رصيده الكروي وألقابه الكثيرة تتحدث عنه، فهو واحد من الحراس المتميزين الذين أنجبتهم الساحة الكروية الوطنية في العقدين الماضيين. فرض نفسه داخل فريقه الرجاء البيضاوي وقاده إلى اكتساح الألقاب وطنيا وقاريا، بل كان له دور حاسم في أكثر من لقب. مجرد وجوده في المرمى كان يبعث على الارتياح في نفوس زملائه، كيف لا وهو الحارس الذي عرف بتدخلاته الحاسمة وردود أفعاله القوية وكذا تصديه لضربات الجزاء. إنه الحارس العنكبوت مصطفى الشاذلي، الذي يعترف بكونه ولد ليكون حارسا للمرمى، لأنه وجد نفسه يدافع عن «حجرتين» بالحي، وفرض نفسه بين أترابه قبل أن يقتحم باب الممارسة على أعلى مستوى عبر بوابة الأولمبيك البيضاوي. طيلة شهر رمضان الأبرك هذا، سنسافر مع الحارس الدولي مصطفى الشاذلي في رحلة ممتعة نقف خلالها عند لحظات العز والتألق كما اعترضه احيانا بعض الانكسارات، التي يرويها اليوم بكثير من الحسرة. تزامنت عودتي من فرنسا مع مباراة الرجاء ضد الترجي التونسي، برسم الكأس الإفريقية الممتازة. تابعت اللقاء بالبيت عبر شاشة التلفزة. كان فريقنا منهزما بهدفين دون مقابل، ثم أدرك التعادل، لكنه انهزم بالضربات الترجيحية. بكيت بعد هذا الإخفاق، إلا أن والدتي رفعت من معنوياتي. في اليوم الموالي التحقت بتداريب الرجاء، حيث وجدت استقبالا حافلا بالملعب. كانت الجماهير تهتف باسمي، وكأننا نحن من ظفر بالكأس. لقد كان الفريق يستعد حينها لمباراة الديربي أمام الوداد في مرحلة الإياب من البطولة. استفسرني المدرب وحيد عن وضعيتي الصحية، ومدى قدرتي على خوض هذا اللقاء، ثم قال لي إن الفريق في حاجة إلي، لأن تواجدي بالمرمى بات ضروريا. أعتبر أن بدايتي الحقيقية في عالم كرة القدم كانت مع فريق الرجاء، رغم أني لعبت في وقت سابق لفريقي الأولمبيك البيضاوي والاتحاد الرياضي. ورغم صغر سني فقد تمكنت بفضل اجتهادي من فرض نفسي والرد على كل من شكك في كفاءتي. اتصل بي الرئيس عبد الله غلام وقال لي إن وحيد يعول علي في مباراة الوداد، فقلت له إني أتوق لليوم الذي أعود فيه إلى عرين الرجاء. طالت فترة غيابي ثلاثة أشهر ونصف، وقمت خلالها بمجموعة من الممارسات طلبا للشفاء، بدء من الأساليب التقليدية ووصولا إلى الفحوصات الطبية بأرقي المصحات، سواء بالمغرب أو في فرنسا، لدرجة أنني أصبحت على استعداد للقيام بأي شيء من أجل العلاج، وكان المحبون يقترحون علي كل يوم حل، فحتى الكي والحجامة و «العشبة» جربتها وعند أكثر من شخص. لم أكن مستعدا لهذه المباراة، لأني انقطعت عن التداريب، غير أن وحيد ألح على دخولي، وقال: «يكفيني تواجدك بالمرمى، لا تقم بأي مجهود، وحاول أن تتفادى أي احتكاك مع لاعبي الوداد، فقط أدخل وقف بالمرمى». خصص لي المدرب ثلاث حصص تدريبية خفيفة، ودخلت المباراة أساسيا. كانت جماهير الوداد تصدح بأعلى أصواتها بالملعب، خاصة وأن فريقها كان ينافس بقوة على لقب موسم 1997 - 1998، بينما كانت الهزيمة أمام الترجي مخيمة على نفوس الجماهير الرجاوية، التي ما إن شاهدتني أطأ أرضية الميدان، حتى انفجرت بأعلى الأصوات، وراحت تردد «لعبي يارجا .. الشاذلي هاهو جا». شعرت بثقل المسؤولية، وأحسست أن كل الأعين مركزة علي. تخوفت من أن أخيب ظن هذه الجماهير، لأنني قد أتأثر بالإصابة، وبغياب التنافسية الناجم عن عدم خوضي أية مباراة منذ أكثر من ثلاثة أشهر. استعدت ثقتي في نفسي بعد تشجيعات الجماهير، وقررت مع نفسي أن أكون في المستوى المطلوب. وكذلك كان.