر في ظل الاحتقان الاجتماعي. ماوقع للسيدة رقية يذكرنا بحكايات مماثلة كنا نسمع عنها حينا ونتابعها أحيانا أخرى خلال سنوات الرصاص، فالمنطق المتعامل به وقتها لايختلف عن ماجاءت به شكاية السيدة، فقد كان البعض ممن استأسد في موقع مسؤوليته يتعامل مع المواطنين بمنطق الخدم والحواري فبدا عرف «جيب أختك تجفف إلا بغيتي تخدم! وجيب مراتك تقضي لي الغرض في الدار إلا بغيتي شغلك، وجيب باك يتسخر إلا بغيتي الغرض يتقضى!» وهكذا دواليك... البعض كان يرضخ للإبتزاز خوفا من سلطة وسطوة المسؤول وقدرته على الانتقام خاصة إذا كان » حَمٌَرْ عينه« في الزوجة أو الأخت أو البنت، والبعض الآخر كانت عزة نفسه وكرامته حاضرة بقوة فيرفض العرض، منهم من هجر مكان إقامته تفاديا للإنتقام ومنهم من تعرض للمضايقات فأصبح أقصى مايتمناه هو حدوث حركة انتقالية تعجل برحيل المسؤول. هكذا يذكرنا تصرف السيد الرئيس بالخوالي من الأيام، أتذكر جيدا ذلك المواطن البسيط الذي زارني قبل سنوات بمقر الجريدة يشتكي ظلم زوجة مزير مخلوع شغَّلته في ضيعتها ما يزيد عن ثلاثين سنة، حرمته من كافة حقوقه وفرضت على أبنائه العمل عندها بدون أجر بعد أن حرمتهم من متابعة دراستهم ولم يكفيها ذلك بل تلاعبت في رخصة سيارة الأجرة التي توسطت له للحصول عليها وحولتها إلى والدتها معاناة حكاها لنا بمرارة من يحس بالغبن والظلم، خاصة بعد أن طردته من عمله الذي كان يزاوله في ضيعتها الكائنة بدوار بوشويطينة الغابة بابن سليمان، ليكتشف أن الأجر الهزيل الذي كان يتسلمه منها، والذي لا يتجاوز 1200 درهم ليس سوى أجر شهري كان يتقاضاه من صندوق الإنعاش الوطني بمدينة ابن سليمان، وأن طرده من عمله جاء نتيجة التشطيب عليه من قائمة العاملين بالإنعاش الوطني. بمعنى أنه اشتغل في ضيعة حرم السيد الوزير ثلاثون سنة «ببلاش» حسب تعبير إخواننا المصريين. فنكتشف أخيرا بأن هذه السلوكات وإن اختفت في المدن الكبرى أو قلت حدتها على الأقل فإنها حاضرة وبقوة في بعض مدننا الصغرى وقرانا.