فقد أثنت علي في اليوم الموالي كل الصحف الوطنية واعتبرتني أحسن عنصر من بين لاعبي الفريقين معا، لأن المباراة، ورغم أنها انتهت بالتعادل بهدف لمثله، إلا أني تحملت عبء المباراة وأنقذت الرجاء من هزيمة محققة، خاصة من خلال انفرادين لرضوان العلالي، الذي هزم جمال السلامي الذي كان مدفعا أوسط، فضلا عن تسديدتين قويتين لعبدواللاي مباي في المربع الصغير. ومن باب الدعابة أن بعض جماهير الوداد شتمتني، وسمعت بعض العبارات المعاتبة والمضحكة في نفس الآن من قبيل «جاي يحبس عا اليوم.. فين كان هاد المدة كلها؟» واصلنا عروضنا القوية خلال ذلك الموسم، وأنهيناه أبطالا للمغرب من جديد، وكانت مباراة التتويج ضد الدفاع الحسني الجديدي بملعب العبدي أمام أنظار الناخب الوطني هنري ميشال، الذي كان يريد أن يقف على إمكانياتي بعد العودة من الإصابة. هذه المباراة تميزت كذلك بمواجهة بيني وبين الحارس إدريس أسمار، الذي أخذ مكاني بالمنتخب في بطولة أمم إفريقيا 98. كعادتي قدمت مباراة في المستوى، وكانت تأشيرتي إلى مونديال 1998 بفرنسا، كحارس ثالث بالمنتخب الوطني بعد عبد القادر البرازي وإدريس بنزكري. وفي الوقت الذي كان فيه الفريق يحتفل باللقب يوم الاثنين بعد مباراة الجديدة، كنت وقتها ضمن المنتخب الوطني في معسكر تدريبي بمدينة إيفران، حيث خضنا مجموعة من المباريات الإعدادية، قبل التوجه إلى فرنسا. كان هنري ميشال يري في مستقبل حراسة المرمى بالمنتخب الوطني، لأن البرازي وبنزكري كانا متقدمين في السن. كانت إقامتنا بإيكس أون بروفانس، المتاخمة لمارسيليا، وهي المدينة التي عاش بها هنري ميشال ولعب فيها، ويتوفر على صداقات واسعة بها. تعادلنا في المباراة الأولى أمام النرويج بهدفين لمثلهما، وانهزمنا أمام البرازيل في المباراة الثانية بثلاثة أهداف دون مقابل، وبدأ الحديث عن أخطاء الحارس بنزكري. طلب هنري ميشال من مدرب حراس المرمى بفريق مارسيليا أن يحضر لمتابعتنا نحن الحراس الثلاثة، وأن يحدد معه المدرب الأصلح لحراسة مرمى المنتخب في اللقاء الثالث ضد اسكتلندا. أخبر مدرب مارسيليا هنري ميشال بأنني الأنسب لحراسة مرمى المنتخب الوطني، بالنظر إلى حيويتي داخل المعترك وخرجاتي الناجحة. وقع علي الاختيار لخوض اللقاء الثالث، وطلب مني ميشال الاستعداد، فتقاطرت علي تهاني زملائي، وخاصة زميلي يوسف روسي، الذي كنت أتقاسم معه نفس الغرفة. جرت استعداداتنا للمباراة الثالثة التي جرت بمدينة سانتيتيان بشكل عادي، لكن وحسب ما وصلني من أصداء، تقرر أن لا أشارك في هذه المباراة بتوصية من باموس، الذي لم يكن متحمسا لمشاركتي، إذ أكد لهنري ميشال أنني مازلت صغير السن، وقد أتأثر من الناحية النفسانية، لأن المباراة من الحجم الكبير، وتحتاج إلى التجربة، وهنا يتفوق علي بنزكري الذي خاض مبارتين، وأصبح يثق في نفسه، فتقرر أن أكون حارسا احتياطيا، فيما كان البرازي حارسا ثالثا. تقبلت الأمر بصدر رحب، لأن المنتخب الوطني في حاجة إلى وحدة لاعبيه، وقدم بنزكري مباراة كبيرة، وحققنا انتصارا عريضا على منتخب اسكتلندا، وكنا الأحق بالتأهل إلى الدور الثاني لولا تواطؤ البرازيل مع النرويج.